محمد آل الشيخ
سد النهضة الذي بنته السلطات الإثيوبية على مجرى نهر النيل، يكاد أن يفجر نزاعاً مسلحاً بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من الجهة الأخرى.
الخلاف ينحصر في أن إثيوبيا تريد أن تملأ المرحلة الثانية من الخزانات الملحقة بهذا السد في مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات، في حين أن دولتي مصر والسودان تصران أولاً على أمان السد من الناحية البنيوية، الأمر الآخر أن تمتد مدة الملء إلى أكثر من سبع سنوات، لكي لا تنخفض كمية المياه المتدفقة من النهر بشكل يضر ضرراً بالغاً بالزراعة في الدولتين العربيتين.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لمح إلى أنه لن يقبل بأن تنقص قطرة من مياه السد حتى لو اضطر لاستعمال القوة العسكرية إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، وهو بالمناسبة قادر على ذلك فعلياً، فموقع السد لا يتعدى بُعده عن الحدود السودانية- الإثيوبية خمسة وعشرين كيلومتراً، كما أن مصر لديها تفوق نوعي على الجيش الإثيوبي، وبالذات في مجال القوات الجوية، التي ستكون القوات المحورية فيما لو نشب نزاع مسلح بين مصر وإثيوبيا ومعها السودان. وفي حالة اندلاع حرب سيكون في مقدور الدولتين اقتحام الحدود والوصول إلى منطقة السد الجغرافية في زمن وجيز كما يقول الخبراء العسكريون، عندها سيكون من الصعب استعادة السد برمته من قبل الإثيوبيين، ولن تنسحب الدولتان إلا بعد ضمان أنه أولاً آمن من الناحية الخرسانية، وأنه لن يتسبب في خفض معدلات تدفق مياه النهر، وربما الرضوخ إلى أكثر من ذلك.
وأكاد أجزم أن إثيوبيا ستذعن في النهاية مضطرة لأنها لا تستطيع الصمود، فليس في وسعها مواجهة الدولتين عسكرياً، خاصة الجيش المصري الذي دخل أربعة حروب خلال الخمسين سنة السابقة، أضف إلى ذلك أن قيام مثل هذه الحرب ستفجر نزاعات أخرى داخل الجغرافيا الإثيوبية ذات أبعاد عرقية، فلا بد أن ينتهز المتمردون في تلك الأصقاع هذه الحرب لفرض مطالباتهم، وعلى رأسها الحكم الذاتي.
وفي تقديري أن حرباً كهذه لن تقع، فرئيس الكونغو عرض وساطته بين أطراف النزاع، كما أن الرئيس الإثيوبي كما يظهر يذهب إلى دفع الأزمة إلى حافة الهاوية، بغرض تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية في الداخل الإثيوبي، وعندما يشعر أن السيل قد قارب الزبى فسوف يستكين لمطالب الدولتين. لكن هذا النزاع إذا تطور ونشب نزاع عسكري فالخاسر في تقديري هي إثيوبيا، فالدولتان وراءهما أغلب الدول العربية، وبلا شك سيقفون يكل قوة معهما، بينما أن إثيوبيا لا تملك لا القدرة المالية، ولا اللحمة بين مكوناتها، التي تؤهلها إلى التهور والإصرار على (تطنيشها) للمطالب العادلة لما تطرحه الدولتان. إضافة إلى ذلك طلب مصر التأكد من أمان البنية الخرسانية للسد في حالة الفيضان هو بكل المقاييس مطلب مشروع، ولا تملك إثيوبيا إلا الإذعان له في نهاية الأمر.
وعلى أية حال فأنا أرجح ألا تتهور إثيوبيا وتصر على موقفها لأن ذلك يعني اندلاع الحرب بالضرورة.
إلى اللقاء