د.فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح
مرحباً بكم معاشر القرَّاء الأكارم أهلاً وسهلاً..
في أواخر العام 1414هـ وبواكير السَّنة 1415هـ كنتُ في ميعة الصِّبا، بل في ريعان الشَّباب وشرخه قد أنهيت سنتي الثَّالثة الثَّانويَّة (التَّوجيهيِّ) في مدرسة الفاروق الثَّانويَّة بمدينة حائل العامرة حاصلاً على التَّرتيب السَّادس على منطقتَي حائل والقصيم، وفي غمرة الفرحة وبعد هدوء عاصفة النَّجاح، بدأ التَّفكير بما بعد هذه المرحلة.
وقد تبلبلت الأفكار والأذهان إلى أيِّ جهة نسير إلى المدينة المنوَّرة وجامعاتها أم إلى القصيم وما فيه من فروع الجامعات أم إلى العاصمة الرِّياض والجامعة الأمِّ؟ وحطَّت الرِّكاب رحلها في مدينة الرِّياض، وكانت الوجهة جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة وبالتَّحديد في كليَّة اللغة العربيَّة، فتيسَّر لي ذلك وقبلت فيها طالباً، وانتظمت في الجامعة منتظماً طالباً من طلاب كليَّة اللغة العربيَّة.
وما أن راضت النُّفوس وقرَّت رحالها، وطابت بالكليَّة وبالدِّراسة فيها نفساً اجتلبت لي الذَّاكرة عدداً من أساتذة اللغة العربيَّة ممَّن عرفتهم في أطوار دراستي ما قبل الجامعة؛ لأَّني قد سلكت سبيلاً يسلمني إلى ما قد تسلَّموه وتسنَّموه من عمل شريفٍ، وجالت بي الذَّاكرة للمرحلة الابتدائيَّة فذكرت أستاذي أ. محمَّد بن عبيد البكر -رحمه الله رحمة واسعة- أستاذ العربيَّة في مدرسة جعفر الطَّيَّار الابتدائيَّة في بلدتي الغزالة، وكذا في المتوسطة أستاذي أ. فهد بن عبد الكريم الهيَّاف، وأ. يوسف الطَّلَّاع أستاذا اللغة العربيَّة في متوسطة الغزالة وثانويتها، ولمَّا أن انتقلت الأسرة إلى بلدة القاعد درست في متوسطة والخطَّة وثانويتها فكان الأساتذة: أ. عبد الله عزب، وأ. مسعود شهوان، وفي ثانويَّة نجد بحائل الأستاذان: أ. محمَّد فكري، وعبد الرَّحمن المزيني، وفي ثانويَّة الفاروق: أ. عبد العزيز العامر. حفظهم الله وبارك الله فيهم، ورحم الله مَن رحل منهم عنَّا إذ لا أعلم ما حلَّ ببعضهم الآن.
وتدرَّجت مليّاً حيناً وسريعاً حيناً غير أنَّ أيَّام الدَّراسة في الكلَّيَّة كانت علميَّة جادَّة، وفي حومتها ومن عادة الطُّلاب من أهل حائل -وهي عادة حميدة- أنَّ الطُّلاب في الجامعة الَّذين من مدينة حائل وقراها أنَّهم يلتقون ببعضهم يوميّاً بعد الصَّلوات بدائرة كبيرة بيِّنة للرِّائي خلف المسجد في إسكان الطُّلاب في الإسكان الجامعيِّ للجامعة بالرِّياض، ويتَّجهون مغرب كلِّ يوم عند أحج المباني لاحتساء القهوة السَّعوديَّة والشَّاي ومجاذبة الحديث في بعض الحكايات والسَّوالف والأخبار، وفي نهاية الأسبوع نلتقي بمن هم من أهل حائل في الرِّياض من خارج الجامعة كمن يكون عسكريّاً أو في جامعة الملك سعود أو في أيِّ قطاع آخر في الرِّياض.
في حومة تلك اللقاءات خاطبني مسرِّاً أحد الزُّملاء السَّابقين لنا، وهو من طلاب كليَّة اللغة العربيَّة من أهل حائل، وكنتُ مستجدَّاً وكان قد تجاوز منتصف دراسته، ذلكم هو المشرف التَّربويُّ في إدارة التَّعليم بمنطقة حائل الآن الأستاذ العزيز واللغويُّ القدير: أبو سعدٍ محمَّد بن سعد العديم، وقد ذكر أنَّ من بين الأساتذة في قسم النَّحو أستاذٌ من أهل الشَّمال من أهل الجوف ذو شمائل وخصال حميدة، وإسراره بذلك لا ليخصني به دون غيري لكن إسراره بذلك كأنَّه يضنُّ به عن بقيَّة الطُّلاب الَّذين ليسوا من أهل المنطقة، فكأنَّه قد اكتشف الأمر وأراد الإسرار به.
وقد عنى بذلك أستاذنا أد. أحمد بن عبد الله السَّالم، وأنَّنا إن وقعنا في كربٍ أو مشكلة أو انغلق لنا شأن في الكليَّة أو في الجامعة فهو سندنا وملجؤنا في معالجة ذلك، وساق له من المدائح ما هو أهل لها، فعلق في الذِّهن محبة هذا الأستاذ، وجذلنا بوجوده في كلِّيتنا فعددنا -وإن لم يعلم- أخاً لنا أكبر أو عمّاً لنا.
وعادة السِّنين المضيُّ، وها هي تمضي سنوات الدَّراسة الأربع، ونتخرَّج بكلَّيتنا وأساتذتها معلَّمين للُّغة العربيَّة، وأنضمُّ إلى كوكبة المعلمين في وطني المملكة العربيَّة السُّعوديَّة مفتتح العام (1419هـ) أستاذاً متخصِّصاً لتدريس اللغة العربيَّة، أنشر علوم العربيَّة على طلَّاب مدارسها ما بين نحو وصرف وبلاغة ونقدٍ ومطالعة وإنشاء، وأصبحتُ معلِّماً للُّغة العربيَّة في مدينة حائل في ثانويَّة نجدٍ خصوصاً في الثَّانويَّة الَّتي درست فيها، وكان أستاذي فيها أ. محمَّد فكري (من مصر)، وكان قديراً مهيباً عليماً في تخصصه جَهْوَرِيَّ الصَّوت، لكنَّي لم أظفر به إذ قد سافر إلى بلده، وانتهى عمله في بلادي، وكان من أساتذة الثَّانويَّة إبَّان دراستي أ. عبد الرَّحمن المزيني، وهو أيضاً قد انتقل من مدرسة نجدٍ الثَّانويَّة حينما عدت إليها معلَّماً. وتنسلخ السِّنون ثماني قضيتها في ثانويَّات مدينة حائل (نجدٍ، وحائل، والفاروق، والصِّدِّيق) ثُّمَّ ثانوية الملك فهد في الرِّياض أهضبنا فيها قولاً كثيراً، وبذلنا جهداً كبيراً، في عمل شريف أرجوه وادَّخره.
وتطمح النَّفس إلى الدِّراسة العليا فقصدت جامعة أم القرى فلم تتيسَّر لي، ثُمَّ جامعة الإمام محمَّد وتيسَّر قبولي فيها في قسم النَّحو والصَّرف وفقه اللغة، غير أنَّه لم يتيسَّر لي التَّفريغ للدِّراسة (الابتعاث الدَّاخلي) من قبل الوزارة، وذلك لقلَّة ما عندي من مخزون الدَّوراتٍ التَّدريبيَّة الَّتي في ضوئها تتكاثر نقاط المرشَّح للابتعاث الدَّاخليِّ ليدخل المنافسة، ويفطر تللك السَّنة قبولي في الدِّراسة العليا في الجامعة، وأعزم على الكرَّة نوبة أخرى من قابل للتَّقديم على الدِّراسة العليا وطلب التَّفريغ من جديد، وكنتُ أنتظر وقت فتح التَّقديم على الدَّراسة العليا، وجهدت على أن أسجِّل في أكبر عددٍ من الدَّورات في مركز التَّدريب والابتعاث التَّابع لإدارة التَّعليم بمنطقة حائل في حي المزعبر في مدينة حائل، ولأجل ما حصل لي فقد جددت عزماً جديداً أنَّه لن يتيسَّر لي التَّفريغ ولأجل اغتنام الأوقات، وقنصاً للفرص طلبت النَّقل الخارجيَّ إلى مدينة الرِّياض، وقدَّمت ما أخذت بعد عناء من دوراتٍ طلباً للتَّفريغ، ولمَّا جاءت التَّقديم على الدِّراسة العليا تقدمت من جديدٍ وأجريت لي المقابلات كما صنع لي مثل ذلك في التَّقديم السَّابق الَّذي انفرط، وبعد مدَّةٍ جاء الخبر بظهور النَّقل الخارجيُّ، وبحمد الله كنتُ من ضمن المنقولين إلى الرِّياض، ووجهت للتَّدريس في ثانويَّة الملك فهد بالرَّوضة، وأيضاً قد قبلتُ في برنامج الدِّراسة العليا في قسم النَّحو بجامعة الإمام محمَّد، وكذلك ظهر لي التَّفريغ الدِّراسيُّ لمدة سنتين أيضاً فتيسَّرت الأمور وانحلَّت. بحمد الله.
وبعد انتهاء سنتي التَّفريغ الدِّراسي تقدَّمت للإعادة بقسم النَّحو والصَّرف وفقه اللغة وتيسَّر لي القبول فيه معيداً، فنقلتُ خدماتي من وزارة التَّعليم إلى وزارة التَّعليم العالي، وفي القسم تجدَّد اللقاء بأعضاء هيئة التَّدريس في القسم، وها نحن ذا أمام أد. أحمد السَّالم من جديد، فجلسنا إليه وسمعنا من أحاديثه أحاديث شتَّى من خمائل شعره، وخصائص علمه، ولطائف أخباره، وجديد نظره، منها ما حدَّثنا به عن بلدته الجوف وعن بسيطاء ومزارعها، وطالما دعانا لزيارته هناك وتشريفنا لمحلَّته في بلدته، وكان لي الشَّرف أن كنت أحد طلُّابه في مقرر البحث العلميِّ أحد مقررات الدُّراسة العليا، وقد أفدنا من خبرته غير أنَّه هذا المقرَّر هو أقلُّ المقرَّرات محاضرات في الدِّراسة العليا، ووددت أن لو درَّسنا العروض لأنَّه من أربابه المميَّزين به، وليس كلُّ متمنّىً حاصلاً، لكن لا مشكلة ما دمنا نراه في القسم غادياً رائحاً، ونجده في مكتبه محيِّياً مرحباً، وقد عرفته أستاذاً لي، وعرفته رئيساً للقسم، وعرفته عميداً للكلِّية، وعرفته وكيلاً للجامعة، وأد. أحمد السَّالم هو هو لم يتغيَّر ولم يتبدَّل، ذو الحصائل العلميَّة، والخصال الجميلة والخلال المجبَّبة إلى مجالسه ومصاحبه ومقاربه.
هذا نداء لعلِّي أجد له صدى.. أقول قبل الختام إنَّي لأرجو من أهل الثَّراء والثَّقافة والعلم -وما أكثرهم في بلادنا- من يستشرع مشروعاً علميّاً ينهض به، فيه يُعتنى بكبار أهل العلم والفكر من أبناء بلادنا مَن بلغ منهم السَّبعين والثَّمانين والتِّسعين، يكون هذا المشروع هو جمع بحوث علميَّة في تخصُّص المكرَّم بالإهداء وتستكتب كلمات تُهدى إليه، تجمع هذه البحوث والكلمات وتطبع في كتابٍ، وأمر ذلك سهل على ذوي اليسار ذلك بوضع لجنة تختار لذلك تقوم بالمتابعة والتَّحرير، تقوم هذه اللجنة بمتابعة الأعيان، وكذا باستحثاث طلاب هذا العلم المراد إهدائه وأصفيائه بإرسال البحوث والكلمات المهداة، أو المناداة لذلك عبر وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ المتاحة الآن، بوضع بريد شنكبيٍّ ليصل إلى اللجنة ما يرسل من البحوث والكلمات، ففي ذلك إسعاد للمهدى إليه واحتفاء به وعدم نسيانه، وتكون مأثرة لمن يبدأ بهذا العمل إذا اقتدي به وعمل على نسجه، وخدمة للثَّقافة، ونشر للعلم وأهله، كما نرى الآن من انتشار الملتقيات والمنتديات الأسبوعيَّة وتكاثرها، فعسى هذه الفكرة أن تسطع وتشعَّ وتتكاثر في بلادنا.
متَّع الله اللغويَّ البارع الشَّاعر البارز الإداريَّ الألمعيَّ الأستاذ الدُّكتور: أحمد بن عبد الله السَّالم بالصَّحة والعافية، وأمتعنا الله وذويه وطلابه بمهجته وعلمه، وبارك له في عمله وعمره، وجزاه الله خيراً لقاء ما يبذل ويقدِّم في سبيل العلم وروَّاده، والعربيَّة وطلابها. والحمد لله ربِّ العالمين.
ودمتم في رعاية الله وحفظه وكلاءته معاشر القرَّاء.