د. تنيضب الفايدي
عرف الكاتب الشُبيكة منذ أربعة عقود؛ لأنها ارتبطت بشعر ذُكِرَ فيه جَبَلُ أُحد، الجبل الذي يسكن في قلب كلّ مسلم ومسلمة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحداً جبلٌ يحبّنا ونحبّه) متفق عليه. لذا فإن الكاتب يتتبّع كلّ مكان اقترن بالسيرة أو ما اقترن بذلك المكان أيضاً، ويعرف الكاتب الشُبيكة بمكة قبل أكثر من أربعين عاماً حيث أنها من الحارات القديمة وتذكّر (بأهل مكة وملابسهم والمقاهي الخاصة بهم، ولاسيما الشال الغاباني والقاووق المُنَشَّى وعصا المزمار الملبَّسة، والمركاز..)، وذلك لتعلّق الكاتب بمكة المشرفة حيث حفظ الكاتب كلّ ما يتعلق بها سواء في القديم أو الحديث بما في ذلك حاراتها التي دخل بعضها في التوسعة أو التنظيم، وهي: حارة شعب عامر، حارة المسفلة، شعب علي أو شعب أبي طالب، حي المعابدة، حي العزيزية، السليمانية، حواري الشامية، القرارة، حي العتيبية، حي العمرة (التنعيم)، حي النوارية، حارة أبو طبنجة، حارة الكدوة، حارة الملاوي، التنضباوي أو ما تسمى حالياً شارع المنصور، حي الهنداوية،حي كدي، حي الخانسة، حي ريع ذاخر، حي العتيبية، حي الزاهر، حي النزهة، حي الرصيفة، حي العوالي، حي العزيزية، حي الشرائع، الشوقية، حارة الحفاير. أما محافظات مكة المكرمة فهي: جدة، الطائف، القنفذة، الليث، رابغ، الجمجوم، خليص، الكامل، الخرمة، رنية، تربة، ومنها الشبيكة.
وذكر بعض الشعراء الشبيكة وهي غير شبيكة مكة وقرنها بجبل أحد حيث قال الشاعر الأحوص (عبد الله بن عبد الله بن عاصم المتوفى (105هـ) وكان الكاتب يتعجب من ذكر الشبيكة في قوله:
أَأِنْ نادى هَدِيلاً ذات فلْجٍ
مَعَ الإشراقِ في فَنَنٍ حَمَامُ
ظَلِلْتَ كأنَّ دمْعَكَ دُرُّ سِلْكٍ
هَوَى نَسَقاً وأَسْلَمَهُ النِّظامُ
تموتُ تشوُّقاً طرِباً ولحْناً
وأنتَ جوٍ بدائِك مُسْتَهامُ
وأنى من ديارِكَ أمَّ حفْصٍ
سَقَى بلداً تحلَّ به الغمامُ
أحلَّ النَّعفَ من أُحدِ وأدنى
مساكِنَها الشبيكة أو سنامُ
ولكن تعجّب الكاتب انتهى قبل ما يقارب ثلاثة عقود حيث عرف أن الشبيكة التي قصدها الأحوص ليست شبيكة مكة التي ذكرها المؤرخ ياقوت الحموي المتوفى (626هـ) في كتابه معجم البلدان (3/ 367). فالحارة لها ما يقارب ثمانمائة عام وقد أزيلت تلك الحارة، أما الشبيكة التاريخية - التي وردت في قصيدة الأحوص - فهي منزل من منازل حجاج البصرة (المدينة التي اخططها الصحابي الجليل عتبة بن غزوان -رضي الله عنه- بأمر الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه)، وتعرف اليوم (دغيبجة)، وقد جاءت ذكرها قديماً قبل ما يذكرها صاحب معجم البلدان بخمسمائة عام حيث ذكرها صاحب كتاب المناسك (إبراهيم بن إسحاق الحربي المتوفى 285هـ)، إذ يقول: «مرّان دون الشبيكة بثلاثة أميال وكان المنزل الأول فحوَّل إلى الشبيكة، ومن قبا إلى الشبيكة سبعة وعشرون ميلاً، وبالشبيكة آبار قريبة الماء، وعلى أحد وعشرين ميلاً من الشبيكة موضع يقال له بُسْيان، فيه بركة وآبار». المناسك للحربي (ص351)، كما ذكر الشبيكة التاريخية كثيرٌ من المؤرخين ضمن وصف طريق الحاج البصري. صفة جزيرة العرب للهمداني (ص 287)، وإذا ذكرت الشبيكة يقترن معها موقعان على طريق الحاج البصري وهما: وجرة ومران ووجرة أقرب إلى مكة ويُحرِم منها أو بالقرب منها حجاج العراق القادمين من تلك الجهات ويتشوق المحبون إلى مائها وهوائها، قال بعض الشعراء:
أَرْواحَ نَعْمان هَلاَّ نَسمةٌ سَحَراً
وماء وَجْرة هَلاَّ نهلةٌ بفمي
وقال آخر:
في الجيرة الغادين من بطن وَجْرةٍ
غزال أحم المقلتين ربيب
فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى
ولكن من تنأَيْنَ عنه غريب
إذاً فالشبيكة التاريخية كانت منزلاً من منازل حاج البصرة قال بعض المؤرخين: بينها وبين وجرة أميال، وتقع اليوم في القصيم ولا زالت تعرف بالشبيكة. صيد الذاكرة للكاتب (ص274)، وقد احتوت الشبيكة كثيراً من الآثار تدل على الحضارة التي مرت بها، منها: الآبار حيث توجد حالياً مجموعة من الآبار ولعل تسميتها بالشبيكة يرجع إلى كثرة الآبار بها فقد كان العرب يطلقون اسم الشبكة أو الشبيكة على الآبار المتقاربة أو الأرض الكثيرة الآبار، كما توجد بعض علامات الطريق مثلها مثل بقية القرى المحددة بطرق الحاج كطريق زبيدة الذي يمر بالقصيم أيضاً.