محمد هليل الرويلي
عقد وعامان مرت سريعًا على تجربة (متواضعة) مر بها - صاحبكم - إذا ما قيست بحجم المنجزات والأثر، في الوقت نفسه (يتشرف) ويحمل قدرًا كبيرًا من الاعتزاز بها؛ بوصفها أحد وجوه اشتغالات الإبداع التي يتفاعل معها ومع غيرها آخرون - لها مالها وعليها ما عليها - وكما تجارب الأفراد تعلمت و(ما أزال) منها، ومن تجارب الإعلاميين والكتاب المثقفين والأدباء؛ وصولا إلى جيل من (الرواد) المؤسسين الذين رفدوا منها وأرفدوها.
تزدحم الذاكرة بالعديد من المواقف والأحداث والقضايا رافعة عقيرتها وملوحة بيدها تنشد بصوت جلي خصيب استهلالا بحضرة (الأستاذ) فهو لن يكون المقال الأخير بميثاق الامتنان (زمانًا ومكانًا) لرجل ورجال؛ فكيف به وهو بحضرة الرئيس (المالك) قديم الرياسة، وحديث سياسة التجديد (الخالد) إذ هو من أدناني من الظلّ، ولولاه لكنت ضاحيًا؟! فالعبد الفقير لعفو ربه (كاتب المقال) عاش من شرف الزمان والمكان زمنًا؛ بعد إمضاء سادن تاريخ (الجزيرة) البارع خازن الصحافة السعودية عميد الصحفيين السعوديين (الأستاذ خالد بن حمد المالك) وإن كان الأستاذ خالد متجاوزًا الذكر عن أي ذكر والقول والطول، فهو الخطب والفصل والإشارة والخبر؛ كلما جاء حديث عن الإعلام وسيرة الإلهام. والضليع المصقول المثقل بتجارب الأفراد والمؤسسات الصحافية، العَلَم المُتبصّر المُتبحّر - على السواء - بمخارج الإعلام قبل مداخله. فترتي رئاسته (الأولى) وما صاحبها من تحدٍ للبدايات وإزاحة للعراقيل ومضيًا بمخططاتها وخطواتها و(الثانية) وهي التي عرفته فيها ونهلت فيها وسأظل. أمّا سنواتهُ ومُنجزاته العظيمة -أطال الله في عمره-، فتعجز ولو بإشارة دونها حروفي ويقصر البيان غير أنني سأتطاول؛ ولعله يغفرها فله يعود الفضل بعد فضل الله تعالى الذي قدّر أن أخوض هذه التجربة وما اشتملته وقائعها وذكرياتها منذ يومي (أول) محررًا متعاونًا في الصحيفة.
لم تكن «التجربة الأولى» فقد سبقتها تجربة رغم مدتها القصيرة إلا أنها أسعدتني كثيرًا في (صحيفة اليوم) خلال عملي في (محافظة القريات) 1424هـ، اقتربت أثناءها من فضاءات الإعلام وأطيافه السّحرية وقضاياه (الفكرية والثقافية). حصيلة جيدة (كما أعتقد) إذا ما ضمت للثانية التي أزعم أنها أوجدت مساحة من النضج ثرًاء وإثراءً وتأثيرًا على مدى (12) عامًا منذ إمضاء رئيس التحرير بتاريخ الموافق 15 / 10 / 2012م.
أزعم أنني كنت محظوظًا أيضًا إلى حد كبير، ذلك أنّني عشت زمنًا في بيئة إدارية (ديمقراطية) حقيقية قبل أن تتولى إدارة العمل الصحافي الإداري العام والثقافي (المالك/ التركي) حيث اجتمع «طابع خاص» في كنف الإدارتين ممثلا بتقاليد أو عرف صحفي أقرب ما تكون حالة خاصة تحملت سمات وهوية مختلفة في طابعها؛ عن حالات عامة للعرف الصحفي محليًا وعربيًا. ربما إنّ بعض الزملاء يوافقني (الرأي) سواء ممن عملوا داخل (مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر) أو خارجها؛ بوصفها من المؤسسات الإعلامية - الموئل الأبرز في العاصمة السعودية. المشارك في صنع حراك إعلامي يشار له بالبنان في تاريخ مسيرة البلاد؛ طوق هذا الفخر رعاية (خادم الحرمين الشريفين) الملك سلمان- حفظه الله- افتتاح مبنى مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر حين كان أميرًا لمنطقة الرياض بقوله: أنا أمثل دولة صديقة لشعبها.
كان سخيًا، وفير التقدير والشكر، حيال أي عمل أقوم به (وعلى السواء) كان وفير السَخاء والتقدير (بعدم تقديم الملامة)، لم يحرجني يومًا أو أشعر بأنه يود إحراجي، حتى في الفترات التي يحدث تقصير فيها من جانبي، أو عندما أكون غير مكترث أو أمر بحالة من الإحباط، وخصوصًا في بعض الأعداد الصَادرة (عاميّ كورونا!) وإن كنت أزعم أنها قليلة- ولله الحمد- كان يتصل للاطمئنان (فقط) يسأل عن حالي وأولادي وبقية أفراد الأسرة. أما حين أقوم بالاتصال عليه؛ لآخذ بمشورته في أمرٍ من أموري أو أبثه شكوى؛ ففورًا يشعر أن حالي منكود وبالمرارة في داخلي؛ فيواسيني ويؤانسني ويشاركني حديثه «الخاص» بطابعه المعهود. فتهدأ النّفس ويزين الخَاطِر ويَقرّ البَال، وكل من يتابع كتابات الدكتور (إبراهيم التركي) أو يستمع إلى حديثه سواء في المقابلات التي أجراها في «الإذاعة والتلفزيون» أوتلك التي يقوم بنشرها في قناته الخاصة أو حسابه الشخصي في موقع «سناب شات أو الفيسبوك» يعرف المخزُون الهائِل من الثقافة التي يتمتعُ بها (أبو يزن) مرفُودة بمدى واسع المعرفة إضافة لما يمتلكه من لَدَانةٍ في الأُسلوب، وفي خطابه الأدبي البليغ المُتحمل بالأشعار والمقولات والآراء للأولين والحداثيين؛ حين يُعبّر عن رأيه أو يتحدث في مجال من المجالات الفكرية والمعرفية والعلوم والمعارف الآداب المنوعة. زد على ذلك ما ترى ويجذبك إليه من هِمَمٍ عالية ومُداومةٍ مخلصةٍ وجلد في طلب العلم وسَيره مع العلماء، الأمر الذي لا تجد نفسك وأنت تسمع إلى حديثه - هكذا أعتقد – إلا وكأنك محمول إلى فُرجة من فُرجات الأزمنة والعصور التي تحدث عنها أو أمام نصّ وشخصٍ ذَكرهُ، أو في عمق قضيةٍ فكريةٍ بين من انتداهم بحديثه تشهد بنفسك أحد الصوالين والمجالس وتعيش قصة من قصص التراث؛ شاهدًا ومشاهدا للوقائع والأيام والتاريخ في الوقائع التي كتب أوتحدث عنها: مع ما وقعَ ومَرّ وعبر.
دعك من هذا كله وبعيدًا عن محصوله الثقافي الزاخر وأسلوبه الآسر.
يمنح أبو يزن أسراره من غير أن يتفوه بها، بل إنه لم يتوجه يومًا بالحديث عنها ولكن – القريبين منه يعرفون أنه يمتلك أسرارًا كثير مبهرة جدًا – وقد كنت أعيشها في روابط جسدها الكثير من تطبيقاته لـ(الإدارة الثقافية) وفي ردُوده حين يُمررها بشكلٍ خاص بيننا؛ كنت أجد في تعليقاته وتصويباته ومعاملاته كثيرا من (الأسرار) العجيبة والرموز الفريدة؛ فقد كان لا يُلزم ولا يصطفي شيئًا إلا وقد كان طبقه على نفسه (أولا) بذلك هزّ عُروش الرّفاهية \ الثقافية ورؤوسها بسِرٍ من أسرار فُرسانها الخُلّص!.
ربما كان يوم الأربعاء 13 من ذي القعدة 1442هـ الموافق 23 يونيو 2021م فارقًا في حياتي؟! ذلك أنني كنت المحرر المحظوظ الذي (بقي مع الدكتور إبراهيم)؛ في قروب واتساب خاص بعمل (فريق عمل الثقافية) ولكل ظروفه الخاصة وما يراه ولنا احترام وجهات النظر وخيارات الجميع التي يراها أنها مناسبة. حدث هذا قبل أن يقوم أبو يزن بضم الزميلين الأستاذ جابر مدخلي والأستاذ صالح الخزمري وعقبه ضم زملاء آخرين. وربما يحين الحديث في مقال ثان أو مناسبات سانحة مقبلة الحديث أكثر عن مناقب ومآثر من شخصيتي (الأستاذ) وأستاذي (خالد بن حمد المالك) معلم الجيل وعن شخصية معلمي (إبراهيم بن عبدالرحمن التركي) ومواقف وأحداث وقضايا عشتها في الجزيرة وفي ثقافتها الخالدة.
مسك الختام وبالعودة لإمضاء «رئيس التحرير» يوم الاثنين في تاريخ 29 من ذي القعدة 1433هـ الموافق 15 / 10 / 2012م فدونكم ما حدث – يومها - وبإيجاز: يقود سيارته قادمًا من الجوف وبعد أن اجتاز طريق الشمال – حائل – القصيم؛ وفيما هو مقبل على العاصمة الرياض من وجهتها الشمالية ويرقب مُجددًا مبناها المهيب؟! على (طريق الملك فهد)؛ بعد محاولتين باءتا بالفشل (سابقًا) قابل فيهما مسؤولين في الصحيفة... هذه المرّة (المحاولة الثالثة) خرج من مكتب رئيس التحرير وبيده الورقة..!.
(اثنا عشر عامًا) في أفياء المؤسسة العريقة وأقسام صحيفتها (الجزيرة) في كل مناسبة تتاح لي فيها القدوم إلى العاصمة الحبيبة (الرياض) أزور الجزيرة. الجزيرة «الخالدة» التي عرفتني على الكثير من الكتاب والقراء الرائعين في كافة مناطق المملكة. كما تعرفت فيها على أساتذتي الملهمين نواب التحرير ومديري الأساطين المشعين إدارة وفكرًا وحرفًا (عبدالوهاب القحطاني وحبيب الشمري) ومن النخبة الثقافية المشفوعة بالذكريات من وميض أسماء جميلة وزمن جميل (عبدالرحمن المرداس، فيصل العواضي، محمد المرزوقي، جابر مدخلي).
ومن المحليات والجزيرة أونلاين وأقسام أخرى إدارية وفنية (منيف الصفوقي، إبراهيم الناشري، أحمد التلي، عبدالإله القاسم، بدر العبدان، حمود الوادي، محمد العيدروس) وآخرين؛ لم تسعفني الذاكرة وأنا أكتب هذا المقال فليعذروني.
كان لي عظيم الشرف في معرفتهم كما كانوا خير سند وعون لي أثناء مشاركاتي ونشر أعمالي الصحافية والأعمال التي اشتركت فيها مع زملائي في مكتب الجوف وهي فرصة لشكرهم كانوا رائعين جميعًا، مثلما كان رائعًا مدير فرع مكتب صحيفة الجزيرة بالجوف أستاذي الذي بارك وساند خطواتي الصحافية في المنطقة الأستاذ (محمد السياط) شكرًا وليتها تفي أبو خالد، وشكرًا لمدير تحرير الجزيرة الثقافية الدكتور (محمد بن عبدالعزيز الفيصل)، فقد كان بحق امتدادًا رائعًا لهذا الكيان الثقافي في الجزيرة؛ قدم دعمه وعنايته ورعايته. شكرًا من القلب والروح لجميع من عرفت في فضاء الجزيرة ومن لم أعرف.