عبد العزيز الهدلق
مجموعة أسئلة تدور في ذهن كل محب وعاشق للكرة السعودية، وكل شاهد على تاريخ الكرة السعودية في الماضي والحاضر: هل كرتنا السعودية اليوم بخير!؟ هل هي في موقع يتناسب مع تاريخها الكبير والعريق!؟ هل الكرة السعودية تتطور!؟ أم في حالة توقف وجمود!؟ أم هي تتراجع!؟ هل هي في موقع يتناسب مع 35 سنة احتراف.!؟ هل ما تم ضخه من أموال خلال 35 سنة في تطبيق الاحتراف حقق مردودا فنيا يرتقي لمستوى الآمال والتطلعات!؟ وهل احترافنا منذ انطلاقته وحتى اليوم يسير في اتجاه صحيح وسليم؟.
والإجابة المؤكدة التي لا يختلف عليها اثنان لتلك الأسئلة أن ما نشاهده اليوم على مستوى المنتخب الأول يؤكد أن كرتنا السعودية لم تتطور بالشكل المأمول، وأن احترافنا لا يسير في الطريق السليم.
فبالمقارنة بـالمنتخبات التي كان منتخبنا يكسبها بالخمسة والستة والسبعة أهداف قبل 35 عاما، أي قبل نظام الاحتراف أصبحت اليوم تكسب منتخبنا!؟ فهل هذا دليل تقدم أم تأخر أم جمود!؟ نحن نرى اليوم أن الآخرين تقدموا ومنتخبنا مكانك سر!
والمتتبع لتاريخ منتخبنا يجد أن أكبر إنجازات الأخضر التي نتغنى بها اليوم قد تحققت قبل تطبيق نظام الاحتراف، حيث فاز منتخبنا بكأس آسيا 84، 88، ثم حقق كأس آسيا الثالث بعد تطبيق الاحتراف بثلاثة أعوام 96. كما حقق أفضل منجز في كأس العالم عام 94، بعد تطبيق الاحتراف بعام واحد فقط بوصوله لدور الستة عشر في مونديال أمريكا!
ولن نقسوا على الكرة السعودية فربما تكون قد تطورت عن السابق، ولكنها لم تتطور بالقدر الكافي، وبما يتناسب مع الآمال والطموحات، وبما يتناسب مع الدعم المالي الكبير الذي يتم ضخه في شرايينها. فالمنتخبات الآسيوية من حولنا تطورت بشكل أسرع وهي لا تملك الإمكانات المادية التي لدينا، ولا تملك الإرث والتاريخ الكروي الذي نملكه. فمن كنا نهزمه بالخمسة سابقا أصبح اليوم يهزمنا.
وهذا البطء في التطور يتطلب وقفة من قبل المعنيين بشؤون كرة القدم السعودية لمعرفة أسبابه، فمعرفة الأسباب لا يكون إلا من خلال دراسة دقيقة ومستفيضة لمسيرة الاحتراف على مدى 35 عاما، للتعرف على نقاط الضعف والخلل والأخطاء المرتكبة، وصياغة خلاصة التجربة. ووضع الحلول المناسبة التي تعالج الخلل، وتدفع بمسيرة الكرة السعودية قدما للإمام بشكل أفضل وأسرع، وبما يتسق مع حجم الدعم الذي تجده، وبما يحقق تطلعات وآمال محبي الكرة السعودية.
إن من أكبر الأخطاء في تجربتنا الاحترافية أن القائمين عليها لم يضعوا لها منذ البداية أهدافا واضحة، ويمكن قياسها. فلقد مر على كرتنا السعودية منذ إقرار نظام الاحتراف نحو سبعة مجالس إدارات لاتحاد كرة القدم، ولم يجر أي مجلس من هذه المجالس دراسة عن واقع تجربة الاحتراف، ويعلن نتائجها! ولم يضع أي مجلس من هذه المجالس أهدافا لهذه التجربة، ومدى زمنيا لتحقيقها، تبدأ على الأقل من تاريخ تسلمه مهامه، ويعلن عند نهاية المدة الزمنية المحددة مدى تحقق هذه الأهداف بشكل كامل أو جزئي. وأسباب عدم تحقق كامل الأهداف إن وجد. هذا هو العمل الصحيح والسليم المفترض القيام به. فلا يوجد عمل بلا خطة ولا أهداف. إلا العمل العشوائي، ولمن يريد ألا تتم محاسبته على أدائه.
فمجلس إدارة اتحاد الكرة الحالي أمضى في عمله ستة أعوام، فماذا تحقق طوال هذه الأعوام.!؟ بعيدا عن الإنجازات المعتادة التي تحققها الكرة السعودية منذ عشرات السنين على مستوى الفئات السنية. فالمنتخب الأول هو المؤشر الحقيقي والصادق والدقيق لعمل اتحاد الكرة، فكلما كان المنتخب قويا ويحقق إنجازات إقليمية وقارية وحضورا عالميا مميزا، فذلك يشير إلى أن عمل اتحاد الكرة جيد ومميز ويسير في اتجاه صحيح. أما إذا كان المنتخب ضعيفا ومتعثرا، فبالتأكيد أن عمل اتحاد الكرة ضعيف ومتعثر ويسير في اتجاه غير صحيح. والحالة الأخيرة هي الواقع الذي يعيشه المنتخب الأول اليوم، وواقع اتحاد الكرة كذلك. فهناك ضعف شديد واضح وتعثر في أداء المنتخب، وهو بكل تأكيد يعكس ضعف وتعثر في أداء اتحاد الكرة. وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها أو إغماض الأعين عنها.
وحتما فمجلس إدارة اتحاد الكرة الحالي ليس مسؤولا عن الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية من نظام الاحتراف كاملة، ولكنه مسؤول عن الأعوام الستة الأخيرة التي أشرف فيها على أعمال الاتحاد، فهي تعد من حيث المنجزات الأقل في تاريخ اتحاد الكرة، رغم أنها حظيت بالميزانية الأضخم في تاريخ اتحاد الكرة، ونالت دعما ماليا سخيا غير مسبوق من الدولة، وحظيت بدعم نوعي من القيادة أيدها الله، عندما أعلن سمو ولي العهد حفظه الله مشروع التطوير الرياضي والاستثمار.
فلقد أحرجت مشاركة المنتخب الضعيفة في دورة الخليج 26 بالكويت اتحاد الكرة بشكل كبير أمام الرأي العام الرياضي المحلي. فقد كان المتتبع لمسيرة المنتخب الضعيفة والهزيلة في التصفيات الآسيوية يؤمل أن تأتي دورة الخليج كمنقذ يمسح تلك الصورة المحبطة، فإذا بها نفس الصورة، التي بلا لون ولا طعم ولا نكهة تظهر مرة أخرى.
إن مجلس اتحاد الكرة اليوم ينبغي عليه أن يكون أول من يرفض المستوى الذي ظهر به المنتخب في دورة الخليج، وكذلك في التصفيات الآسيوية، وأن يقلقه ذلك المستوى، لذلك يجب عليه الآن أن يكون في حالة انعقاد مستمر لوضع الحلول لإنقاذ المنتخب في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم، وينبغي عليه عقد ورش عمل لمعالجة الوضع المقلق، وتعديل المسار، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بوضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة للكرة السعودية عموما، وللمنتخب الوطني على وجه الخصوص، وألا يحتكر أعضاء الاتحاد ومستشاروهم العمل في هذا الجانب، بل يجب فتح الأبواب لخبراء اللعبة من مدربين وطنيين، ومدربين سابقين للمنتخب، وخبراء عالميين، للمشاركة في الأفكار وإبداء الرأي وتقييم الوضع الراهن، واقتراح الحلول.
إن منتخبنا مقبل في الأعوام القليلة القادمة على استحقاقات قارية وعالمية مهمة للغاية، تعقد عليها القيادة أيدها الله، وكذلك الجماهير الرياضية السعودية آمالا كبيرة، فيجب أن يكون العمل سليما ومتقنا بما يمكن نتاجه من الوصول لتلك الآمال وتحقيق تلك التطلعات.
إنني أؤكد لمسؤولي الاتحاد السعودي لكرة القدم أن عملهم الحالي، وخططهم الحالية لا تقود لأي منجز مستقبلي، وأن الكرة السعودية في حالة تراجع واضح، وعليهم المسارعة لتعديل المسار، والاستعانة بخبراء محليين وعالميين لإنقاذ الكرة السعودية، ذلك أن حالة الانحدار الفني التي يشهدها المنتخب حاليا لا يمكن إيقافها، وصناعة حالة عكسية بالارتقاء إلا بوجود أفكار جديدة يقدمها أهل الخبرة والتجربة والاختصاص. أما اتخاذ توجهات وسياسات وخطط من المكاتب وفقا لرؤية أصحاب السلطة في اتخاذ القرار فقط (وليس وفقا لرؤية أصحاب الخبرة والاختصاص)، فذلك لا يمكن أن يصنع تطورا، ولا يقود إلى رقي للكرة السعودية.
زوايا
* فريق كرة القدم مهما ضم من لاعبين على مستوى عال من المهارة، وأشرف عليه مدرب قدير، فإن لم يحظ بإدارة جيدة وواعية فلن يحقق أي نجاح أو إنجاز.
* الإدارة هي حجر الزاوية والأساس لصناعة فريق كروي قوي يحقق الانتصارات ويصنع الإنجازات.
* مشكلة كرتنا السعودية سواء كانت في الأندية أو المنتخب أو اتحاد اللعبة هي مشكلة إدارة بالمقام الأول. فيجب أن نحل مشكلة الإدارة أولا قبل التعاطي مع الجوانب الفنية الخاصة باللعبة.
* الحلول التي يجب الوصول لها يجب أن تكون ذات أثر مستدام، لا مجرد مسكنات وحلول وقتية.
* إعادة هيرفي رينارد لتدريب المنتخب كان خطأ من صاحب القرار في اتحاد الكرة، ولكنه جاء لمعالجة خطأ أكبر بالتعاقد مع الإيطالي مانشيني. ويعتقد صاحب القرار أن معالجة الخطأ الأكبر بخطأ أقل منه صواب!