محمد بن إبراهيم العرف
تُعد نظرية الامتياز من النظريات التي لها رونق خاص بالنسبة لي؛ فهي النظرية التي اعتمدت عليها في إعداد رسالة الماجستير، وتعمّقت فيها بشكل كبير. هذه النظرية تُركّز على فكرة بسيطة لكنها فعّالة إذا ما تم تطبيقها بالشكل الصحيح، وهي أن بناء علاقات متبادلة وثنائية الاتجاه بين أي منظمة وجماهيرها الداخلية والخارجية يُمكن أن ينعكس بشكل إيجابي على الموارد المالية للمنظمة ويضمن استدامتها.
تعود بداية هذه النظرية إلى جهود جيمس جرونج ومجموعة من زملائه الذين أطلقوا مشروع بحثي استمر لمدة عقد كامل وذلك بهدف تحديد خصائص وسمات العلاقات العامة التي يمكن أن نطلق عليها بالعلاقات العامة الممتازة. وكما ذكر راسم محمد الجمال في كتابه إدارة العلاقات العامة المدخل الاستراتيجي، فإن هذا المشروع شمل مسحًا لـ300 منظمة، واستقصاءً لآراء 5000 من المختصين في البرامج الاتصالية. كان الهدف الأساسي هو الإجابة عن أسئلة أساسية، منها: كيف تسهم العلاقات العامة في تعزيز فعالية المنظمات؟ ما هي خصائص برامج الاتصال الممتازة؟ وما الثقافة المؤسسية التي تُهيئ البيئة المناسبة لممارسة العلاقات العامة بشكل فعّال؟
أكثر ما يميز نظرية الامتياز هو التأكيد على أهمية العلاقات العامة كجزء أساسي من الإدارة العليا. كما أنها تعتبر القائمين على العلاقات العامة صنّاع رؤية استراتيجية للمنظمة، فهم يُساعدون في توجيه الإدارات المختلفة لتحقيق أهدافها. وهذا الدور يضع العلاقات العامة في موقع استراتيجي ومحوري ضمن الهيكل الإداري، وهو ما يعزز مكانتها كأداة لتحقيق التكامل بين أهداف المنظمة ومصالح الجمهور.
في اعتقادي أن إحدى النقاط المحورية في النظرية هي ضرورة استقلالية العلاقات العامة عن الإدارات الأخرى، وخاصة إدارة التسويق. هذه الاستقلالية تُتيح للعلاقات العامة العمل بشكل أكثر موضوعية وشفافية لتنسيق البرامج الاتصالية على مستوى المنظمة. كما يمكنها من إبراز أهمية التنسيق بين العلاقات العامة والإدارات الأخرى لضمان وصول ونجاح ووضوح الرسائل وتحقيق الأهداف بشكل متكامل.
رغم أهمية نظرية الامتياز وأثرها الإيجابي على المنظمات، إلا أن تطبيقها يواجه العديد من المعوقات وأولها وأهمها في نظري هو نقص الوعي بأهمية العلاقات العامة فعند الأزمات ينظر إلى العلاقات وعند غيرها تتحول الأدوات إلى ما دونها، وكما أن بعض المنظمات لا تدرك الدور الاستراتيجي للعلاقات العامة مما يؤدي إلى تهميشها أو حصرها في المهام التقليدية وخاصة من اقتصر دور العلاقات في بعض المنظمات بالفعاليات والمناسبات يجدر الإشارة إلى أن غياب القادة المؤهلين وعدم وجود قيادات خبيرة بالعلاقات العامة ضمن الإدارة العليا يجعل من الصعب على هذه الإدارات تنفيذ استراتيجيات تتماشى مع مبادئ النظرية ونظريات العلاقات الأخرى.
نظرية الامتياز لا تهدف فقط إلى تحسين صورة المؤسسة أو التأثير في الجمهور، بل تسعى إلى خلق تواصل متوازن في العلاقة بين المنظمة وجمهورها من خلال التواصل المتكافئ. هذه النظرية طُورت كنموذج يركز على الشفافية والقيم الأخلاقية، لتجاوز نموذج الإقناع التقليدي الذي يعتمد على إقناع الجمهور. فهي أسلوب لإدارة إستراتيجية التواصل بما يخدم المصالح المشتركة للجميع.
في الختام رغم التحديات التي تعوق تطبيق نظرية الامتياز، إلا أنها تبقى نموذجًا مثاليًا لإدارة العلاقات العامة بشكل استراتيجي وأخلاقي. تطبيق هذه النظرية يتطلب الكثير من التمعن بأهميتها، كما أنها بحاجة إلى قيادات تؤمن بدورها الاستراتيجي، وبيئة مؤسسية تدعم استقلاليتها. إذا توافرت هذه العناصر، فإن المؤسسات قادرة على تحقيق التوازن بين أهدافها واحتياجات جمهورها، مما يضمن استدامتها ونجاحها على المدى الطويل.