تتميز منطقة القصيم بتراث جميل، زاده جمالاً المساهمة الفاعلة من أبناء المنطقة في حمايته وتأهيله وترميمه.
وتبرز منطقة القصيم أكثر من غيرها في أعداد المباني المرممة من بلدات وقصور ونزل تراثية ومتاحف خاصة وغيرها.
وكما أن للقصيم دورها ومكانتها التاريخية بحكم موقعها في وسط الجزيرة العربية، واستيطان كثير من الحضارات فيها، فإن لها أيضاً دور رئيس في جهود توحيد المملكة وبداية نشأتها.
وتفتح المواقع التراثية في القصيم أبوابها للزوار في كثير من محافظات المنطقة، وتشهد هذه المواقع فعاليات تراثية متنوعة.
المواقع الأثرية
تعود كثير من المواقع الأثرية في منطقة القصيم إلى العصر الحجري من خلال النقوش الصخرية والمعثورات الأثرية المختلفة، ومن أبرز هذه المواقع:
شعيب الأدغم
موقع شعيب الأدغم شرق منطقة القصيم من المواقع الأثرية المهمة في المنطقة، حيث يعد هذا الموقع من أهم مواقع العصور الحجرية المكتشفة على مستوى المملكة، وذلك استناداً على ما عثر عليه من أدوات حجرية مميزة ونادرة.
ويعود الموقع إلى فترة العصر الحجري القديم الأوسط (الحضارة الآشولية 200 ألف سنة) قبل الوقت الحاضر تقريباً. وذلك استناداً على ما عثر عليه من أدوات حجرية مميزة ونادرة من الفؤوس الحجرية التي تميزت بالدقة العالية في التصنيع والكثافة والتي استخدمتها تلك الجماعات البشرية في حياتها اليومية.
وتتميز الحضارة الآشولية بظهور صناعة الأدوات الحجرية ثنائية الوجه وتعدد الفؤوس الحجرية، والتي تعد من أهم أدوات هذا العصر.
وقد دلت كثرة الأدوات الحجرية في هذا الموقع على الكثافة العددية لمجتمعات ما قبل التاريخ التي عاشت في هذه المنطقة، وهو ما يعد مؤشراً واضحاً على أن الظروف المناخية في الجزيرة العربية كانت مناسبة جداً لعيش تلك الجماعات البشرية، والاستفادة من الموارد الطبيعية المتوفرة فيها، وتقدم كثافة الأدوات الحجرية دلالة على قدم وجود الإنسان وتكاثر الجماعات البشرية عبر آلاف السنين.
قصر وصخرة عنترة..
في بلدة قصيباء بمنطقة القصيم كان يعيش الشاعر الشهير عنترة بن شداد، وبقي من ذكراه الصخرة التي كان يلتقي فيها بعشيقته عبلة، وتقع الصخرة في سفوح جبال قو، واسمها الجاري «جبال قصيباء»، حيث ذكرها عنترة في قصائده.
وقد أصبحت صخرة عنترة من أكبر المتاحف المفتوحة في العالم، وتضم قرى أثرية وأطلال قلعة عنترة بن شداد وأبراجاً للحراسة مبنية بالحجارة في أعلى الجبل الغربي لمراقبة عيون الماء وبساتين النخيل، وطرق قوافل الحج التي كانت تمر بالمنطقة، حيث أتمت هيئة السياحة مشروعاً لتأهيل الموقع.
وهناك بقايا قصر حجري قديم جدًا فوق الحافة الغربية لقصيباء ناحية القوارة، والقوارة إحدى بلدان الجواء، يقال إنه قصر لعنترة بن شداد قاتل عليه وغلب.
وقصيباء مكان منخفض تتجمع في وسطه بحيرة كبيرة في أثناء موسم الأمطار، وتبدو حواف المنخفض كما لو كانت جبالاً تحيط بالقرية من جميع جهاتها، وقديمًا كانت تسمى (قو) وهي في اللغة تعني المكان المنخفض، وهي قديمة قدم التاريخ، فقد كانت منازل لقبيلة بني عبس في الجاهلية وصدر الإسلام، وتكثر في قصيباء المباني الأثرية من مراقب وعيون وآبار.
الكتابات والرسوم الصخرية
تمثل الكتابات والنقوش والرسوم الصخرية القديمة المنتشرة على صخور الجبال في مناطق المملكة، ثروة تاريخية ذات قيمة عالية ومن المصادر الرئيسية التي استقى منها المؤرخون جل ما دوِّن ويُدون عن تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها.
وتنتشر النقوش والرسوم الصخرية في مناطق المملكة لتمثل سجلاً حياً للحضارات المتعاقبة على أرض المملكة.
ومن المناطق التي تختزن الكثير من النقوش والرسوم الصخرية المميزة في أشكالها وأبعادها التاريخية منطقة القصيم الذي يشكل موقعها الجغرافي حلقة وصل بين وسط الجزيرة العربية وبقية مناطقها.
وتوجد في منطقة القصيم العديد من مواقع الرسوم الصخرية والتي وجدت إما منفردة أو مرتبطة بكتابات ونقوش أغلبها بخط البادية (الثمودي)، وتتناول موضوعات الرسوم الصخرية في منطقة القصيم غالباً مجالات الصيد والحروب والأحوال الاجتماعية.
وتوزعت هذه المواقع على حقب زمنية مختلفة بداية من العصر الحجري ووصولاً إلى العصر الإسلامي وحتى عصر الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، وما بين هذه الحقب من آثار وشواهد لحضارات متنوعة عاشت على شبه الجزيرة العربية.
ومن أبرز مواقع الرسوم والفنون الصخرية المكتشفة في منطقة القصيم موقع جبل المصك في محافظه، وموقع العصودة الشمالي في عيون الجواء، وموقع جبل القطان في محافظة ضرية، وجبل طمية، وجبل سواج، وجبل التيس وجبل كويفر بمحافظة النبهانية وجبل الاكيثال بمحافظه ضرية وغيرها.
المواقع التراثية
تتميز منطقة القصيم بوجود عدد من المعالم التراثية التي أصبحت مقصداً سياحياً لزوار المنطقة خاصة بها ترميمها وتأهيلها.
وتتنوع هذه المواقع ما بين قرى تراثية ومتاحف ونزل وأسواق شعبية وقصور تاريخية وغيرها من المواقع التي تستقبل الزوار يومياً.
وقد ساهم المواطنون والمجتمعات المحلية ورجال الأعمال بالشراكة مع الجهات الحكومية مثل البلديات وهيئة السياحة والتراث الوطني في تأهيل هذه المواقع وفتحها للزيارة.
ومن هذه المواقع:
البلدة التاريخية في عيون الجواء..
تتميز البلدة التاريخية في عيون الجواء بمنطقة القصيم بتصميمها المتميز، وتكامل عناصرها المعمارية مما يؤهلها لتكون نموذجاً للقرية النجدية المتكاملة.
تحتضن البلدة التاريخية الجامع القديم الذي يتميز بكبر مساحته وسقفه المرتفع وتزينه عقود وأعمدة وأسوار بنيت بشكل هندسي جميل، وله سرحة بنيت على طرازه، وكانت تقف في أحد جوانبه منارة دائرية الشكل شامخة وجميلة. وتكمن أهمية الجامع في قدم بنائه، وكبار السن في المنطقة لا يذكرون تأريخاً محدداً لبنائه، ورُمِّم عام 1331هـ، وأعيد ترميمه عام 1371هـ. ويتميز مبنى الجامع بجودة العمارة وجمال التصميم الداخلي؛ إذ يتكون من عدد كبير من الأعمدة المربوطة بأقواس مجصصة ومزخرفة زادت من روعة وجمال المسجد.
وهناك مدرسة الكتاتيب وهي ملحق صغير بالجامع القديم، والسوق القديم (المجلس) وهو سوق شعبي قديم يعد نموذجاً لأسواق القرى النجدية الكبيرة، ويقع قرب الجامع القديم، ويوجد فيه ما يزيد على (50) خمسين متجراً، ويسمى قديماً بـ(المجلس)، وقد كان يعج بحركة تجارية كبيرة؛ كونه يخدم بلدان شمال غرب القصيم.
سوق المسوكف
يعد سوق المسوكف بعنيزة من أهم وأبرز المواقع التراثية والأسواق الشعبية في منطقة القصيم وفي المملكة بشكل عام.
ويستقبل السوق الذي يضم محلات لبيع المنتجات التراثية والحرفية والأكلات الشعبية الزوار من مختلف مناطق المملكة، كما يستضيف الفعاليات السياحية والتراثية بشكل مستمر.
تعود تسمية سوق المسوكف الشعبي نسبة إلى سوق المسوكف القديم الذي أزيل في عام 1394هـ وتبنت أسرة الزامل إعادة بنائه.
كان سوق المسوكف القديم يعد من أهم وأكبر الأسواق التجارية في منطقة، ويتضمن مجموعة كبيرة من الدكاكين يبلغ عددها حوالي مائتي محل ويعرض الكثير من أنواع البضاعة المختلفة.
برج الشنانة بالرس
يعد برج الشنانة التاريخي في محافظة الرس بمنطقة القصيم أحد المعالم التراثية والسياحية المشهورة في المنطقة.
ويستقبل هذا المعلم السياحي التاريخي البارز أعداداً متزايدة من السياح من مختلف مناطق المملكة خاصة في الإجازات، حيث تشدهم إليه جمال عمارته ودوره التاريخي حيث كان له دور في ملاحم توحيد المملكة ومواجهة حملات الباشا، كما شهد دفاع وملاحم أهل القرية في الحروب.
ويصل ارتفاع البرج إلى 45 متراً ويعرف بمرقب الشنانة ويبعد عن محافظة الرس نحو 3 كم.
وهذا البرج الشاهق الذي بناه رجل من البكيرية يدعى (فريح) بأمر ونفقة أسرة الخليفة شيد في حدود عام 1111هـ. وهو مبنى من الطين المخلوط بالتبن، ويوجد في كل دور فتحه لدخول الهواء ولمراقبة الحي الواحد ويستخدم في نهاية كل دور نقوش قديمة لتزيين المبنى من الخارج والداخل. وهو مخروطي الشكل كما يوجد بالقرب منه العديد من الآبار المطوية بالحجارة من أسفل إلى أعلى ويرتاده الكثير من محبي الآثار من مناطق المملكة.
وتم تجديد البرج في عام 1400هـ ثم أُعيد بناؤه مرة أخرى في عام 1422 ثم تم وضع جدار حجري ليحيط بالبرج ويحميه ويحتوي على ما يشبه الغرف ليتمكن السياح والزوار من الوصول للبرج ورؤيته عن قرب.
بيت البسام التراثي
يمتاز بيت البسام التراثي الواقع في محافظة عنيزة بطرازه المعماري الفريد والذي يمثل نموذجًا للعمارة الفارهة في نجد، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1374هـ (1955م)، وتبلغ مساحته نحو 3.500 متر مربع، ويتكون من دورين، ويحتوي على 30 غرفة متفاوتة المساحات منها مجالس لاستقبال الضيوف وغرف النوم والمخازن وغيرها، ويعد بيت البسام مثالاً مميزًا لمتذوقي فنون العمارة القديمة حيث يحتوي على هندسة فريدة في التهوية والإنارة الطبيعية.
متحف الدبيخي
يعد متحف الدبيخي التاريخي في مدينة بريدة بمنطقة من أبرز متاحف المنطقة وأكبرها.
ويقع المتحف في بلدة القويع غرب محافظة بريدة على شارع السلام، وهو عبارة عن مبنى كبير مبني بالطين على طراز البيوت التراثية القديمة ويضم (12) غرفة مختلفة المساحات، ويحوي المتحف أكثر من (3000) قطعة تراثية، وقد تم عرض محتويات المتحف إما بالتعليق على الجدران أو من خلال بعض الفاترينات، وتتكون القطع التراثية الموجودة بداخل ذلك المتحف من أدوات وأواني الطهي والطعام وكذلك أواني الري، كذلك تشمل أدوات القهوة، والمباخر والرحي لطحن وجرش الحبوب، كما تشمل أيضاً أدوات الزراعة والحراثة، وأدوات النجارة، وتشمل أيضاً بعض الأدوات المدرسية والتعليمية القديمة، وتشمل أيضاً بعض الملابس الرجالية والنسائية وبعض الحلي وأدوات التجميل الخاصة بالنساء.
قلعة جدعية التراثية
تقع قلعة جدعية التراثية في محافظة الرس، وتبلغ المساحة الكلية للقلعة نحو 6.250 مترًا مربعًا. تحتوي على مجموعة من المرافق والمباني والغرف التراثية، وتعد القلعة إحدى نقاط الجذب السياحي ومتحفًا ومعلمًا مميزًا في محافظة الرس بما تشتمل عليه بين جنباتها وأركانها من القطع التراثية المختلفة كمجموعات الأسلحة القديمة، والقطع النحاسية والخشبية والجلدية، والعملات بجميع أنواعها.
بلدة المذنب التراثية
وتعتبر بلدة «المذنب» التراثية نموذجاً حياً وشاهداً باقياً على التخطيط العمراني والسكني السائد في منطقة نجد في الماضي، فالبلدة بمبانيها وشوارعها وسوقها وجامعها الكبير تجسد صورة نموذجية للتجمعات السكنية المتناثرة وسط نجد.
ويعود تاريخ البلدة إلى أكثر من 700 عام مضت، وقد تم إعادة تشغيلها وتهيئتها من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتعاون مع بلدية محافظة المذنب لتتحول إلى أحد المواقع السياحية في منطقة القصيم، وحققت القرية جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني كأول مدينة تراثية متكاملة تم تشغيلها دون تدخل أو إعادة بناء بالموارد الحديثة.
تتوسط القرية ساحة يحيط بها 33 معرضاً، كانت سوقاً لمدينة المذنب منذ ما يزيد عن 150 عاماً مضت، وحولتها بلدية محافظة المذنب إلى محلات يعرض فيها الهواة أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية، ويقع بالجهة الجنوبية منها مدرسة ابن دخيل التي تم بناؤها عام 1313 هـ وما زالت بنفس هيئتها، ويجاورها سجن المدينة الذي يعاقب به المخطئ من قبل قاضي المذنب خلال تلك الفترة أو من يحكم عليهم بحكم شرعي ينفذ فيه ذلك الحكم ويقع على مساحة لا تزيد عن 12 متر مربع، بالإضافة إلى بيت غيلان الذي بني عام 1227 هـ، وكان مقراً للقضاء طوال تلك الفترة، وتمتد الممرات المزينة بكل ما هو أثري على أكثر من 348 موقعاً للمنازل القديمة، تحتوي القرية على ساحة تحيط بها أبراج المراقبة الخاصة والمحيطة بالقرية التراثية من كافة الجهات الأربع، حيث يقع بجانبها بئر ماء يتم استخراج الماء منه عن طريق السواني.
وتضم البلدة العديد من المعالم والمواقع، ومن هذه المعالم «سوق المجلس» ويقع إلى الشرق من قصر «باهلة» الذي يرجع إلى القرن العاشر الهجري، وقد ارتبط قصر «باهلة» بالمسجد وبينهما شارع عرضه 16 ذراعاً (8 متر) ويقع بابا القصر في مواجهة المسجد الجامع من الناحية الشمالية الغربية.
متحف العقيلات
يعد من أهم المتاحف في بريدة التي توثق حقبة تجار العقيلات ورحلاتهم خارج الجزيرة العربية، ويختص بتراث العقيلات كصورهم ووثائقهم ومخطوطاتهم ومقتنياتهم، ويضم كذلك درعًا للملك سعود بن عبدالعزيز، رحمه الله، الذي ارتداه في معارك توحيد المملكة مع الملك المؤسس وآخرها معركة السبلة. يضم المتحف بين جنباته أكثر من 3000 صورة لأسر العقيلات، و 1500 وثيقة لهم، إضافة إلى عشرات المقتنيات الخاصة بهم.
ويقدم المتحف تعريفاً بمعظم الشخصيات الشهيرة في تجارة العقيلات والوثائق التي استخدموها مبيناً أنها حركة تجارية تنطلق من نجد وخصوصاً القصيم نحو البلاد المتاخمة للجزيرة العربية، مشيراً إلى أن تاريخها قبل نحو 300 عام وانتهت بترسيم الحدود.
بلدة الخبراء التراثية
يرجع تاريخ البلدة إلى عام 1115 هـ، ووصفت بأنها حصن حصين، وتحتوي القرية على 400 منزل طيني بأحجام مختلفة، وتبلغ مساحة البلدة 80.000 متر مربع.
وقد تهدمت القرية قبل نحو أربعين عاماً بفعل السيول وهجرها أصحابها، إلى أن بدأ قبل نحو خمس سنوات مشروع لترميم وتأهيل البلدة قامت به البلدية في القصيم مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
حيث تم ترميم عدد كبير من بيوت القرية التراثية حيث تتكون البلدة من مباني طينية مكونة من طابق أو طابقين تتوسطها ساحة كبيرة.
وتعد الخبراء من أكبر المدن التراثية الباقية في نجد حتى الآن، وطرازها العمراني فريد، كما أن الترميم أعادها بشكلها القديم مع بعض الإضافات التجميلية، وهي الآن مجهزة بالكامل وتنتظر المستثمرين في مجالات النزل البيئية أو التراثية، حيث تمت إعادة المنازل والأسواق وتجهيز مواقع للمطاعم وكذلك الساحات الكبيرة.
وتشهد البلدة فعاليات سياحية وتراثية في مواسم الإجازات والأعياد.