د.عبدالله بن موسى الطاير
في الوقت الذي نتابع فيه تواصل الجسر الجوي السعودي لمساعدة الشعب السوري، بالتزامن مع جهود متواصلة منذ 7 أكتوبر2023م لمساعدة الفلسطينيين في غزة، لا يغيب عنا أن السعودية تقدم المساعدات الإنسانية في أكثر من 100 دولة، ولا تفرق في تقديم العون الإنساني بين الأعراق والأديان والألوان، فالإنسان هو الإنسان، والحاجة هي الحاجة.
مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي تأسس عام 2015م ثبّت وجوده بجدارة واستحقاق في مصاف الجهات الدولية الفاعلة في تقديم المساعدات الإنسانية، وبخاصة الاستجابة العاجلة. الموارد المستدامة الداعمة لمركز الملك سلمان والمتمثلة في حب القيادة والشعب السعودي في تقديم الخير والتسابق على فعله هي قيمة مضافة، تحتاجها المؤسسات القائمة على العمل الإنساني حول العالم.
على الرغم من المبادرات الإنسانية الكبيرة التي تقودها عدد من الدول فلا تزال الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء العالم مرتفعة للغاية، وإن سجلت بعض الانخفاض في عام 2025 عن ذروتها في عام 2023. ووفقًا للنظرة العامة العالمية للعمل الإنساني لعام 2025، فإن أكثر من 300 مليون شخص لايزالون في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، متراجعا عن 363 مليونًا في عام 2023، وهو مع هذا الانخفاض أعلى بكثير من مستويات ما قبل كوفيد-19. الانخفاض النسبي في عدد المحتاجين، لا يحجب حقيقة أن الوضع الإنساني لا يزال مروعا، ويتعين على المجتمع الدولي أن يواصل العمل معا لتقديم المساعدات العاجلة من جانب، ومعالجة الأسباب الجذرية للاحتياجات الإنسانية من جانب آخر.
تُفاقم عدة عوامل الاحتياج الإنساني، ومن ذلك الصراعات المسلحة التي تتسبب في النزوح والمعاناة على نطاق غير مسبوق. كما أن تغير المناخ، والحالة الجوية المتطرفة التي باتت أكثر تواترا وشدة، تتسبب في الكوارث والنزوح، يضاف إلى ذلك الصدمات الاقتصادية التي تعصف بين الحين والآخر بالاقتصاد العالمي بما في ذلك التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما يدفع الملايين من الناس إلى البطالة والفقر.
وفي حين تمتد الحاجة للمساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء العالم، فإن بعض المناطق تواجه أزمات أكثر حدة من غيرها؛ شرق وجنوب إفريقيا تضم أكبر عدد من الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية والبالغ نحو 74.1 مليون شخص بسبب الصراعات المستمرة في بلدان مثل السودان وإثيوبيا والصومال التي خلقت معاناة واسعة النطاق، ولأن المصائب لا تأتي فرادى فإن تلك المنطقة تشهد موجات جفاف شديدة، وفيضانات، ومتغيرات مناخية حادة، مما يؤزم انعدام الأمن الغذائي وتفشي الفقر والحاجة.
ويواجه السودان أزمة حادة بشكل خاص، باعتباره الوافد الأحدث إلى خارطة الاحتياج في تلك المنطقة، حيث أدى الصراع الأخير إلى زيادة هائلة في الاحتياجات الإنسانية، إذ يقدر عدد الأشخاص الذين يستحقون المساعدة بنحو 30 مليون شخص، بزيادة كبيرة عن 15.8 مليون شخص في عام 2023. ويأتي في المرتبة الثاني في غرب ووسط إفريقيا بنحو 65.1 مليون شخص في أمس الحاجة إلى الدعم، وبخاصة في بوركينا فاسو والنيجر، كما أن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 53.8 مليون شخص يتطلبون التدخل الإنساني، حيث يشكل الصراع المستمر المحرك الرئيسي للحاجة. آسيا والمحيط الهادئ تسجل نحو 50.8 مليون شخص في قوائم المعوزين، حيث تواجه أفغانستان وميانمار تحديات كبيرة واحتياج متجدد للدعم الإنساني.
بكل أسف، فإن الفاعلين الأساسيين في صناعة المأساة الإنسانية لا يسهمون في مد يد العون، ولا يساعدون في التوصل لحلول جذرية للمشكلات التي تعذب الإنسان، وكنتيجة فإن دولا مسالمة مثل دول الخليج، ولكسمبورج، والدنمارك والنرويج والسويد واليابان وكوريا تضطر إلى تحمل نتائج نزق تلك الدول المسببة للصراعات والحروب. أظن أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تقدم عشرات المليارات للمحتاجين حول العالم إضافة إلى الدول السالف ذكرها بحاجة إلى تعاون أكثر ليس لتقديم المساعدات فحسب، وإنما إلى فرض حلول جذرية للمسببات التي تؤدي إلى الاحتياج الإنساني وتعمق المعاناة البشرية.