أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
هذا اليوم الذي نحن فيه يزف إلينا ذكرى اليوم الثالث من الشهر الرابع لسنة ست وثلاثين وأربعمائة وألف هجرية، تلك الذكرى تحمل البشر والخير والأمن، فبيعة الملك سلمان تدلف إلى السنة السابعة في خطى ثابتة، يصحبها الأمل المنشود للمملكة العربية السعودية بأن تكون بلاد الرخاء الدائم والأمن الوارف والتآخي مع الجيران، وخدمة مكة المكرمة ومن يقصدها حاجاً ومعتمراً، وخدمة مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن يقصدها زائراً ومسلماً على نبي الإسلام.
أيها الملك المُبجَّل لقد أدركت الشرف الباذخ وعلوت الذروة العليا حين اتصفت بخادم الحرمين الشريفين، لقد خدمتهما بالأمن والحماية وتأمين الماء والعيش لقاطنيهما وقاصديهما، فمن يدرك هذا الشرف فقد بز ملوك الأرض، وأرضى الله سبحانه وتعالى. إن حماية الحرمين الشريفين حمل تحمَّلهُ الملك سلمان وهو حمل لا يتحمله إلا الأفذاذ من الرجال، ألم يُنهب الحجر الأسود في زمن الدولة العباسية في صدارة حكمها؟! ألم يحفر حول قبر الرسول والمدينة تابعة لدولة قوية، فأين تلك الحماية في تلك الأزمان، وإن شرف حماية المقدسات شرف لا يعادله شرف.
إن تأمين الأمن والعيش للمدينتين المقدستين علامة قوة ومقدرة يتصف بهما خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز -رعاه الله وأدام عزه-، لقد مرَّت السنوات الست مرور أيام الربيع، فالوجوه يعلوها البشر والمدن والقرى والأرياف مسترخية في ظلال سلمان، فلا نزاعات ولا مشاجرات ولا انسداد شوارع ولا إحداث حرائق، الكل منصرف لعمله يملأ سيارته بالنزين المتاح ويشتري حاجات بيته من الأسواق المفتوحة ويؤدي عباداته في المساجد المخدومة، الرضا يملأ النفوس والأمل يريح الصدور.
إن سكان المملكة العربية السعودية يعرفون الملك سلمان على امتداد خمسين سنة قبل أن يكون ملكاً للبلاد، عرفوه بخطبه في المناسبات، يرتجل القول فيحسن بدون إعداد سابق، قال في إحدى خطبه: الرياض برزت مدينة وأنتم تعرفون كيف كانت من قبل وخلف ذلك عمل رجال، فالمدن لا يبنيها إلا سواعد الرجال، وقال في خطبة له في حفظة كتاب الله: هذه مناسبة غالية لأنها تتعلق بكتاب الله القرآن الكريم، ثم استرسل في الحديث فقال: إننا أمة وسط فلا إفراط ولا تفريط فلا نغلو في ديننا ولا نفرط في شيء منه، نحتفي بكتاب الله وسنة رسوله، ولا نتجاوز حد الوسطية والاعتدال، وقال في خطبة تناولت التحديث: إننا نسعى إلى التحديث الذي يخدم البلاد فالتطور من سنة الحياة وهو يخدم البشرية في هذه البلاد وفي غيرها من بلدان العالم، التحديث مطلوب في نواحي الحياة المختلفة وهو مرتبط بارتقاء البشرية إلى الأحسن، ولكل بلاد تحديث يناسبها، فالتحديث في المملكة العربية السعودية لا يتنافى مع الثوابت والأسس التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، فالمملكة العربية السعودية لديها مسؤوليات تجاه العالمين العربي والإسلامي والعالم أجمع بصفتها خادمة للحرمين الشريفين وقبلة المسلمين ومهبط الوحي، وفي خطبة له في افتتاح دار رعاية الأطفال المعوقين بالرياض، قال -حفظه الله-: هذه الدار تمثل التكاتف بين المواطنين والدولة، فالمواطنون أسهموا في رعاية المعوقين، والدولة دعمت الدار مالياً ومعنوياً، ومن ثمرات هذا التعاون أنه وفر علينا مجهوداً بإرسال أبنائنا المعوقين إلى الخارج للعلاج، فالدولة تقول للمواطن يا مواطن اعمل والدولة معك، يا مواطن اعمل والدولة تشد إزرك. وفي ختام كلمته قال حفظه الله: وهذا ما هو حاصل والحمد لله، وخطب الملك سلمان: تناولت خدمة الوطن في جميع أموره، فمن أقواله: الوطن بحاجة إلى كل يد عاملة تعمل في بنائه، وقال: الكلمة سلاح خطير، الكلمة منذ أن وجدت هي سلاح خطير إما للخير أو للشر. وقال عن علاقة المملكة بالدول الأخرى: إن علاقاتنا الخاصة مبنية على الاحترام المتبادل للمبادئ التي يقوم عليها منهجنا السياسي، وعلى التفهم العميق لحقوق وتطلعات شعبينا.
ومهارة الملك سلمان الخطابية لها قاعدة معرفية لا تنضب فهو رائد العلم والمعرفة، عالم بالأنساب، فقبائل المملكة حاضرة في ذهنه، وأرض المملكة بمدنها وقراها وجبالها وأوديتها وروضاتها بارزة أمام عينيه، يعرف القرية ومن يسكنها، فهو ليس بحاجة إلى مستشارين في التعريف بالقرى والمدن والصحارى، وقد جمع الملك سلمان بين المعارف والعلوم، المعارف اكتسبها من نشأته والاستماع إلى أصحاب الرأي من بادية وحاضرة، وقد أضاف إليها ثقافة صحبته على امتداد عمره، فمكتبته العامرة تشهد بثقافة واسعة مصدرها الكتاب في شتى العلوم، وأبرزها العلوم الدينية، ثم العلوم الاجتماعية، وتبرز فيها التاريخ أكثر من أنماط العلوم الاجتماعية الأخرى، والأدب حاضر في مكتبة الملك سلمان، فدواوين الشعر من مكونات ثقافته، ومن المعروف أن الشعر المؤثر يستهوي الملوك، والملك سلمان واحد منهم، هذه المعارف والثقافة تمده بما يرغب فيه من القول.
وشهرة الملك سلمان في مؤازرة الصحفيين وحمايتهم مرتبطة بحبه للقراءة، ومن ينتمي إليها ومن يخدمها، فهو قارئ للمجلات والصحف، يعرف الكتاب والصحفيين، فإذا أخطأ الصحفي أو خانه اجتهاده فيما وكل إليه من مهمة صحفية، لجأ إلى الملك سلمان لأنه هو الخبير في معالجة تلك القضايا، ومن ثم مساعدة صاحب القضية.
إن سعة الأفق الثقافي والمعرفي للملك سلمان كون لديه هيبة ثقافية من محدثيه أو ممن يجرون معه حديثاً صحافياً في أمر الإدارة أو غيرها من شؤون البلاد والسياسة والتعليم والعلاقات الدولة.
وإذا دلفنا إلى المهارات التي اختص بها الملك سلمان وجدنا مهاراته في العرضة النجدية (رقصة الحرب) تبرز مهارة الآخرين من حيث الأداء بالسيف واستعمالاته المختلفة، فالعرضة أداها ملوك آل سعود ولكن (الملك سلمان يشد الأنظار في أدائه المميز، ومن مهاراته مهارة الصيد بالصقور، فهو يعرف أرض الصيد ومسالك الصحراء).
الملك سلمان مارس الإدارة في إمارة الرياض وثمرات إدارته بادية للعيان، فقد كون الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وأمر بالبدء في تطوير منطقة قصر الحكم، فبرزت المباني الحديثة التي تمثل التطور والتجديد في قلب العاصمة، مع المحافظة على الطابع التاريخي لقلب الرياض، وتعانق العاصمة مع المحافظة على الطابع التاريخي لقلب الرياض، وتعانق البناء الجديد الذي يمثله قصر الحكم والمسجد الجامع مع البناء الكبير الذي يمثله قصر الفتح (المصمك)، وتابع الملك سلمان خطوات التطوير في قلب المدينة، فبرزت أسواق المعيقلية الحديثة، وعاد النشاط التجاري في الأسواق الحديثة، وعاد التجار إلى وسط الرياض بعد أن انصرفوا عنها إلى الأسواق التي جدت في أنحاء العاصمة، فأصبح النشاط التجاري شاملاً الأسواق الجديدة وأسواق قلب الرياض، فالتجار لهم حوانيت في قلب الرياض وفي المناطق الأخرى من العاصمة، فرؤية الملك سلمان هي التي أحيت قلب الرياض بعد الانصراف عنه، وإذا كانت الخطوة الأولى لرؤية الملك سلمان تطوير قلب الرياض فإن الخطوة الثانية هي تطوير حي المربع المحتوي على قصر المؤسس الملك عبدالعزيز، فتناول التطوير القصر في مهارة متناهية، حيث أبقته على وضعه مع بعض الترميمات التي تناولت ما أفسده الدهر في وقت الإهمال، وبجوار القصر دارة الملك عبدالعزيز التي رعاها الملك سلمان، فهذه الدارة تحوي تاريخ الملك عبدالعزيز منشئ هذا الكيان.
وبما أن الملك سلمان رجل الوفاء فقد اهتم ببلد آل سعود في نشأة دولتهم الأولى، ولم ينسَ ما قام به جده الأعلى محمد بن سعود من أعمال جليلة في مدينة الدرعية، فاتجه إلى هذه المدينة وتفقدها قبل امتداد عمران الرياض إليها، ولما امتد العمران إليها بدأ الترميم في مباني آل سعود القديمة، وتحسين المرافق والشوارع والميادين، حتى أصبحت الدرعية اليوم وجهة سياحية، تستهوي السائح بتنوع آثارها بالإضافة إلى نخيلها وبساتينها.
وبالإضافة إلى الأعمال الجليلة التي أشرت إليها فإن القضايا الكبرى حاضرة في ذهنه مثل قضية فلسطين وقضايا المسلمين في أفغانستان والصومال والبوسنة والهرسك، أما بذله للفقراء والمحتاجين في العالم فقد عم أنحاء المعمورة.
وإنجازات الملك سلمان اعترف بها العالم في السيطرة على وباء (كورونا) وإسهامه في قمة العشرين بالدعم ومؤازرة الدول القادرة على تخفيف أزمات العالم ومنها أزمة المناخ.