عبده الأسمري
اتخذ سبيله في «العلم» سبباً وقاد جيله في «الالهام» عجباً.. فكان الإمام «الناشئ» الذي ورث «الإمامة» و»الخطيب» المفوه الذي استورث «الخطابة»..
تجاوز «العمر» بمثابة «الكفاءة» ونال «الصبر» بمثوبة التجربة فكان أصغر «المختارين» وأجدر «الفائزين» بالمنصب العظيم والموقع الأعظم في «مناصب» الحياة و»هبات» الدنيا..
سليل «معارف» وأصيل «مشارف».. وابن كرام ورفيق مكارم.. نال «الامتنان» المشفوع بالأثر وحصد «العرفان» المدفوع بالتأثير في متون «الحسنى» وفي شؤون «التقوى»..
إنه إمام وخطيب الحرم المكي الدكتور عمر بن محمد السبيل رحمه الله أحد أميز وأمهر أئمة وخطباء الوطن والعالم الإسلامي.
بوجه تقي مسكون بسمات «الزهد» وصفات «الود» مع تقاسيم «قصيمية» تشبه والده وتتقاطع مع أخواله وعينان تدمعان حين الخشوع وتبكيان حيث الهجوع وملامح نجدية جدية مألوفة يعلوها «التدين» ويميزها «التقى» وطلة باهية زاهية تعتمر «البياض» المستند على أناقة وطنية تلتحف «البشوت» الملونة والملابس البيضاء التي تشبه قلبه وتعكس داخله وصوت شجي وصدى سخي ينبع من «حنجرة» فريدة تصدح بآيات القرآن الكريم وتنضخ بسور البيان العظيم وترتيل «ثري» بالموهبة يعتمد على «لحن» سماوي مذهل و»تجويد» غني بالمهارة يتعامد على «فن» بياني فاخر قضى السبيل من عمره «سنين» وهو يملأ صحن الطواف بحلاوة «الذكر» وطلاوة «الكلم» بفصاحة «مذهلة» وحصافة «مبهجة» تلألأت في سماء «الطاعات» وإضاءات في أفق «الصالحات» إماماً وخطيباً ووجهاً حاضراً ووجيهاً ناضراً ليكتب «شؤون» سيرته بقيمة «الشرف» الدنيوي ويؤصل مسيرته بمهمة «الفخر» الديني.
في محافظة «البكيرية» جوهرة «القصيم» ولد عام 1377 م في يوم رمضاني وكان قدومه بمثابة النبأ المبارك الذي ملأ منزل والده بالبهجة وغمر أرجاء قريته بالمهجة واكتمل «الفرح» بدراً على محيا أبيه «الإمام» الوجيه الشيخ محمد السبيل رحمه الله وازدانت ليالي رمضان بالمحفل الجميل المتزامن مع الشهر الفضيل وتفتحت عيناه صغيراً على والد عابد زاهد علمه أسرار «الصلاح» وأم حانية متفانية أفهمته اعتبار «النجاح» فتعلم من «النشأة» عزائم «الدوافع» وانتهل من «التنشئة» موجبات «المنافع» فتربي في أحضان «الحفظ» وكبر بين أركان «التحفيظ» ممهوراً بتربية صالحة فالحة نال منها التوجيه والوجاهة.
انتقل إلى مكة المكرمة مع أسرته وركض طفلاً مع أقرانه في أحياء الشامية والشبيكة وكدي منجذباً إلى أصداء الآيات في تلاوات «الحرم» المكي ومخطوفاً إلى نداء الصلوات من مكبرات «البيت» العتيق ملازماً لوالده الذي ألحقه بحلقات الدروس «الشرعية» ومجاميع «العلوم» الدينية ليقف على «عتبات» التنافس ويعتلي «منصات» التفوق.
تعتقت روحه طفلاً يانعاً بنفائس «الروحانية» في صحن الطواف وتشربت نفسة أنفاس «السكينة» في جنبات الحطيم وسكب عبراته شاباً صالحاً أمام الحجر الأسود وسبك اعتباراته عابداً زاهداً حول الركن اليماني متأملاً «الصفاء» في مناظر «الساجدين» والاستيفاء في نواظر الخاشعين مردداً «دعوات» النهار بجوار «الملتزم» وابتهالات «المساء» بجانب «المسعى» مولياً وجهة «قبلة» الطاعات وموجهاً بوصلته «قبالة» الصالحات.
استأنس طفلاً بلكنة القراءة في صوت الشيخ زكي داغستاني وغنة التجويد في لحن الشيخ علي بن جابر وسكنة التلحين في أداء الشيخ صالح بن حميد متشرباً «مقامات» الجودة في «تراتيل» والده الخبير فتكاملت في تلاوته «توليفة» سحرية من المقام المقروء في «ألحان» بيانية تعالت كصروح مرئية في مشاهد «الصلوات» ووسط شواهد «الفرائض»..
بدأ دراسته الأولى في الحلقات العلمية في المساجد ودرس الابتدائية بمكة المكرمة وأكمل المرحلة الثانوية في معهد الحرم المكي وحفظ القرآن متخرجاً من معهد الأرقم بن الأرقم لتحفيظ القرآن. التحق بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض وحصل منها على درجة البكالوريوس عام 1402 ثم حصل عام 1406 على درجة الماجستير في موضوع بعنوان «أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي». ونال درجة الدكتوراه عام 1412 من جامعة أم القرى في رسالة بعنوان «كتاب إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل.. تحقيق ودراسة»..
عمل معيداً في جامعة أم القرى عام 1403 ورئيساً لقسم الشريعة عام 1414 ثم مديراً لمركز الدراسات العليا الإسلامية المسائية ووكيلاً لكلية الشريعة عام 1415هـ. وعميداً لكلية الشريعة عام 1417.
وعمل في مهام مختلفة في الجامعة وعيّن إماماً وخطيباً للحرم المكي سنة 1413هـ. وكان له درس في المسجد الحرام، ومحاضرات عامة في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها وأنشطة متعددة وبعض المؤلفات.
تتلمذ وقرأ على يد عدد من الشيوخ والفقهاء في مكة المكرمة وفي الرياض لازم كلا من الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق والعلامة عبدالعزيز بن عبد الله بن باز والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان.
امتلك حس «القارئ» وتملك إحساس «المقرئ» فكان «الفاعل» المرفوع بالإجادة والمشفوع بالشهادة في حضرة «القيم» وحضور «التقييم».
تروحن مع «المقامات» القرآنية ليكون القرآن «ربيع قلبه» يافعاً ونور صدره راشداً حاملاً مصحفه «كضياء» حق وإمضاء «مجد» ماضيا في دروب مهماته وفي يمناه «تلويحة» الاقتدار وفي يسراه قبضة «الانتصار»..
تعرض الشيخ عمر لحادث أليم على طريق الرياض - الطائف وتم نقله إلى مستشفى الهدى الذي توفي به في 1 / 1 / 1423هـ وصلى عليه والده الشيخ محمد السبيل بالمسجد الحرام ودفن في مقابر العدل..
ونعاه الديوان الملكي ونعته أوساط الخير ووسائط الإحسان وعزى فيه المسؤولين والقياديين وتلقى والده التعازي من المشائخ والعلماء من عدة بلدان وبكاه الأئمة وشيعه المأمومين ورثاه المرافقين وخلفه «الدعاء» العميق وأعقبه «الثناء» الحقيقي في شهادة «الخلائق» وإفادة «الوقائع».
عمر بن محمد السبيل الإمام الأصيل والخطيب النبيل صاحب «الضياء» الشرعي والإمضاء الديني والوجه المضيء في قوائم «المبدعين» ومعالم «البارعين»..