عبدالعزيز بن فهد بن معمر أمير الطائف الأسبق ووالد محافظها السابق فهد بن معمر هو أحد أبرز الشخصيات النادرة والمميزة من شخصيات محافظة الطائف التي لا يمكن أن يطويها النسيان من الذاكرة كلما جاء ذكر الطائف وبداياته الأولى في العهد السعودي الزاهر.
لقد كان جدي المعمر حسين بن خليفة الحارثي شيخ قبيلة العمارين الأسبق بميسان لأكثر من مائه عام، والذي تجاوز عمره (130) عاماً يحدثني كثيراً عن الأمير عبد العزيز بن معمر -رحمهما الله جميعاً - وكلما أتت سيرته فهو دائم الثناء عليه في تدينه وإخلاصه وصدقه وحلمه وصبره وحنكته ودهائه وفراسته ومعرفته بالرجال والقبائل، إضافة لقوة شخصيته وحزمه للأمور وحرصه الكبير على مصالح الناس وإحقاق الحقوق.
وشاء الله لي ذات مرة وفي التسعينات الهجرية أن أرافق جدي وكنت طالباً بالمرحلة المتوسطة بمدرسة مصعب بن عمير في إحدى زيارته التي كانت لا تنقطع للأمير عبدالعزيز بن معمر في مقر الإمارة بحي العزيزية وكانت بالنسبة لي هي المرة الأولى والأخيرة التي رايته فيها -رحمه الله-، فبعد أن دخلنا مجلسه وما إن وقعت عيني عليه حتى شعرت برهبة كبيرة ولمست مدى مهابته وعيونه التي تشبه عيون الصقر في حدتها وبريقها، وعندما رأى جدي تهللت سرائره وعلى البشر محياه ورحب بقدومه وبرؤيته وأجلسه بجواره بعد أن قبلت جبينه ورحب بي وأخذ يسأل عن ما وصلت إليه من تعليم، ثم اتجه لجدي وأخذ يسأله عن أخباره وأخبار الربع والجماعة والأمطار ويسأل عن بعض شيوخ منطقة ميسان وأحوالهم ويسميهم فرداً فرداً.
ومن المواقف التي ذكرها لي جدي -رحمه الله - والتي كان كثيراً ما يرويها لي ولوالدي وأعمامي -رحمهم الله جميعاً - عندما تأتي سيرة الأمير عبدالعزيز بن معمر اختياره وتكليفه له من بين شيوخ المنطقة وشيوخ ميسان بني الحارث لمعرفته به وثقته الكبيرة فيه بمهمة جباية الزكاة من بلاد غامد وزهران إلى جانب ثلاثة آخرين، ولم تكن السيارة آنذاك تصل إلى تلك المنطقة وإنما وسيلة المواصلات هي الدواب من الجمال والحمير فخصص ابن معمر في خدمته عدداً من الرجال والموظفين والكتّاب ليرافقوه في أداء هذه المهمة وزوّدهم بمصاريف السفر اللازمة، وبعد أن نجح في تلك المهمة كلّفه ابن معمر في السنة التالية ليكون ناظراً على المزكين فاعتذر منه جدي بلطف لظروف مرض ابن عمه الذي رافقه لعدة شهور حتى وفاته بمكة المكرمة.
كما ذكر جدي أن الأمير عبد العزيز بن معمر وإكراماً له ولشيوخ ميسان بني الحارث لبى دعوتهم له بزيارة منطقة ميسان ووصل إلى قرية الشعاعيب التي كان بها مقر مركز ميسان (محافظة ميسان حالياً) والمحكمة الشرعية واستقبلته قبائل ميسان استقبالاً حافلاً وأكرموا وفادته عليهم لكنه لم يمض ليلته بميسان وعاد راجعاً إلى الطائف رغم وعورة الطريق الذي لم يكن مسفلتاً آنذاك وحرصاً منه على مسؤوليته عن إمارة الطائف ورعاية شؤونها وشؤون قاطنيها.
وعبد العزيز بن معمر سليل أسرة آل معمر ذات السيادة والريادة والإمارة ووالده فهد بن معمر أحد رجال الملك عبدالعزيز الشجعان الذين رافقوه في الكويت وشاركوه في فتوحاته ومنها فتح الرياض وساهم مع الملك عبدالعزيز في توطيد ركائز الأمن والاستقرار في البلاد، وأمره الملك عبدالعزيز فيما بعد على الخرج والقصيم، وقد قتل -رحمه الله - في حائل أثناء حصار الملك عبدالعزيز لها عام 1340هـ.
أما عبدالعزيز بن معمر موضوع حديثنا فهو من مواليد بلدة عنيزة عام 1327هـ وشارك مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه - في عدد من حروبه بعد وفاة والده، وولاه الملك عبدالعزيز أيضاً العديد من المهام والأعمال فتولى إمارة ينبع ما بين عامي 1348 -1352هـ، ثم تولى إمارة جدة حتى عام 1354هـ، ثم إمارة الطائف حتى عام 1384هـ وهو العام الذي تقاعده فيه عن العمل بسبب ظروفه الصحية التي كان يعاني منها وذهب للاستشفاء منها في عدة دول.
وقد توفاه الله بمدينة الطائف يوم الأحد 13 رجب 1409هـ وشيع إلى مرقده الأخير وتمت الصلاة عليه بمسجد عبدالله بن عباس، وكان في مقدمة مشيعيه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة بالنيابة الذي نقل لأبنائه وأسرته وفي مقدمتهم معالي محافظ الطائف الأستاذ فهد بن معمر تعازي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني، كما شارك في تشييعه عدد كبير من أصحاب السمو والمعالي وأعيان ووجهاء الطائف وشيوخ القبائل وجمع غفير من أهالي الطائف - رحمه الله رحمة الأبرار وجزاه خير الجزاء وكل من أخلص الولاء لدينه وقيادته ووطنه.