فدك اسمها القديم وحالياً تسمى الحائط، ففي القرون المتأخرة غير اسمها من فدك إلى الحائط وذلك نسبة للسور الذي يحيط بجوانبها من كل جهة، لها تاريخٌ قديم، حيث جاء ذكر فدك في بعض المصادر البابلية القديمة حيث ذكرت حملة للملك البابلي (نبونيد) على بعض مدن شمال الجزيرة عام 556 ق.م. قبل الميلاد ومنها (باداكو) التي يرجح الباحثون أنها فدك. ولها قصص وأخبار في التاريخ الإسلامي، والنسبة إليها فدكي.
تقع في الطرف الجنوبي الغربي لمنطقة حائل، وهي محافظة من فئة (ب) تابعة لمنطقة حائل. وهي في منتصف المسافة بين المدينة المنورة وحائل، تبعد عن حائل (240) كم. وتقول بعض المراجع إن فدك قد بناها فدك بن حام بن نوح عليه السلام، وقيل: إن الذي بناها هو فدك بن عمليق، وكلا الرجلين ضارب في التاريخ. وكانت فدك تعج بالحياة حتى أن ملك البابل نبونيد قد ضم المنطقة التي تشمل فدكا إلى مملكة بابل خلال فترة حكمه عام (556 - 539ق.م) وظهرت كثير من الأسماء البابلية ومن أشهرها: (يديع)، (الحويط)، فداكو (فدك)، ديدان (العلا)، تيماء، فيد، يثربو، سميراء، زرود. وضمّ نبونيد فدك تحت سيطرته لهو دليلٌ على موقعها الاستراتيجي، حيث تمثل مركزاً اقتصادياً مؤثراً في حركة القوافل التجارية في الجزيرة العربية وخارجها؛ لأن نبونيد أراد بإدخال فدك تحت سيطرته احتلال أهم المراكز الاقتصادية شمال غرب الجزيرة العربية رغبة منه في فرض سيطرته التامة على مجريات التجارة وتحركاتها في الجزيرة العربية وخارجها.
يقول ياقوت: «فدك بالتحريك، وآخره كاف، قال ابن دريد: فَدَكتُ القطن تفديكًا إذا نفشته، وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم سنة سبع...» ويقول: «..... وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة...».
وترجع شهرة فدك لصدر الإسلام عندما أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع للهجرة صلحاً فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، ثم بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حدث خلاف على فدك بين ورثة النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الخلفاء كل حسب اجتهاده رضي الله عنهم فمرة يقبضها بعض الخلفاء وبعضهم يدفعها إلى آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبقيت هذه المشكلة على حالها حتى اندثرت فدك ولم تبق منها إلا أطلالها. وتميزت فدك بوفرة المياه حيث تكثر الينابيع الجارية مما جعلها خلال عصور ما قبل الإسلام والعصور الإسلامية المبكرة تتبوأ مكانة بارزة بوصفها واحة زراعية تشتهر بزراعة النخيل على وجه الخصوص، وقد أشار الرحالة الفرنسي تشارلز هوبير إلى ذلك عندما زار فدك في نهاية القرن التاسع الميلادي حيث يقول: «هناك ثلاثة ينابيع جارية، أما الأخرى فتنضب في فصل الصيف وتخرج المياه في فصل الشتاء».
كما أن فدك تميزت بصناعات النسيج، حيث تشير المصادر إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يركب حماراً فوقه قطيفة فدكية.
وتذكر فدك في الشعر الجاهلي حيث قال الشاعر زهير بن أبي سلمى:
لئن حللت بجو من بني أسد
في دين عمرو وحالت بيننا فدك
ليأتينك مني منطق قذع
باق كما دنس القبطية الودك
وتقع فدك (الحائط) على هضبة تغطيها حجارة الحرة التي إذا أزيلت ظهرت تحتها تربة زراعية خصبة، وعلى ضفة وادي الحائط من الجهة الشمالية وفي الوادي توجد مظاهر الحياة القديمة وتوجد على جنبات الوادي على الصخور بعض الكتابات المختلفة منها الكوفي والكتابات الإسلامية وكتابات أمم ما قبل التاريخ.
ومما يدل على تاريخها العميق تلك الحصون والقلاع والنقوش والرموز المرسومة وقصورها الحجرية التي شيدت من الصخور الضخمة القوية؛ لذا فإن فدك ضاربة في التاريخ وقصورها وقلاعها عاصرت العصر الروماني واليوناني على أشكال هندسية وهناك بعض القصور ذات الأبراج التي هيئت للحراسة، كما أن هناك النقوش والرسوم على أشكال وعول وغزلان، وكذلك بقايا أحجار صوانية عليها رسوم وكتابات قديمة، وهذا يدلّ على قِدم عمران هذه المدينة.
كان أهل فدك على ارتباط بأهل خيبر يساند بعضهم بعضاً ويمد بعضهم بعضاً. فكان الخطر القائم المتمثل في أهل خيبر، إنما هو مرتبط بذلك الخطر القادم من أهل فدك، خاصةً إذا استقوى بعضهم ببعض. فلما تم فتح خيبر وقد سمع أهل فدك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر، بعثوا إليه صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، وكان صلى الله عليه وسلم يصرف ما يأتيه من فدك على أبناء السبيل، وينفق منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيّمهم. وفي زمن عمر رضي الله عنه دفع لهم نصف ثمن الأرض والنخل، فبلغ ذلك خمسين ألف درهم، ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه عندما أجلى يهود خيبر ووادي القرى. كما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة السرايا إلى فدك منها: سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك وسرية بشر بن سعد إلى فدك وسرية غالب إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك. وقد أقيمت حول فدك أسوار الحماية قديماً مثل بقية المدن في الحجاز حيث تحصنوا بالحصون والأسوار وأقاموا القلاع وأبراج المراقبة لحماية أموالهم وبيوتهم وأعراضهم وذرياتهم حيث أقيم السور الأول في فدك وعندما اتسع البنيان أقيم السور الثاني وهناك شبه بين تعدد الأسوار في فدك والمدينة المنورة وبقية بعض المدن مثل خيبر وتيماء... إلخ واشتهرت بعض قصور فدك بالأسماء مثل قصر الشمروخ، قصر الريضان، قصر العليبة، وقصر الحصان، وقصر قلعة القصير، وقصر روضة الحقلية، وقصر السهيب، وقصر بريقان، وقصر الصنيعة، وقصر التلعة، وغيرها من القصور، وقد وقف الكاتب على بعضها بصحبة بعض الأهالي وعندما تتجول في أزقة فدك أو في بطون أوديتها الداخلية أو بين نخيلها وقد احترق أو (أحرق) أغلبه تشعر بأنك تسير على كنوز حقيقية متوارية في الأرض حيث ترى قصوراً قائمة وأخرى في الأرض متوارية لم تكتشف بعد، كما تتعدد مواقع المقابر في فدك وقد نبه المرافق الكاتب عدة مرات بأنه يمشي أو يقف على قبر مما ذكره قول الشاعر:
خفف الوطء ما أظن أديم
الأرض إلا من هذه الأجسادِ
سر إن استطعت في الهواء رويدا
لا اختيالا على رفات العبادِ
واللافت للنظر أن بعض القبور القديمة يكون اتجاهها من الشمال إلى الجنوب (أي جهة القدس).
وفدك اليوم بلدة عامرة كثيرة النخل والزرع والسكان تقع على ظهر الحرة شرق خيبر, يجري ماؤها إلى وادي الرمة وقد أصبحت خارج السور القديم، وأصبحت بمخططاتها الجديدة ودوائرها الحكومية تمثل بلدة جديدة, فالبلدة القديمة بقيت أسوارها التي تحيط بها من جميع الجهات مع بقاء أبراج الحراسة القديمة ضمن السور. وفدك القديمة عبارة عن مبان من الطراز القديم وتتشابه مع خيبر في بعض الحصون وهناك أبراج وحصون متهدمة ولها ممرات ضيقة تصل بين تلك الحصون، مع وجود كتابات غير منقوطة في بعض الصخور التي تقع داخل السور ووجود مقابر قديمة بالقرب من جبل يطلق عليه حالياً «الأشهب»، ومسميات حارات فدك القديمة (الحائط حالياً) التي داخل السور القديم حسب ما يطلق عليها الأهالي أثناء زيارة الكاتب هي: الفقيّرة والفقرة والقصر القديم.
وتوجد داخل فدك بعض العيون التي لا زالت تجري ولاسيما من الجبل الذي يشرف على فدك المندثرة من الشمال وعلى قمته بعض المنازل، ويميز فدك القديمة النخيلُ التي أصبحت عبارة عن أعمدة سوداء نظراً للحريق الذي أتى عليها مما يبعث الحزن والأسى في النفس عندما ينظر إليها حيث مئات النخيل التي تعرضت للحريق، ويميزها كذلك الكتابات الثمودية تجدها بين صخرة وأخرى, وربما سُرِقَتْ بعض تلك الصخور المثيرة لعدم وجود مراقبة أو حراسة أو سور يضمها جميعاً لذا يخشى عليها من اندثار ما تبقى وهذا ينطبق على مواقع أثرية متعددة في الوطن الحبيب.