الكتابة عن الكاتب الأديب الأستاذ علي بن خضران القرني تذهب بنا في مسارات متعددة، لكنني سأوحاول أن أتطرق لسيرته من زوايا ربما أنها لن تكون مدارَ كتابات الزملاء الذين يشاركونني الكتابة عنه في هذا الملف القيم الذي دأبت المجلة الثقافية في صحيفة الجزيرة على تقديمه؛ وفاءً منها مع الرموز الأدبية والثقافية والفكرية في وطننا الغالي.
تُعتبَر محافظة العُرْضِيَّات -أقصى جنوب منطقة مكة المكرمة- هي مسقط رأس الأستاذ علي بن خضران القرني، وقد غادرها في سن مبكرة، لكن الذي يُحسب له أنه حمل همَّها معه في ترحاله عبر مناطق المملكة ومحافظاتها ومدنها، ولذلك لا نعجب حين نعلم أن أول مشاركة صحفية له كانت عن توفير الخدمات لمحافظته (محافظة العرضيات)، ولا نعجب أيضًا حينما نعلم أنه قد مضى على هذه المشاركة (66) عامًا منذ أن نشرتْها مجلة اليمامة عام (1376هـ)، وهي مقالة بعنوان (لنا آمال كثيرة عسى أن تتحقق)، ثُم توالت مقالاته عن العرضيات وشؤونها وشجونها ومطالبها حتى اليوم، ولذلك أطلق عليه ابنُ العرضياتِ المؤرّخُ عبدُالهادي بنُ مجنِّي لقبَ (عميد الكُتاب والصحفيين في محافظة العُرضيات). تعود بدايات تواصلي مع الأستاذ علي بن خضران إلى (22) عامًا للوراء وتحديدًا عام (1422هـ)؛ حينما نشر لي الأستاذ علي مكي مقالاً على حلقتَين في عموده بصحيفة الوطن بعنوان (من اليتيمتَين إلى أمير مكة)، والمقصود باليتيمتَين مركزاً العُرضيتَين (الشمالية والجنوبية) اللذان هما اليوم تحت مسمى (محافظة العُرضيات)، حينَها عقَّب الأستاذ علي بن خضران على المقالَين في الصحيفة نفسها، وذكر أن لديه ملفًّا متكاملاً عن موضوع المقالَين. يومَها تواصلت معه هاتفيًّا، وظلَّ وفيًّا معي كريمًا عليَّ بآرائه وتوجيهاته، علمًا أنني تعرفت عليه -كاتبًا- قبل تعقيبه المذكور آنفًا؛ وذلك من خلال مقالاته في صحيفة المدينة منذ عام (1403هـ) عندما دخلت الصحفُ العرضيات لأول مرة.
مما يُحمد للأستاذ علي هو عدم تنكُّره لمسقط رأسه؛ فلا يأنف -في أحاديثه وكتاباته ومشاركاته- من ذكر انتمائه للعرضيات، وهو بهذا يعزِّز قضية الانتماء في نفوس الأجيال أيًّا كانت مساقط رؤوسها، ويجعل منها مناط فخر واعتزاز دون أن يكون في ذلك دعوة للتعصب أو المناطقية المقيتة، وهي المعادلة التي -ربما- هرب منها البعض فوقع في فخ الجفاء والتنكُّر للمساقط الأولى من حيث لا يدري.
ومما يُذكر للأستاذ علي احتفاؤه بالأسماء المبدعة من أبناء العرضيات، والتعاون معها وتشجيعها والوقوف معها حتى تثبت أقدامها، بل لا يجد في نفسه حرجًا من بروزها -ثقافيًّا وأدبيًّا وإعلاميًّا- ولا يغار منها ولا يسعى لتحييدها واحتكار المشهد؛ بل يُثني عليها وعلى جهدها، فكان على المحافظة أن تبادله الوفاء بالوفاء؛ ولذا منحته اللجنةُ الثقافيةُ بالعرضيات التابعة لأدبي جدة عام (1435هـ) جائزةَ الشخصية الثقافية في محافظة العرضيات، لتلحق بالجوائز الأخرى -الداخلية والخارجية- التي مُنحها خلال مسيرته.
وعن مواقفه معي فلعلني أقتطف شيئًا مما ذكرته عنه في مقال لي سابق؛ فقد «كان كريمًا معي في تشجيعه لي لإصدار ديواني الشعري الأول، وكان مؤازرًا لي على كتابة المقالات، حاثًّا لي على إصدار مؤلَّف، مُعاضدًا لي في اللجنة الثقافية بالعرضيات، مزوِّدًا اللجنة بكمٍّ وافر من إصدارات أدبي الطائف، بل كتب عن ديواني ومؤلفاتي في مجلة المنهل وبعض الصحف».
وبالتوازي مع الاهتمام الذي أولاه الأستاذ علي للعُرضيات طوال (66) عامًا نراه بعد أن حط رحاله -قبل عقود- في مدينة الطائف يواصل اشتغاله على الشأن الأدبي والثقافي والاجتماعي فيها أسوةً بالعُرضيات؛ فكان أحد الأسماء التي أسست أدبي الطائف، ثم تسنّم منصب النائب ومدير الإدارة المالية فيه، وأصدر معجمه عن أدباء الطائف تحت مسمى (من أدباء الطائف المعاصرِين) في طبعتَين يفصل بينهما (22) عامًا، ليُضاف إلى جملة إصداراته التي تنوعت بين الشعر والفكر والقراءات الناقدة، وربما جاء عليها الزملاء في هذا الملف فلا أرى حاجة لتكرار سردها هنا. أما في مجال المقالة الاجتماعية التي يجيدها، فمما يميز مقالاته خلال مسيرته مع الكتابة الصحفية هو خطها المعتدل الذي يقوم على التوازن في الطرح.
أخيرًا.. فقد درج الأستاذ علي على الكتابة في أكثر من صحيفة ومجلة؛ فرأيناه كاتبًا -منذ أن كانت الصحافة صحافة أفراد حتى اليوم- في مجلات (المنهل واليمامة وقافلة الزيت) وفي صحف (المدينة والجزيرة والبلاد وعكاظ والندوة) وغيرها، ولا يزال يواصل عطاءه الثقافي والأدبي والاجتماعي بكل شغف ومهنية.
** **
- محسن علي السُّهيمي