عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
بداية ننوه إلى أن «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» هيمنت على الحياة السياسية في إثيوبيا لقرابة ثلاثة عقود، لكنها فقدت الكثير من نفوذها عندما شغل أبي أحمد منصب رئيس الوزراء الإثيوبي في عام 2018 بعد احتجاجات مناوئة للحكومة استمرت سنوات.
وزعزعت الحرب التي يتسع نطاقها استقرار ثاني أكبر الدول الإفريقية سكاناً، والتي كانت تعتبر حليفاً مستقراً للغرب في منطقة مضطربة.
ففي العام 2017 اضطر أكثر من مليون إثيوبي للنزوح لأسباب تتعلق بصراعات عرقية، وأخرى ترتبط بموجات جفاف ونقص كبير في الغذاء والخدمات في بعض المناطق. لكن أبي أحمد واجه اختباراً كبيراً، عندما سقط قرابة 240 قتيلاً في أعمال العنف والاحتجاجات التي اندلعت في إثيوبيا في يوليو 2020 عندما اندلعت اشتباكات عرقية على خلفية مقتل المغني الشعبي هاشالو هونديسا، الذي يعتبره الكثير من أفراد إثنية الأورومو التي ينتمي إليها أبي أحمد صوتاً لمعاناتهم من التهميش.
وساءت العلاقات مع «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» بعد أن اتهمت الجبهة أبي بأنه يحكم البلاد مركزياً على حساب الولايات الإثيوبية، وينفي أبي الاتهام.
وبعد تسلم أبي أحمد السلطة في العام 2018، أبدى التيغراي رفضهم لسياساته، خصوصاً فيما يتعلق بالاعتقالات التي طالت العديد من زعاماتهم.
ومنذ النصف الثاني من 2020؛ ظلت حكومة أبي أحمد تتعرض لضغوط كبيرة من القوميين التيغراي الأشد حماساً لانفصال الإقليم، وتزايدت النزعة الانفصالية بشكل أكبر في سبتمبر 2020 بعد أن تحدت جبهة تحرير شعب التيغراي قرار حكومة أبي أحمد القاضي بتأجيل انتخابات محلية لاختيار حكومة جديدة للإقليم كان مقرراً إقامتها في أغسطس بسبب جائحة الكورونا. وبالفعل أجريت الانتخابات في العاشر من سبتمبر وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية في أديس أبابا عملاً غير شرعي ويشكل تهديداً للوحدة الوطنية.
تتزايد المخاوف من حرب بإثيوبيا ومن مخططات جبهة تحرير تيغراي لاقتحام العاصمة أديس أبابا.
وسط هذه الأجواء، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الإثيوبيين إلى التكيف مع ما وصفه بالمحنة، متعهداً بالدفاع عن البلاد. إذ كانت الحرب التي اندلعت في إقليم تيغراي في 4 نوفمبر 2020؛ بمثابة «كرة الثلج» التي بدأت تتدحرج بسرعة فائقة.
ورغم إعلان أبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي مراراً سيطرته على عاصمة الإقليم ميكيلي، وتمكنها من تأمين عدد من المناطق الرئيسية في المنطقة؛ إلا أن مقاتلي جبهة تحرير التيغراي تمكنوا من العودة مرة أخرى بسبب طبيعة المنطقة التي مكنتهم من الاحتماء بالجبال.
وتخوض الحكومة الإثيوبية منذ عام، حرباً ضد قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في شمال البلاد، إلا أن الصراع شهد فصلاً جديداً، خلال الأيام الماضية، بعد إعلان قوات تيغراي تشكيل تحالف مع فصائل مناهضة للحكومة.
ويقول التحالف المكون من تسعة فصائل إنه يهدف إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد سواء بالقوة أو بالمفاوضات وتشكيل حكومة انتقالية، ويسمى التحالف الجديد «الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية».
وقال متحدث باسم قوات تيغراي في إثيوبيا إنها انضمت إلى قوات من إقليم أورومو، تقاتل أيضاً الحكومة المركزية.
وصرح متمردو إقليم تيغراي الإثيوبي لوكالة فرانس برس بأن التخوف من «حمام دمّ» في أديس أبابا في حال دخلوا أديس أبابا لإسقاط الحكومة، أمر «سخيف» و»لا يتمتع بالصدقية»، مؤكدين أن هدفهم ليس السيطرة على العاصمة، بل التأكد من أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد «لا يشكل تهديدًا لشعبنا».
وتعيش إثيوبيا على وقع صراع بين الحكومة الإثيوبية وتحالف مناهض لها، يسعى إلى إسقاطها «بالقوة أو بالمفاوضات». وبسقوط مدينة ديسي، فقد الجيش الإثيوبي أهم نقطة لانسياب الإمدادات، خصوصاً إلى إقليم التيغراي الذي أشعل شرارة الحرب الحالية التي تعتبر الأحدث في سلسلة صراعات عرقية وسياسية عاشتها البلاد لسنوات طويلة.
وبعد دخول مقاتلي جبهة تحرير التيغراي مع قوات الأورومو التي ينتمي إليها رئيس الوزراء أبي أحمد، وتقدمهم المفاجئ خلال الأيام الماضية في مناطق الأمهرا -الحليف الرئيسي لأبي أحمد- اضطرت الحكومة الإثيوبية، مؤخرًا لإعلان حالة الطوارئ، وسط مخاوف من حرب شاملة تلقي بتبعات كارثية على المستويين المحلي والإقليمي. فإن استيلاء تحالف التيغراي والأرومو على مدينة ديسي يعقد موقف الجيش الفيدرالي الإثيوبي أكثر؛ إذ تشكل هذه المدينة بعداً استراتيجياً مهماً نظراً لوقوعها في منطقة الأمهرا الحليف الحالي لأبي أحمد، كما أنها ستؤدي إلى قطع طريق الإمداد الرئيسي للقوات الفيدرالية الإثيوبية.
إن لجوء إثنية الأورومو التي ينتمي إليها أبي أحمد للتحالف ضده مع التيغراي يعود لحالة التململ التي سادت لفترة طويلة في أوساط إثنية أبي أحمد، بسبب ما يصفونه بالإجراءات القمعية والاعتقالات التي طالت زعامات سياسية تنتمي للإثنية ومن بينهم محمد جوهر.
واندلعت الحرب قبل عام بين القوات الاتحادية وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي هيمنت على الحياة السياسية الإثيوبية قرابة 30 عاماً قبل تعيين أبي أحمد رئيسا للوزراء عام 2018.
وأودى الصراع بين أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بحياة آلاف المدنيين، وتسبب في نزوح 2.5 مليون شخص عن ديارهم.
من جانبه، توعد رئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد، بـ»دفن الأعداء بدمائنا»، في إشارة إلى متمردي إقليم تيغراي، وذلك في ذكرى مرور سنة على بدء الحملة العسكرية التي شنها على المتمردين هناك.
وجاءت تصريحات أبي أحمد هذه بعد يوم من إعلان حالة الطوارئ في البلاد، بعد أن أشار المتمردون في تيغراي إلى أنهم سيتقدمون صوب العاصمة أديس أبابا.
وقال رئيس وزراء إثيوبيا: «الحفرة التي تم حفرها ستكون عميقة جداً، وستكون حيث يدفن الأعداء وليس حيث تتفكك إثيوبيا. سندفن هذا العدو بدمائنا وعظامنا وسنعلي مجد إثيوبيا من جديد».
دعوة السلاح
وقالت إدارة أديس أبابا في بيان، نشرته وكالة الأنباء الإثيوبية (إنا): إن السكان يجب أن يستخرجوا تراخيص بحمل أسلحتهم، وأن يتجمعوا في الأحياء السكنية.
وجاء هذا البيان بعدما قالت «جبهة تحرير شعب تيغراي»، إنها سيطرت على عدة بلدان، مؤكدة أن هدفها الموالي هو الزحف إلى العاصمة التي تبعد عن مواقع المتمردين بـ380 كيلومتراً نحو الجنوب.
مخاوف كبيرة
من جهته، عبّر المجتمع الدولي عن مخاوف جدية من أن تعمق الأزمة الحالية زعزعة الاستقرار الهش في إثيوبيا، وتلقي بتبعات كبيرة على معظم بلدان شرق إفريقيا.
قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو: إن الصراع المستمر منذ عام في إقليم تيغراي الإثيوبي بلغ مستويات «كارثية».
وأضافت ديكارلو لمجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية أن «خطر انزلاق إثيوبيا إلى حرب أهلية متنامية حقيقي تماماً».
وزار نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا، حيث يتصاعد النزاع مع القوات الحكومية، وطالب بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وخلال زيارته لعاصمة الإقليم ميكيلي، تحدث غريفيث مع «السلطات القائمة» وشدد على «الحاجة إلى وصول المساعدات الإنسانية» و»حماية المدنيين في جميع المناطق التي تسيطر عليها».
ووصل الموفد الأمريكي إلى منطقة القرن الإفريقي جيفري فيلتمان إلى إثيوبيا، للدعوة إلى إيجاد حل سلمي في البلاد. وأمرت الولايات المتّحدة دبلوماسييها غير الأساسيين في السفارة الأميركية في إثيوبيا وأفراد عائلاتهم، بمغادرة البلاد.
كما طلب عدد من السفارات، بينها بعثات السعودية والسويد والنرويج والدنمارك، من رعاياها مغادرة إثيوبيا.
كما أكد المبعوث الأميركي الخاص جيفري فيلتمان، قلق الولايات المتحدة البالغ من تصعيد الصراع وخطر العنف بين الطوائف في إثيوبيا، مشجعاً جميع الأطراف على الانخراط في حوار بشأن وقف الأعمال العدائية.
الاتحاد الإفريقي
من جانبه، أشار الاتحاد الإفريقي إلى أنه لا توجد فرصة كبيرة لإنهاء القتال في إثيوبيا، في حين حذرت الأمم المتحدة من أن خطر انزلاق إثيوبيا في حرب أهلية واسعة النطاق «حقيقي للغاية».
وقدم كل من مبعوث الاتحاد الإفريقي للقرن الإفريقي، ومنسقة الشؤون السياسية بالأمم المتحدة روزماري ديكارلو إحاطة لمجلس الأمن الدولي.
وقال أوباسانغو متحدثاً من إثيوبيا: نأمل في التوصل إلى برنامج يوضح» كيف يمكنهم السماح بوصول المساعدات الإنسانية وانسحاب للقوات يرضي جميع الأطراف.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 400 ألف شخص في منطقة تيغراي بشمال إثيوبيا يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة بعد عام من الحرب.
وكشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن وزارة الخارجية الإسرائيلية بدأت، يوم السبت الماضي، في إجلاء عائلات دبلوماسييها من إثيوبيا.
وقالت الصحيفة» إن دبلوماسيين إسرائيليين سيواصلون العمل والإقامة في السفارة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وأضافت أن قرار الإجلاء يأتي بسبب «تدهور الوضع الأمني في إثيوبيا».
يذكر أن البرلمان الإثيوبي صوت في أديس أبابا بالموافقة بالإجماع على فرض حالة الطوارئ بالبلاد. وطلبت السلطات في أديس أبابا من السكان إعداد الدفاعات، في إطار التحسب لتقدم قوات تيغراي.
وأكد مسؤول إثيوبي أن بلاده ستدعو القادرين من الشباب للانضمام إلى الجيش، في ظل اضطرابات يشهدها البلد الإفريقي.
وقال يوناس زودي رئيس مكتب الاتصال لمدينة أديس أبابا إن الجيش «سيوجه دعوات للقادرين من الشباب للانضمام لقواته».
وأعلنت السلطات الإثيوبية حالة الطوارئ، الثلاثاء، بعدما قالت قوات متمردة من إقليم تيغراي الشمالي إنها حققت مكاسب على الأرض جنوباً، في مطلع الأسبوع الماضي، وهددت بالزحف إلى العاصمة.