محمد آل الشيخ
قبل أيام التقيت في مأدبة خاصة لدى بعض الأصدقاء المفكر والأديب الدكتور تركي الحمد، ودار الحديث عن النتائج الثقافية الخطيرة التي ستنتج عنها ظاهرة انهيار الصحافة الورقية التي نعاني منها الآن، وعدم العمل على تحويلها إلى صحافة مواكبة للتقنية المعاصرة من خلال الصحافة الرقمية، أو بلغة أوضح الصحافة الإلكترونية. أخطر هذه النتائج أنها ستؤدي إلى غياب الكاتب السعودي غيابًا شبه كامل؛ فالكاتب المحترف في أغلب البلاد الناطقة بالعربية يبدأ بالكتابة في الصحافة الورقية، ومن هؤلاء الكتّاب من تطوروا إلى الكتابة والتأليف، إلى أن أصبحوا كتّابًا ومثقفين، يشار إليهم بالبنان، وأعلامًا من أعلام هذه الدولة أو تلك، يستطيع الباحث والراصد من خلالهم أن يلمح إبداعات المثقفين واهتمامات الدول في مجال الفنون والثقافة بمختلف مجالاتها. وغني عن القول أن كتابة وتأليف الكتب في بلاد العرب لا تؤكل عيشًا؛ إذ يندر جدًّا أن تصل مبيعات الكتاب على الأكثر ثلاثة آلاف نسخة، ما يجعل جدوى مردود بيع ونشر الكتب زهيدًا، مما جعل أغلب الكتّاب في الماضي يتلقون مردود جهدهم الثقافي من خلال النشر في الصحف والمجلات إما في الغرب؛ لأنهم قوم يقرؤون؛ فما زال الكتاب يستقطب قراء كثيرين، وبالتالي يستطيع الكاتب أن يتخذ من الكتابة حرفة، ومن بيع مؤلفاته ونشرها يحصل على دخله، مثله مثل أي صاحب حرفة أخرى في المجتمعات المدنية، وهذا ما وافقني الدكتور تركي عليه، الأمر الذي سيجعل الكاتب خلال السنوات العشر أو العشرين سنة القادمة (ينقرض) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن هناك بعض الدول التي يرى صناع القرار فيها أهمية الكلمة المقروءة وتأثيرها الإعلامي؛ لذلك فهم يسعون إلى تشجيع الوسائل الإعلامية، من خلال تطويرها بما يواكب العصر، لكنهم يدركون أن التحول من الورقي إلى الرقمي يحتاج إلى تكاليف مالية وتدريب، ومن أهم وظائف هذه الصحافة المحافظة على صناعة (الكاتب) والصحافيين.
والذي لا يعلمه الكثيرون أن أغلب الصحافة في الدول المتفوقة حضاريًّا تحظى مؤسساتها الصحافية بمعونة مالية، أو إعفاء ضريبي؛ لأنهم يعلمون أن ترك هذه المعالم الثقافية دون دعم ومؤازرة من شأنه أن يعطي انطباعًا سيئًا لدى الآخرين، مؤداه أن هذه الدولة لا تُعنى بالإبداعات الفكرية والثقافية والفنية وتشجيعها، ورعاية من يمتهنونها.
أستراليا -مثلاً- انتبهت لهذه المعضلة، واستشرفت آثارها السلبية على مستقبل الحالة الثقافية؛ لذلك أجبرت مواقع التواصل الاجتماعي العملاقة على الإنترنت على أن تخصص عائدًا مجزيًا من عوائد هذه المواقع يذهب إلى الصحف والمجلات؛ لأنهم يدركون أن عدم مساندتها يعني أن الحالة الثقافة والفكرية ستتأثر، وأن قوّتها الناقدة المتمثلة في هذه الصحف ستندثر، ولن يكون في مقدور مواقع التواصل الاجتماعي إلا الإذعان والموافقة. فلماذا لا تتخذ المملكة تصرفًا مماثلاً لما فعله الأستراليون، وتتدخل الدولة ممثلة في وزارة التجارة والإعلام بفرض رسوم على هذه المواقع، يذهب مردودها للصحف المحلية؟
كل ما أتمناه أن يجد ما احتواه هذا المقال من المسؤولين آذانًا مصغية، ولاسيما أننا لا نطالب بتكاليف إضافية تثقل كاهل الدولة، وإنما بإجراءات قانونية، من شأنها أن تنقذ الصحف من الإفلاس، والكوادر الصحفية من البطالة.
إلى اللقاء.