فايزة محسن الحربي
في رحلة خفيفة لطيفة امتازت بعبق التراث وأصالة الماضي لمناطق تكاد تكون أراضيها وغاباتها مناطق بكر تنقلتُ مع وفد من الإعلاميين أخيراً إلى محافظة بلقرن في سبت العلاية ومركز باشوت تحديدًا، تنقلنا بين كرم أهالي المنطقة وبشاشة أرواحهم التي تعانق السماء في طموحها لرسم صورة مستقبلية جميلة لوضع محافظة بلقرن مع الرؤية 2030، وسعيهم المستمر لاستقطاب السياح للاستمتاع بالأجواء اللطيفة ورشات المطر العذبة التي روت محاصيلها الزراعية كالفراولة والتوت والعنب والزيتون والطماطم..... وغيرها، جميع المحاصيل ارتوت بمياه الأمطار فتجد لذاذة الطعم من الهبات الربانية.
عشت تجربة فريدة، فقد كنت أحلم أن أحلِّق بين الحقول كهايدي الجميلة دومًا وألتقط حبات الفراولة بيدي وأشعر بطعمها اللذيذ بلا مواد كيمائية أو مواد حافظة، إطلالات الجبال والوادي كانت ساحرة، أما معرض (عريش العناقيد) فتناثرت في أركانه وزواياه مواهب أهل المحافظة من لوحات فنية رسمت بجمال الخطوط والألوان وخطوط محمد العمري التي خطها مباشرة لزوار العريش، كانت تجربة مميزة استمتعنا في زيارة متاحف المحافظة، (متحف سبت العلاية التراثي للشيخ علي القرني) الذي احتوى الكثير من القطع الأثرية والتي قدرت بأكثر من مليون ونصف المليون ريال، وكذلك (متحف باشوت) مع إطلالته الجبلية وموقعه وسط الحقول والمزارع المرتفعة للشيخ سعد العلياني، والمتاحف تستقبل جميع الزوار والسياح للمحافظة، من أبرز ما أعجبني هو حماس الأهالي ورجال الأعمال في دورهم الحيوي بالشراكة المجتمعية لتأسيس نادي الزيتون بسبت العلاية ودعمه بتوفير كل الأجهزة الممكنة لتشجيع الرياضة لدى أبناء المنطقة حتى تدريب كارتيه نسائي موجود في خطة النادي، روح الجماعة في النادي بقيادة رئيسها المتألق لتطوير المحافظة الشيخ عوض القرني الذي كان متحفزًا في اجتماعات الوفد مع المسؤولين لتحقيق كل ما يمكنه أن يحقق تطلعات رؤية المملكة من خلال محافظة بلقرن، من أشهر المباني الأثرية القديمة بالمحافظة (مسجد السدرة) الذي بني كأول مسجد وبجانبه أول مدرسة وبجانبهما السجن القديم الذي أحيط بأشجار الرمان، وكأني أرى السجين يقطف ثمار الرمان ويأنس بسجنه فيطال جمال المنطقة وطبيعتها الخلابة حتى في أقسى العقوبات.
وفي احتفالية استقبال الوفد الإعلامي رحب بهم رجل مسن بالعمر وهو أول طالب درس بالمدرسة في محافظة بلقرن، وقد خالط حرارة ترحيبه المشيب الذي يكسوه وكأنه يقول هنا تعلمت بداياتي الجميلة وتناثرت ذكريات الطفولة عذوبة تلك الأيام التي لم يخالطها إلا البراءة واللعب.
أعتقد أن طموح أهالي المنطقة بقيادة المحافظ الدكتور عبد الرحمن الحامد ستقود سبت العلاية، وضواحيها إلى مصاف المناطق السياحية والأثرية والاقتصادية داخل السعودية في السنوات القريبة، وربما تزدهر الصناعات في استثمار المنتجات النباتية بالمحافظة مع تصديرها في أشكال عدة كالصابون والكريمات والعصيرات... من أهم الاستثمارات القادمة للمنطقة وهناك عطر (اكاسيا) الذي حصل على براند عالمي وهو يستخرج من نبته الطلح التي تزرع بمحافظة بلقرن.