بالأمس فقدنا في محافظة الزلفي رجلاً من رجالاتها البررة الشيخ عبدالعزيز بن صالح بن عبدالله الحمادي رجل البذل والعطاء في وجوه الخير، وأحد عمّار بيوت الله، عرفته قبل ثلاثة عقود من الزمن، فكان نعم الوالد والمعلم والموجه والناصح الأمين، يمتلك من البيان، والحصافة، والحكمة ما يجعل مستمعه ينصت إليه، ويستفيد من مجالسته، وقد نلت من ذلك الكثير أثناء زيارتي له في جلسته العامرة والتي كانت تستقبل الجميع بعد مغرب كل يوم في سكنه السابق بالملز، ثم في مسكنه الحالي في حي الربوة، أسأل الله أن يبدله مسكنًا خيراً منه في الفردوس الأعلى من الجنة، كان -رحمه الله- لا يتحدث كثيرًا، وإذا تكلم أوجز، وأفاد، وكان حديثه شيقًا وماتعًا ومقنعًا لمتلقيه، كما أنه رجل صموت لا يتحدث إلا في مواضع الحديث، وهو من الرجال العصاميين الذين خبروا الحياة، وخاضوا تجاربها، بيسرها، وعسرها، وحلوها، ومرها، وكان مع شقيقه علي مثالاً يحتذى في الأخوة الصادقة والتي كانت مضرب المثل في المحبة، والحميمية، كما أنه قد جُبل -رحمه الله- واكتسب العديد من الصفات التي جعلته قريبًا من الناس، منها الوقار، والعفة، والسماحة، والزهد في الدنيا والسعي في الأعمال الصالحة، ابتغاء ما عند الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا، وقد كان قريبًا من الكل، متواضعًا مع كل من عرفه، يتحلى بجميل الأخلاق ومكارمها، وهذه من أبرز سجاياه منذ عرفته: كثير حمد لله والثناء عليه، جلدًا صبورًا لم يجزع، ولم يشتك بعد أن داهمه المرض، والابتلاء، يحمل قلبًا رقيقًا فتراه يجهش بالبكاء حين يتذكر إخوته، وجيرانه، ورفقاء دربه الذين رحلوا من الدنيا قبله، ويتألم كثيرًا عندما يعرف أن أحدًا من أحبته، قد ألمت به بعض ملمات الحياة، من مرض ونحوه، وكان -رحمه الله- وفيًا لمحافظته، ومسقط رأسه الزلفي، عاشقًا لها، وجل حديثه عنها، وعن مشاريعها، وكان ورفيق دربه الشيخ عبدالله الناصر الفالح -رحمهما الله- مضرب المثل في حب الزلفي ومتابعة مشاريعها مع بقية رجالات الزلفي وأعيانها الأوفياء. وقد يطول الحديث في هذا الجانب، وكما قيل فيكفي من القلادة ما يحيط بالعنق، ومن يعرفه يعرف حبه، وغلوه في محافظته، برهن ذلك هو وغيره من رجالات الزلفي خلال العقود الستة الماضية، إذ كان لا يكل ولا يمل هو وبقية أعيان الزلفي في المطالبات خدمة للزلفي وأهلها الكرام، وكان يعطي جل وقته، وجهده، وفكره للمحافظة التي أحبهاإلى حد الصبابة، وهذا أمر شهدته شخصيًا ويشهد به كل من عرفه أو تعامل معه، أو راجعه من المسؤولين في كل وزارات الدولة ومصالحها المختلفة، وقد روى لي من القصص والروايات والذكريات الشيء الكثير، وكيف تجشم هو ومن معه الكثير من المتاعب والصعاب التي كانت تهون في سبيل تحقيق مصلحة للزلفي، إذ تغمره هو ورفقاء دربه السعادة عند تحقيق مطلب، أو تنفيذ منجز. أخيرًا رحل الشيخ عبدالعزيز الحمادي، وقد ترك خلفه إرثًا لن يمحوه الزمن، كما خلّف أبناء بررة، وهم: سعود، وصالح شفاه الله وعافاه، والمهندس بندر الذي كان مثالاً للبر إذ كان ملازمًا لوالده كظله، لا يكاد ينفك عنه إلا وقت عمله، أو نومه، ولا أذكر أنني زرت والده إلا ويكون في مقدمة مستقبلي ضيوف والده مرحبًا، وباشًا، وعينه ترمق وجه أبيه لتلبية طلبه في أي إشارة أو إيماة لينفذها، بر بوالده إذ لا تسمع منه إلا الكلمات الرقيقة (سم، وأبشر، وتم)، وقد هاتفته قبل يوم من وفاة والده، الذي كان ملازمًا له في المستشفى للاطمئنان عليه، فكان شكورًا صبورًا يطلب ممن يتصل الدعاء لوالده بالشفاء. رحم الله (أبا سعود) وغفر له، وعزاؤنا لأولاده (بنين، وبنات) وكل أسرة الحمادي في الرياض، والزلفي بأن يخلف الله عليهم خيرًا في مصابهم الجلل، والتعزية موصولة للجميع برحيل هذه القامة السامقة من قامات الزلفي الأوفياء، رحمه الله رحمة واسعة وجعل ما أصابه كفارة، وأسكنه فسيح جناته، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- فهد عبدالعزيز الكليب