د.عبد الرحمن بن سليمان بن محمد الدايل
يخطئ من يتخيل أن بمقدوره النَّيْل من مكانة المملكة العربية السعودية بإشاعات مسمومة ينشرها، أو بمعلومات مدسوسة كاذبة يلبسها أثواباً مزيفة، أو بتقارير مغلوطة يفبِّركها وفق أهوائه، ويسعى لتأكيدها والترويج لها كي يكسبها صفات الصدق، والصدق منها براء.
إن مثل هذه المحاولات البغيضة ليست غريبة علينا فقد تعرضت لها المملكة في حقب متفاوتة، وفي مناسبات عديدة، ولكنها باءت بالفشل وتبددت أكاذيبها، وجنى المروجون لها كل معاني الحسرة والخيبة، وصارت أكاذيبهم وضلالاتهم كزوبعة في فنجان كما يقال، فكلما أرادوا أن تكون زوبعة بمعنى الإعصار فإذا هي تنكشف بزيغها وضلالها وتظل تدور داخل فناجين أهوائهم المقيتة. وظلت المملكة صخرة قوية بقيادتها الراشدة الحكيمة، وبشعبها الملتف حولها والمعتز بها وبوطنه، وبقيت المملكة شجرة باسقة ممتدة بعطائها في ميادين الخير والنماء.
وكثيرة هي المرَّات التي تعرضت فيها بلادنا لمثل هذه الزوابع على مرِّ السنوات الماضية، وتكالبت عليها جهات معروفة بعدائها، فاشتد أُوار تلك المحاولات للنيل من المملكة، مستغلين تقارير مزيفة مغلوطة يشوبها النقص والعوار من كل جانب ليروجوا لها بما تحمله من كذب وبهتان، ومهما تعالت ألسنة الحاقدين تعوي، ومهما اشتد نيران الحاقدين تضطرم فهيهات هيهات أن ينالوا شيئاً، فقد انكسرت وتحطمت أهواؤهم أمام صلابة الحق، وزيغ أكاذيب التقارير، وأمام وعي أبناء الوطن وتلاحمهم، وأمام هذه الوثبة القوية للدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الإقليمية التي انبرت لتفنيد ما احتوى عليه - مؤخراً - التقرير المقدم من الاستخبارات الأمريكية إلى مجلس نوابهم.
ولست هنا في مجال مناقشة محتويات وأسانيد هذا التقرير المغلوط، فقد كفتنا ذلك ما حفلت به ساحة الإعلام داخل المملكة وخارجها، والتي عبَّرت عن مناصرتها لموقف المملكة إزاء تلك الجريمة الشنيعة النكراء وما اتخذته من إجراءات إزاءها، غير أن الوقوف على الدروس والعبر والعظات هي التي تفرض نفسها علينا إزاء ما يتعرض له وطننا. ومن هذا الموقف بالذات فإننا نستشعر باستمرار أن صلابة هذا الوطن - ولله الحمد - تتمثل في المواقف القوية المشرفة لقيادته، وفي رفضها محاولات المساس برواسخ المملكة وثوابتها ، وقد تجلَّى ذلك في بيان وزارة الخارجية الذي رفض هذا التقرير، ورفض محاولات المساس بقيادة المملكة، وسيادتها وقضائها أو التدخل في شؤونها، فتلك خطوط حمراء يمتنع الاقتراب منها ، فسياسة المملكة راسخة ومعروفة للجميع أنها لا تتدخل في شؤون غيرها من الدول ولا تقبل أو تسمح لأحد بأن يتدخل في شؤونها، فمنذ تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبد العزيز - طيب الله ثراه - وهي لم تسمح ولن تسمح لكائن من كان أن يمسَّ قيمها الأصيلة وتقاليدها العريقة المستندة إلى تعاليم ديننا الحنيف وأخلاقنا العربية السامية، بل تمدُّ يدها بالصداقة لمن يصادقها، وتقف بكل شدة وحزم أمام من يحاول المساس بثوابتها، ولا تقبل أن ينال أحد من مصالحها التي هي في الأساس مصلحة هذا الوطن وسيادته التي لا تتجزأ.
وعلى هذا الأساس تركزت سياسة بلادنا وعرفها الجميع في المحافل الدولية راسخةً قوية ولها مكانتها البارزة في مختلف الميادين، وأصبحت آراؤها وتوجهاتها وممارساتها معلنةً وصريحةً دون مواربة وناطقة بالحق والصدق من غير تردد، وخير شاهد على ذلك موقف المملكة في السنوات الأخيرة إزاء حركات الفوضى التي عمَّت بعض بلدان العرب وسمُّوها زوراً بالربيع العربي، فلقد كان الموقف السعودي الواضح لنصرة الدول العربية التي كادت الفوضى أن تعمَّ أرجاءها، كان له الأثر الواضح والمعروف في إيقاف هذه الفوضى ونجدة تلك البلدان مما كان يحاك لها في الخفاء، كما أن مواقف المملكة الحاسمة إزاء جماعات الإرهاب الممولة والمدعومة من إيران وغيرها تقف وبكل شدة في مواجهة الهجمة الشرسة التي أصبحت لا تخفى مصادرها البغيضة على أحد.
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل حول توقيت نشر هذا التقرير المغلوط، وهل يرتبط بمحاولات إثناء المملكة عن مواقفها أو التأثير على سياساتها؟، نقول: ولمَ لا؟ وقد ارتبطت مؤامرات الفوضى الخلاقة - التي روجوا لها - بمخطط الديمقراطيين التخريبي في المنطقة؟ ولمَ لا وقد أخذوا في اتباع نهج جديد في التقارب من مُسببي الفوضى في المنطقة، بل وأخذوا في إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران، وغضِّ الطرف عن الأذرع الإرهابية لها، فقد حذفوا ميليشيا الحوثي الإرهابية من قائمة الجماعات الإرهابية، استناداً إلى مبررات مُضحكة لا يقبلها العقل السليم. نقول ونكرر ولمَ لا وهم يتابعون ويشهدون الهجوم على المدنيين في المملكة ويكتفون ببيانات الشجب والتنديد.
ومما يستدعي النظر بتمعُّن أنَّ نشر هذا التقرير المعيب والمغلوط جاء في وقت يشهد فيه القاصي والداني تلك النجاحات المتوالية للمملكة والخطوات التنموية السريعة في جميع الميادين بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - يحفظهما الله - لإقامة مشروع المملكة الحديثة، وفق خطة طموحة 2030 التي صاغها وهندسها سموه وفق رؤية استراتيجية واضحة تضع مصالح المملكة أساساً لها، وتوازنَ العلاقات الدولية مناخاً لتنفيذها، وسيكون لإنجازها أثره في أن تتبوأ المملكة مقعدها المتميز ومكانها اللائق بها في صفوف الدول المتقدمة.
أعرض هذه الرؤى والتساؤلات كمواطن عايش نهضة هذا الوطن وازدهاره، وتشرَّفت - ولله الحمد - بمواقع المسؤولية في التعليم والثقافة والإعلام وغيرها، وبتمثيل وطني في المنظمات الدولية والإقليمية، ومن خلال ذلك أقول وبكل ثقة إن قيادتنا - ولله الحمد - مُدركة واجباتها ومسؤولياتها، وواقفة بوعي على مصلحة هذا الوطن، وتعرف كيف تتعامل مع مثل تلك المواقف وغيرها، وهي ترتفع دوماً فوق الصغائر، وتقابل بكل حزم وعزم كلَّ من تسوّل له نفسه المساس بسيادة هذا الوطن ومبادئه ومقدراته.
** **
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام (سابقاً)