د. تنيضب الفايدي
لا أكون مبالغاً إن قلتُ إن منطقة حائل فريدة من نوعها بين المناطق من حيث الحضارات المتعددة، وجمال البيئة الساحرة، والنقوش القديمة الثمودية، وفنون الرسومات الصخرية، فلايخلو كتاب يتناول تاريخ الجزيرة العربية أو جغرافيتها إلا ويذكر مدينة حائل، فتاريخ منطقة حائل تاريخٌ موغلٌ في القِدم، حيث يمتد إلى عصور ما قبل التاريخ، مروراً بعصر ما قبل الإسلام، والعصور الإسلامية، وتعدّ حائل من مراكز الحضارات القديمة التي عاصرت الآشوريين والبابليين، كما تدل على ذلك الآثار والنقوش القديمة من كتابات ثمودية وغيرها التي تمثل تراثاً تاريخياً سياحياً جذاباً، وقد أكثر شعراء المعلقات من ذكر مواقع متعددة بمنطقة حائل، مما يدلُّ على قِدم حضارتها وشهرتها، مثل امرئ القيس، وعنترة بن شداد، وزهير بن أبي سلمى، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، وغيرهم من الشعراء، وقد جعلها موقعها الاستراتيجي دائماً في قلب الأحداث التي مرت بالمنطقة، حيث أُطْلِقَ عليها: مفتاحُ الصحراء، نظراً لكونها المعبر الرئيس للمتجهين شمالاً أو جنوباً في شبه الجزيرة العربية، كما كانت حائل معبراً لجيوش المسلمين الذين اتجهوا شرقاً وغرباً. وقد وهبها الله سبحانه وتعالى الجمال بتكويناتها الجبلية والغطاء النباتي، كما سُميت حائل عروس الشمال، وما ذاك إلا لجمالها الطبيعي الرائع، فقد تميزت منطقة حائل بتنوع مظاهر تضاريسها، فتحتوي على الجبال والهضاب والسهول والأودية والحرات والكثبان الرملية، ومن أبرز معالم منطقة حائل الجغرافية سلاسل جبل أجا وسلمى، كما تشتمل المنطقة على عدد من الهضاب أهمها: هضبة الأجفر في الشمال الشرقي، وهضبة الأديرع في الجنوب، وهضبة التيسية في الجهة الشرقية من المنطقة، كما توجد في المنطقة عدد من الحرات أهمها: حرة إبضة، وحرة فيد، وجزء من حرة خيبر، وحرة فدك، وغيرها، ويمتد في منطقة حائل عدد من الأودية والشعاب من أهمها: وادي الأديرع الذي تقع عليه مدينة حائل، ووادي العدوة، ووادي الشعبة، ووادي الفهد، ووادي سميراء وغيرها من الأودية.
كما اشتهرت حائل بشهرة أهلها مثل: حاتم الطائي، وأكثم بن صيفي، وعدي بن حاتم -رضي الله عنه- وسفانة بنت حاتم -رضي الله عنها-، وأوس بن حارثة الطائي -رضي الله عنه-، وزيد الخير (زيد الخيل) -رضي الله عنه-، وأبو تمام الطائي، والبحتري. وعندما يركّز الباحث على هذه الأسماء يجد بأن لها دورا تاريخيا في صنع الأحداث وفي مجالات مختلفة، ولاسيّما المحافظة على اللغة العربية.
ويعتبر الكاتب حائل منطقة الكنوز التي لاتقدّر بأي ثمن؛ لأن حائل من أغنى مناطق المملكة بالآثار، وذلك لاتصال حضارتها ببعض حضارات ما قبل الإسلام وبعده، حيث عثرت في حائل عدة مواقع أثرية قديمة، منها ما كشفت، ومنها ما لم يكتشف حتى الآن، ومن أشهر تلك المواقع التاريخية والأثرية في حائل: جبل جانين، جبة، فدك (الحائط)، الشويمس، فيد، توارن، ياطب، وغيرها وتوجد في تلك المواقع لوحات جميلة من الرسوم الصخرية التي تميزت في أغلب الأحيان بمحاكاة الطبيعة، كما رُسِمَتْ أشكالُ الحيوانات، فهذه المواقع الأثرية في منطقة حائل تثبت عمق وتنوع الحضارة لهذه المنطقة الغالية.
وتضاعفت شهرة حائل بعد مرور درب زبيدة على أرضها، حيث أنشئت العديد من المحطات، فقد بلغ عدد محطات طريق الحج الكوفي في منطقة حائل أكثر من اثنين وعشرين محطة، وقد لاقت تلك المحطات الاهتمام الكبير من الخلفاء العباسيين، خاصةً السيدة زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد، وقد زودته -أي: طريق زبيدة- بكلّ ما يحتاجه الحاجّ كبناء أحواض المياه، وحفر الآبار، وإنشاء البرك والسدود، ونصب الأعلام والأميال، وبناء المنازل والحصون وأماكن الاستراحات، والأسواق، ورصف الطرق الرملية، كما أقيم حمى الأعشاب للإبل وغيرها من الحيوانات. وبقايا تلك الآثار في منطقة حائل موجودة حتى الآن، وهي توحي بعمق الحضارة الثقافية، ولأجل تلك الآثار ولموقعها الاستراتيجي فقد زار عددٌ كبيرٌ من الرحالة منطقة حائل، خاصةً من الغربيين لدراسة تلك الآثار، فأصدروا كتباً ذكروا فيه مناطق حائل وآثارها.
مع كلّ ما تقدم من مميزات حائل من حضارة قديمة، وسحر الطبيعة، ومواقع أثرية، فإن أجمل ما في حائل شعبها الطيب الخلوق، فخلال تردد الكاتب منذ أكثر من عقدين من الزمن على حائل لم يجد من أهلها إلا البرّ والألفة والمحبة، والخلق الحسن... ومن زار حائل أو يزورها يشعر بنفس الإحساس التي أحسّها الكاتب في زيارته لها، بل يشعر أن ذلك لا يقتصر على أهلها فقط، بل يحسّ بأن هناك علاقة تربطه بجبالها وأوديتها وأرضها عموماً.