م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - غاية الإنسان هي الحرية لجسده وفكره ومعتقداته وعاداته وتقاليده وصحته وتعليمه ورفاهيته.. وكل ما يتصل به وكل ما يراه ويخصه وله علاقة به.. في حدود دائرته الشخصية التي لا يتخطاها إلى دوائر الحرية للأشخاص الآخرين أياً كانوا.
2 - الحرية هي ابنة الفرد ذاته المرتبطة بواقعه وإمكاناته وحضوره.. لذلك فليس هناك حرية مطلقة.. كما لا يمكن وصف من تَحْمِل نفسه أحاسيس متعالية أو عنصرية أو طبقية أو مناطقية على أنه محب للحرية.. فإذا كان الانفلات فوضى وليس حرية، فإن الذي يحمل في نفسه ذرة من كِبْر تجاه الآخر فهو لا يؤمن بالحرية للجميع بل يؤمن بالحرية لنفسه فقط.
3 - الحرية ليس لها قوانين وأنظمة ومحددات تسري على الكل وتنطبق على الجميع.. بل يُؤَمِّن كل فرد فضاءه الذي يعيش فيه وحريته التي يبتغيها حسب واقعه وإمكاناته.. والمحدد الوحيد لتلك الحرية هو تماسُّها مع حريات الآخرين حيث الحد الفاصل الذي يعد تجاوزه تعدياً.
4 - الحرية تنبع من الذات.. وازدهارها ينبع من قبول الجميع بها أفراداً وجماعات ومؤسسات وحكومات وثقافات.. فهي لا يمكن أن تُفْرض من الخارج أو بقوة النظام أو يُجْبر الناس عليها.. فكيف يُجْبر الفرد على الحرية؟! هذا لا يكون.. والذي يطالب بفرض الحرية بالقوة الجبرية هو دكتاتور وليس من دعاة الحرية.. ففرض الحرية ما هو إلا إلغاء للحريات.. فالحرية انطلاق متواصل وتطور متراكم ونمو في جميع الاتجاهات.
5 - الذين يحاربون الحرية لا يحاربونها لذاتها.. فهم في الحقيقة يريدونها لذواتهم لكنهم يريدون أن يتحكموا من خلالها بالآخرين.. لذلك فالحرية التي يعادونها هي حرية الآخرين لا حريتهم.. وهم يمارسون التشويه للحرية بحصرها في الانفلات والفوضى والحرية الجنسية.
6 - محب الحرية يؤمن أنها فردية، لذلك فهو مناهض للأحكام والأفكار الشمولية.. ويؤمن بأن الحرية يجب أن تكون غاية لكل إنسان لأنها وسيلة للعدالة الاجتماعية.. كما يرى أن الفرد هو صانع واقعه وليس نتيجة لواقعه، كما تحاول أن تفعل به الأفكار التي تطالب بالحد من الحرية.
7 - وصف «روسو» الحرية بأنها أشرف الخصائص الإنسانية.. فهي التي تصنع الناس الحقيقيين وليست الأنظمة والقوانين.. وهي التي تسمح للإنسان أن يفكر وينقل أفكاره للآخرين وأن يقرر وأن ينفذ قراره.
8 - الحرية هي حرية الاختيار وحرية الخصوصية التي تتعارض مع التربية الموحدة ومصادر التلقي الموحدة.. فالحرية لا تُمْنح بل تؤخذ.. ولا نهضة لأي مجتمع إلا باحترام أفراد المجتمع لذواتهم، وهذا لا يتحقق إلا بالحرية.
9 - الحرية هي التي تصنع خصوصية التفكير والأفكار لدى الأفراد وبغيابها يتشابه الناس فيغدون كالقطيع.. فالحرية هي المقابل للعبودية.. والنقيض من الحرية هو الاستعباد.. ومنع حرية التعبير هو توقف التفكير.. وهذا حتماً يوقف التنمية والتطوير.
10 - الحرية هبة إلهية.. ومبدأ سامٍ، وقيمة إنسانية، لا يماري ولا يجادل فيها أحد.. من امتلكها امتلك أجمل ما في الحياة.. ومن فقدها فقد لذة الحياة ومعناها.. ولذلك فهي قانون طبيعي وجزء أساسي من الحالة الإنسانية المتميزة بالعقل والوعي والضمير.. لا ينكرها إلا معتوه أو صاحب منفعة في حجبها.
11 - الحرية حق يتساوى البشر كلهم في استحقاقها.. وأكد على ذلك ديننا كما أكده آباؤنا الأوائل.. ولعل مقولة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، هي الأشهر والأبقى على مدى الدهور والأيام.
12 - الحرية قِيْم يؤمن الكل بمكانتها وأهميتها.. وكم دفعت الشعوب ثمناً غالياً لاسترجاعها أو لنيلها والتمتع بها.. لذا كثيراً ما نرى الحرية تتصدر شعارات الأيدلوجيات الحديثة مثل شعار الثورة الفرنسية: (حرية، عدالة، مساواة).
13 - الحرية تتيح النمو عرضاً وطولاً وسط بيئة نقية صحية تسمح بالازدهار والرفاه.. فهي تشيع أجواء الابتكار والإبداع والعطاء.. فتتلاقح الأفكار وتتقادح العقول وتتقارع الحجج وتنطلق الطاقات الكامنة دون خوف أو وجل.
14 - الحرية هي الدواء الناجع لمعظم الأمراض كالتخلف والغلو والتطرف والإرهاب.. فبغيابها تنشط الكائنات الظلامية والأفكار الهدامة المسنودة بتعاليم الغيبيات والخرافات لتنتج واقعاً مؤلماً.
15 - الحرية كمبدأ مرتبطة ارتباطاً شديداً بمبدأ الرشد.. والرشد هو الحبل الذي يطوق عنق الحرية.. فتارة يُرْخى لتتنفس الشعوب الحرية فتنطلق إلى الأمام.. وتارة أخرى يُشَد لتخنق الشعوب.. فتظهر الأمراض والآفات وتتراجع الشعوب المبتلاة إلى الوراء.
16 - الحرية مشروطة بالمسؤولية.. فأنت حر ما لم تضر.