د. إبراهيم بن جلال فضلون
لما حضرت هارون الرشيد الوفاة، واشتدت عليه سكرات الموت، نادى إلى حاشيته أن يأتوا إليه بجيوشه وحراسه، فجاءوا بسيوفهم ودروعهم وأسلحتهم، وكان عددهم يكاد ألا يحصى عددهم إلا الله، كلهم تحت قيادته، فلما رآهم هارون الرشيد أخذ يبكى ويقول: يا من لا يزول ملكة ارحم من قد زال ملكه، وأخذ يبكى حتى مات.
سيظل عام 2025 وريث عامنا الحزين 2024 ضمن الفترة الممتدة من النشاط البشري حرباً وولعاً تكنولوجياً متزايدًا حول الإنسان التائه في ممرات ودروب حياته التي لا يمكن التنبؤ بالمستويات الدقيقة للنشاط الدولي والإقليمي لإسرائيل وأميركا بفوز ترامب الأخير، فمن المتوقع ظهور أعداد كبيرة من البقع السوداوية رغم تفاؤلنا، إلى جانب احتمالية أعلى لحدوث حروب كبرى بعد الخسارة الكبيرة لإيران وحلفائها أو مليشياتها التي بدأت في لبنان والعراق وأخيراً سقوطها في سوريا وهروب الأسد لروسيا، لتنتهي في بدايات 2025 بحوثي اليمن، في حرب إسرائيل على المنطقة وحروب ومُسيرات، طالت أبرياء الله في أرضه، وأخذت حضارات قد سوتها بالتراب، بعد نهب خيراتها وإهلاك شعبها، بدأت بغزة العاتية، وما طال عروبة أراضينا ومُسلمينا لنكون مسرح تجارب لحروب بالوكالة أو مباشرة، والسبب عدم تآلفنا؟!.
وكما يقولون: (زي القرع يمد لبَرّه)، ونحن لا نعرف أين المفر منها؟!!. ليأتي علينا عام تلو آخر يُورثنا الدمار حرباً بعد طعن، وميراثنا منا على مد البصر مجهولاً، عطره أجساد كُنا نُعدها أجيال الغد، فباتوا ونحن معهم من أثرياء الماضي بلا غنى، بل ذكرى أجناس هنا وهناك، راحت على يد نفوذ وأطماع ميلشيات إرهابية وأذرع طائفية في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، يعرفها صُناع القرار في الدول الكبرى والقوى المُهيمنة التي تدعي الحريات والديمقراطيات لتتلاعب دولة الحرب إسرائيل بنا في هيئات ومنظمات دولية أنكرت قوانينها فغدرت بها عاجزة تلك القوانين عن إيقافها حتى امتدت إليهم قتلاً وإرهاباً، واتسعت فيها عدم الثقة، وانتكس تحالفاهم الهش، وحل محلها شعبوية الضلال الفكري بين سياسييهم وسلطات دولهم الغربية التي خسرت ثقة شعوبها؛ ووضعهم في صراع مزدوج الرأس كأفعى سامة، جعلتها داخل مُثلث متفرع بين صراع اللُحمة الأوروبية المريضة، وصراع أهل غزة من ناحية ولاجئي القوارب التي أرسلتها الحُروب الوافدة على أمواج - عام ملك الموت- من ناحية أخرى، لتتعثر لغة الحوار في طريقها؛ لما هو خارج سلطة العقل الإنساني.
لقد غرد عامنا خلف أسوار نبوءات العرافين وتوقعاتهم، التي تًرجمتُ منها نبوءات نوسترادامس المنجم الفرنسي، والتي ترجمتها عام 2012م، وحللت رُباعيتها الغير مفهومة والصادرة عام 1555، والتي أعتقد أنها ستحدث في زمانه وإلى نهاية العالم الذي توقع أن يكون في عام 3797م، وكان يميل إلى أن عام 2019 بداية نهاية العالم، ويحتوي الكتاب تنبؤات بالأحداث، أعقبته المُنجمة «فانغا» وادعائها لأهم الأحداث التي سيشهدها عامنا 2025 من حروب ومحاولة اغتيال وسقوط طواغيت وانهيار اقتصادي دولي، وخسارة إيرانية لقادتها ومليشياتها بالمنطقة، وغير ذلك حسبما تنبأ له البعض منهم، ولكن لما لم يتنبهوا، بما ينتظر ترامب مُستقبلاً، وبميزانية المملكة التريليونية وانفتاحها على العالم، وما نجحت به مصر بعد طرد الإخوان منها، وهل رأوا في نبوءاتهم حلمنا لعنان السماء كان، لما لم يروا نجاحاتنا، فقط يرون ما يحلمون هم لا نحن؟!!
إنه عام حروب وانهيارات وكوارث طبيعية شهدت تبدلًا للمواقع والأدوار، مُستعرة بالصراع الآدمي، مُثير للحيرة، بلا شفقة جراء الانصهار في بروتوكولات متناقضة بين الدفاع عن الوجود والتنازل عنه لصالح الإنسانية نفسها.. فمتى تنتهي تلك الحرب في أرضها الخصبة؟!، ومن يوقف سيناريوهات الحرب العبثية والمفتعلة التي تشهدها أوطاننا اليوم بلا حول لهم ولا قوة؟!. وكأن الدول الغربية وأنظمتها تكسب وقتا لتأخير عملية تفكك مجتمعاتها عبر إلهاء شعوبها بمشاهد الدماء المُتنقلة بين شرق أوسطنا من غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا، إلى مُسلمي ميانمار والهند والصين، وصولًا للقارة السوداء، فهل سيكون عام 2025 بمثابة عام الحروب الاجتماعية العالمية على أنظمتها، لوقف الاعتداء على مليارات الأجناس تحت عنوان «صراع الوجود في زمن ندرة الورود»؟!.
يا له من أمر معقد، عقدنا خيوطه بأفعالنا المشؤومة لقلة سادت واستحكمت بجبروتها في عالمنا البريء.. لو أن في المعارك الوجودية رحمة، لما عرفنا حروبًا أبادت ما يربو على مئة مليونً نفس، وعسانا لا نكون قد دخلنا في أتون عام جديد أورثه ملك الموت، نوعا من «صراع الاستمرارية أمواجه هادئة لكنها قاتلة»... والقتل في دستورها عادي.
لنا الله وقوته بعد حوله وسُترته، ولك الله يا غزة الصامدة، فعالمنا حاله حال يُعبر عن مُستقبله في عام لا يعلم غيبه إلا الله، لا كما تنبأ به نسترادامس.. «سيصبح عظيما يوما ما الوقح الجريء»، فكلها غيبيات انشغل بها كل منا فمن صدقها خاب وخسر، ومن كان مع خالقه كان فوزه أثمن وأكبر، وما ديننا إلا دُنيا وآخرة، نفوز بها بقوة إيماننا وتقوانا ولُحمتنا العربية الإسلامية.