جمال العمير
اتبعت الدولة اللبنانية مؤخرًا أساليب المكر والدهاء للسيطرة على شعبها وسرقة أمواله ونهب مقدراته وأخذه نحو المجهول بعد أن كانت تسمى سويسرا الشرق. فافتعلت العديد من الأزمات الداخلية من بلدة شويا الدرزية إلى أحداث خلدة السنية وعين الرمانة المسيحية، تعدتها إلى أزمة خارجية افتعلتها مع المملكة على لسان وزير إعلامها جورج قرداحي.بلدة شويا اللبنانية: تقع جنوب لبنان، سكانها من الطائفة الدرزية. تم إطلاق ثلاثة صواريخ باتجاه مزارع شبعا المحتلة فقامت إسرائيل بالرد على مصادر النيران التي أطلقت منها الصواريخ ولم تقع خسائر في الجانب اللبناني، ليتبين فيما بعد أن هناك سيارة محملة بالصواريخ تابعة لحزب الله هي من أطلقت الصواريخ. فقام أهالي بلدة شويا باحتجاز طاقمها المؤلف من أربعة أشخاص وتسليمهم إلى الجيش اللبناني حتى يجنبوا بلدهم الفقير من ردّات الفعل الإسرائيلية فيما لو استمر القصف. فانقسم اللبنانيون -وكما هي العادة- بين من يؤيد ذلك معتبرًا أن من قام بعملية الاحتجاز خائن وبين معارض معتبرًا ذلك توريطًا للبلد وأخذه نحو المجهول. فزعيم الطائفة الدرزية قال وبرد خجول: نرجو الخروج من هذا الموقف المتوتر. كما قال سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبناني وبرد خجول أيضًا: لا يستطيع أن يكون لبنان لتبادل الرسائل. بينما اعتبرهم رجل إيران رئيس حزب الله حسن نصر الله مقاومين عندما قال: أتمنى أن أقبل أيادي المقاومين الذين تم القبض عليهم وتسليمهم للجيش اللبناني.بلدة خلدة: تقع جنوب بيروت يقطنها سنة وشيعة. علق على جدران المدينة شعارات مذهبية مثل شيعة. شيعة ويا. لثارات الحسين، فقام طفل اسمه حسن غصن -بتحريض أو بدونه لا أحد يعلم- بتمزيق تلك الشعارات، فقام علي شبلي من جماعة حزب الله بقتله على الفور. قدم أهالي القتيل شكوى ضد القاتل ولعدم وجود قضاء عادل قوي بقي القاتل حرًا طليقًا، وبعد أحد عشر شهرًا على مقتل الطفل شاهد شقيق الطفل قاتل أخيه في حفل عرس فما كان منه إلا أن أطلق النار عليه فارداه قتيلاً ثأرًا لأخيه. في اللحظة نفسها تم إلقاء القبض على القاتل. في اليوم الثاني قام حزب الله بتشييع جثمان علي شبلي في شوارع خلدة وأثناء التشييع قام جماعة من حزب الله بإطلاق الرصاص على صورة للطفل حسن غصن كانت معلقة على أحد الجدران من وقت وفاته وتمزيقها مع إطلاق بعض الشعارات الدينية، فقام جماعة خلدة بنصب كمين وقتل خمسة أشخاص من جماعةزب الله، وكما هي العادة كل طرف يحمِّل الآخر مسؤولية ما حدث.عين الرمانة: حي من أحياء بيروت تقطنه الطائفة المسيحية على خلفية انفجار مرفأ بيروت والذي كان بمنزلة انفجار نووي لا تعادله في الشدة إلا تفجيرا هيروشيما وناغزاكي في اليابان، نتج عن تفجير 2750 طن من نترات الأمونيوم من أصل 12000 طن كانت موضوعة في أحد مخازن مرفأ بيروت، راح ضحيتها ما يقرب من 300 مواطن من جميع طوائف المجتمع اللبناني وأكثر من 7000 جريح مع دمار آلاف المنازل على رؤوس أصحابها، ما يعتبر جريمة إنسانية بكل المقاييس لا يمكن السكوت عنها مهما كانت الأسباب، فالمسألة ليست اغتيال مواطن هنا وآخر هناك، تعدت ذلك لقتل شعب وبدم بارد (قتل امرؤ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر). قام القاضي طارق البيطار المسؤول عن ملف جريمة مرفأ بيروت بإصدار مذكرة إحضار بحق كل من حسن خليل وغازي زعيتر وهما من حزب الله واثنان آخران من أحزاب أخرى. على إثر ذلك قام حزب الله وحركة أمل بمسيرة سلمية إلى قصر العدل مطالبة القاضي طارق البيطار بالتنحي إدعاءً منهما أنه يتعاطى مع القضية بمكيالين، وأثناء مرورها انحرفت المسيرة عن مسارها لسبب أو لآخر ودخلت أحياء عين الرمانة دون أن يستطيع الجيش والأمن المكلف بالحماية من منعهما وليحصل جراء ذلك سقوط ثمانية قتلى ولا يعرف إلى الآن من هو المسؤول عن القتل، وكالعادة كل طرف يحمَّل الآخر مسؤولية ما حدث. وزير الإعلام اللبناني: صرَّح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي أن حرب السعودية في اليمن عبثية وأن الحوثيين في اليمن جماعة مظلومة تدافع عن نفسها وأن السعودية معتدية، وهو يعرف أنه لولا تدخل دول التحالف بقيادة المملكة بعاصفة الحزم والعزم وقبلها متدخلة في البحرين لكانت إيران أطبقت على دول الخليج بالكامل. وكان قد سبقها تصريحات لشربل وزير خارجية لبنان في الحكومة السابقة والذي هاجم المملكة ودول الخليج عامة بأنهم جماعة بدو غير متحضرين، وبعدها وبدل أن يكحلها عماها كما يقال قال وزير الخارجية الحالي عبدالله بو حبيب عندما سئل أثناء لقاء صحفي عن احتجاج المملكة من تصريحات جورج قرداحي قال «انتو يا عمي مكبرينا كتير وهذا حصل قبل تسلمو وزارة الإعلام بشهر»، وعن شكوى السعودية ودول الخليج من قضية تهريب الحبوب والمخدرات المتكرر إليها أجاب وبكل صفاقة أنه لولا وجود أسواق جيدة في المملكة ودول الخليج لما حصل ذلك. فالساسةيلبنان برعوا بافتعال الأزمات وتصديرها وكان من الأولى أن يعالجوا مسألة الفقر والحرمان التي تعانيها، فطوابير البشر على الأفران للحصول على ربطة الخبز وآلاف أخرى على محطات الوقود وارتفاع مخيفة في الأسعار، وآخرون نيام في الطرقات دون مأوى، ويتشدق ساستهم بالعزة والكرامة معتبرين أن ما قامت به المملكة هو هدر لكرامتهم وتدخل في شؤونهم، ولم يسأل هؤلاء من الذي بدأ بالتصعيد أولاً فعزة المسؤول وكرامته من عزة شعبه وكرامته. وبالرغم من الشكاوى الدائمة والمتكررة لم تتخذ الحكومات السابقة أو الحالية أي إجراء ملموس على أرض الواقع. وعندما نفد صبر المملكة من تصرفات القادة اللبنانيين بحق شعبهم المسحوق أولاً وبالتمادي والتطاول على المملكة ثانيًا قامت بضربة المعلم الواعي والمتبصر وفي الوقت المناسب وعن طريق خارجيتها بخطوة سياسية تبعتها بخطوة اقتصادية باستدعاء سفير لبنان لدى المملكة وتسلمه مذكرة احتجاج على تصريحات وصفتها بالمثيرة للجدل بشأن الحرب في اليمن. توجه سلكته دول خليجية أخرى في التعامل مع تصريحات المسؤول اللبناني إضافة إلى مصر والأردن. حاول الوزير نفي تبنيه لأي موقف عدائي تجاه السعودية، مشيرًا إلى أن تعليقاته بشأن حرب اليمن كانت شخصية وقبل انضمامه للحكومة. كما حاول رئيس الوزراء نجيب ميقاتي احتواء الأزمة بعد اجتماعه مع الرئيس عون بأن نأى بالحكومة عن تصريحات وزير الإعلام مشددًا على تمسك لبنان بجودة العلاقات مع الدول العربية والنأي عن صراعات المنطقة، لكن ذلك لم يُجدِ فلقد سبق السيف العزل لتتبعها خطوات اقتصادية لاحقة.
فالصادرات الاقتصادية من لبنان إلى السعودية وفق الجدول وحسب الأرقام المعلنة من مركز التجارة الدولي..ففي عام 1990 كانت صادرات لبنان إلى المملكة 90 مليون دولار. من عام 2018 إلى عام 2019 ارتفعت من 286 إلى 289 مليون دولار.
عام 2021 هبطت إلى 240 مليون دولار، يعني ذلك أن الأرباح ولت إلى غير رجعة.
أما بالنسبة إلى دول الخليج فقد بلغت صادرات لبنان إليها حتى عام 2020، 190 مليون دولار، هذا يعني أن لبنان سيقع في كارثة اقتصادية جراء سياسات طائشة يدفع ثمنها المواطن اللبناني.أذهب إلى فكرة استوقفتني كثيرًا، يروى أن حاكمًا مستبدًا ظالمًا كان يحكم شعبًا عنيدًا، فأراد ذلك الحاكم أن يساعده وزير على قدر عالٍ من الدهاء، فأعلن أن من يأتيه بكيس من الفئران سيصبح مستشاره الخاص، فهو يعرف أن ذلك من المستحيلات لأن الفأر ما أن يوضع بالكيس حتى يقضمه ويتخلص من سجنه. ظن الناس في البداية أن ذلك ممكن فحاولوا ولم يستطع أي منهم تحقيق ذلك ليتبين أن ذلك من المستحيلات. وانتظر الحاكم طويلاً ولم يستطع أحد على ذلك إلى أن جاء ذات يوم حرسه الخاص ليخبره أن رجلا يقف على باب القصر وبحوزته كيس مملوء بالفئران، فقال لهم الحاكم ادخلوه، وقال له هنيئًا لك فقد أصبحت مستشاري الخاص لجميع أمور البلاد، لكن أريدك أن تخبرني ما فعلت حتى استطعت ملء الكيس بالفئران؟ قال الرجل الخبيث: هذا شيء بسيط، فمنذ أن أعلنت ذلك وأنا أملأ الكيس واهزه بعنف والفئران تأكل بعضها بعضًا إلى هذه اللحظة وها هو الكيس مملوء بالفئران وقد أنهكت من أكل بعضها بعضًا. هذا ما ينطبق على ساسة لبنان، ما أن ينتهوا من أزمة حتى يفتعلوا أخرى، يجمعون الأموال في غياب شعب جائع منهك شغلته الحروب والأزمات.