سارا القرني
تعد الأزمة اليمنية من أكثر الأزمات تعقيداً وتأثيراً على الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج، حيث تعيش البلاد حالة من الفوضى منذ عام 2015م، وذلك نتيجة الصراع بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثيين المدعومين من إيران، ومع تصاعد التوترات في الآونة الأخيرة، برزت هجمات إسرائيلية على مواقع الحوثيين، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري.
تتسارع الأحداث في اليمن، حيث تتعرض المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لهجمات متكررة، مما يشير إلى تغيير في إستراتيجية الكيان الإسرائيلي التي تهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، ورغم أن هذه الهجمات لم تقتصر على الأراضي اليمنية، إذ كانت امتداداً لهجمات طالت لبنان وسوريا.. وتهدف إلى حماية المصالح الإسرائيلية من أي تهديد قد ينجم عن التحركات الحوثية، لا سيما مع تعزيز الحوثيين لقدراتهم العسكرية في السنوات الأخيرة.
تداعيات هذه الهجمات تتجاوز الحدود اليمنية، حيث يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الانقسام بين الفصائل اليمنية، وتعميق الفجوة بين القوى الإقليمية، كما أن التصعيد العسكري قد ينعكس سلباً على جهود السلام الذي تسعى إليه الأمم المتحدة، إذ إن أي تصعيد من شأنه أن يعرقل أي مبادرات دبلوماسية ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة في البلاد منذ البداية.
في ظل هذه الظروف، سيبدأ تأثير الحوثيين في اليمن بالانحسار، إثر تزايد الضغوط العسكرية والسياسية عليهم من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، إلا أن هذا الانحسار لا يعني نهاية الصراع، بل قد يؤدي إلى ظهور قوى جديدة تسعى لملء الفراغ، وهو ما سيزيد من تعقيد المشهد السياسي الذي قد تتجه بعض الفصائل اليمنية نحوه عبر اتخاذ مواقف متشددة مما قد يزيد من حدة التوترات الداخلية وتصاعدها.
أما بالنسبة لمستقبل المنطقة، فإن استمرار الصراع في اليمن وتأثيراته الإقليمية تعني أن مصالح المنطقة ستظل مهددة، مما يتطلب من دول المنطقة إستراتيجية جديدة للتعامل مع الأزمة. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية تعزيز التعاون الأمني والتنسيق السياسي بين الدول المعنية، والعمل على دعم جهود السلام، وكذلك الضغط على المجتمع الدولي للبحث عن السلام في المنطقة ومعالجة الشأن اليمني من خلال الحوار الذي يفضي إلى إنهاء هذا الصراع في اليمن!
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تدرك دول الخليج أن أي إستراتيجية مستقبلية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية للأزمة، وهو ما يحتم توفير المساعدات الإنسانية العاجلة لسكان اليمن الذين يعانون ويلات الحرب، وهو ما تفعله المملكة العربية السعودية منذ بداية الأزمة، حيث ما زالت جهودها مستمرة للتخفيف من معاناة الشعب اليمني غذائياً وطبياً وصولاً إلى مشاريع البنى التحتية والرياضة وما إلى ذلك من مقوّمات الحياة الكريمة، لأن تحقيق السلام الدائم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الفقر والبطالة، والذي لن يتحقق إلا من خلال دعم التنمية المستدامة في البلاد.
ستظل الأزمة اليمنية واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المنطقة والعالم، والتي تحمل تأثيرات عميقة على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، مما يستدعي التعاون والعمل المضني والمتكاتف من أجل إيجاد حل شامل يعيد الاستقرار إلى اليمن ويضمن عدم تفشي الصراع إلى مناطق أخرى في المنطقة.