سليمان الجاسر الحربش
عندما فرغت من قراءة البيان الختامي لمؤتمر الأطراف COP 26 في جلاسكو، تساءلت هل نحن أمام مؤتمر هدفه متابعة مخرجات قمة المناخ في باريس 2015 أم أننا في الواقع أمام مؤتمر موازٍ لمؤتمر باريس، وهل عندما تلتقي الوفود في شرم الشيخ العام القادم ستنظر فيما آلت إليه مقررات باريس أو جلاسكو أم أن الأجندة مفتوحة لمزيد من المفاجآت؟.
كل هذه الأسئلة تداعت إلى ذهني وأنا أتابع ما نقل عن الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة في المملكة العربية السعودية من امتعاض بسبب ما يبدو أنه انحراف عن اتفاقية باريس.
ترتكز الاتفاقية الأساس -يقول الأمير- على ثلاثة محاور هي التمويل والتخفيف والتكيف بينما شطحت مداولات جلاسكو إلى التركيز على الوقود الأحفوري وضرورة التخلص منه.
ولم يغب عن ذهن الأمير الركائز الثلاث الأساسية للتعامل مع قضية المناخ وهي:
أمن الطاقة، والتنمية المستدامة، والتصدي لتحديات التغير المناخي.
وهنا يشير الأمير الوزير بوضوح إلى العلاقة التفاعلية بين هذه الركائز وبين أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر الصادرة عن الأمم المتحدة في صيف عام 2015 ومنها الهدف السابع عن أمن الطاقة والهدف الثالث عشر عن التغير المناخي.
كل هذه الأهداف صدرت للتصدي لمعضلة الفقر بكافة أشكاله وهو القضية الكبرى التي تصدرت اتفاقية باريس وبيان جلاسكو مؤكدة العلاقة بين الفقر وتدهور البيئة.
الأمير مفاوض صعب المراس واسع الأفق يتمتع بدرجة عالية من المرونة إن تطلب الأمر (وقد عملنا معاً في وزارة البترول ما يربو على خمسة عشر عامًا) وهو هنا لا يؤكد موقف حكومته فحسب وإنما يريد أن يعرض طرفًا من تجربته التفاوضية التي من ملامحها اعتماد مبدأ الكفاءة في التفاوض وعدم الخروج عن الموضوع الأساسي وهو الركائز الثلاث التي عددها سابقًا.
لماذا بكى معالي الوزير رئيس المؤتمر؟
دخل الرئيس مع رئيس الوفد الهندي في عراك لغوي ذكّر بعض المخضرمين أمثالي بالنقاش الذي أعقب صدور قرار مجلس الأمن 242 في عام 1967: (أراض احتلت أو الأراضي التي احتلت).
الموضوع في جلاسكو يتعلق بالفقرة 36 من البيان المتفرعة من بند التخفيف وهي تنص على التخلص التدريجي Phase out من مولدات الطاقة التي تعمل على الفحم، وكذلك برامج دعم المحروقات. وقد اعترض المفاوض الهندي وأصر على استبدالها بعبارة التخفيض التدريجي، Phase down. الأمر الذي جعل الرئيس ينفجر باكيًا!! وسواء كانت العبارة تخلصًا أو تخفيضًا فإنها المرة الأولى التي يذكر فيها الوقود الأحفوري في الاتفاقية كمسبب أساسي لأزمة المناخ.
من المؤلم أن يبكي الرئيس لأن الوقود الأحفوري حظي بلفتة من الوزير الهندي لكن ما هو أكثر إيلاماً أن معاليه لم يبك عندما انعقد المؤتمر ولم تفِ الدول الغنية بما وعدت به في باريس من تدفقات نقدية قوامها مائة مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف الذي هو أهم ركن في اتفاقية باريس. أليس المبلغ هو الحصان والتكيف هو العربة!!
ولم يبك معالي الوزير عندما قال محمد باركندو أمين عام منظمة أوبك في أول جملة من خطابه في جلاسكو إن قضية فقر الطاقة والتغير المناخي وجهان لعملة واحدة. فقر الطاقة أحد أهم الأسباب التي تهدد البيئة. من يشك في هذا؟.
فقر الطاقة لا زال يهدد البيئة بل والأمن العالمي وآخر تقرير صدر حوله جاء من أحد معاقل العلم والمعرفة والنفوذ في الولايات المتحدة وهي جامعة كولومبيا. في مقالة لأحد عمداء كلية المناخ بالجامعة قال إن عدد السكان المحرومين من الطاقة الكهربائية في تزايد وذكر أنه يربو على 800 ألف نسمة وأن عدد من يعتمدون في منازلهم على حرق الحطب والجلة للطبخ يقع في حدود 2.5 مليار نسمة. وأضيف أن هذا الرقم يصحبه عادة عدد من يموتون سنويًا جراء استنشاق الهواء الفاسد من الأطفال والنساء وتقدرهم منظمة الصحة العالمية بالملايين.
هذه الأرقام لم تستدر دموع أحد في المؤتمر، لم يكترثوا لمن يعانون من ويلات الفقر المدقع بكافة أشكاله.
بتاريخ 10 يونية من هذا العام نشرت في هذه الجريدة مقالة بعنوان «من يحمي أجندة الفقراء في جلاسكو» كانت لفتة استباقية لما كنت أتصوره بعد انفضاض مؤتمر جلاسكو، وفي المقال ما يغني الباحث عن أحد أوجه الفقر وهو فقر الطاقة وعلاقته بالبيئة ودور المملكة العربية السعودية في وضعه على مائدة المفاوضات الدولية في قرار استصدرته المملكة من قمة أوبك الثالثة التي استضافتها في شهر نوفمبر من عام 2007، القرار يحمل بصمة ملوك ورؤساء الدول الأعضاء في منظمة أوبك لعله سيعود إلى دائرة الضوء قبل أن نصل إلى شرم الشيخ، ضمن إستراتيجية وطنية متكاملة وردت بعض ملامحها في كلمة الأمير عبدالعزيز في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في جلاسكو.