لم تشفع المواهب الفنية التي يتمتع بها مجموعة كبيرة من شباب وشابات المملكة في الحصول على وظائف ملائمة لمواهبهم، وتسمح لها بالتطور والنمو؛ وهو ما جعلها تنحسر بمرور الوقت إلى حد التلاشي في وظائف إدارية بعيدة كل البُعد عن مجالاتهم الإبداعية؛ لذلك وجد طلب وزارة الثقافة لإدراج أكثر من 80 مهنة ثقافية ضمن التصنيف السعودي الموحد للمهن الجديدة قبولاً كبيرًا من الفنانين، الذي أكد الكثير منهم استعدادهم لترك وظائفهم الحالية في سبيل الحصول على مهنة فنية، تحقق لهم الاعتراف لدى المؤسسات الحكومية والخاصة بشكل يؤمّن لهم الدخل المادي الذي يضمن استمرارهم وتطورهم.
تضحية ومأساة
في البداية أكد الممثل والمنتج إبراهيم جبر الذي يعد أحد رواد الحركة الدرامية والمسرحية بالمنطقة الشرقية أن إدراج المهن الثقافية والفنية في التصنيف السعودي «هو انتصار لمسيرة رواد الفن والثقافة الذين عملوا وضحوا بجهدهم ووقتهم ووظائفهم ليشقوا الطريق للأجيال من بعدهم». مشيرًا إلى أن التصنيف الجديد أعاد الروح للوسط الثقافي والفني بمختلف مجالاته.
وكشف الفنان إبراهيم جبر أنه اضطر للتضحية بوظيفته؛ ليتفرغ لشغفه الفني؛ ليعيش بعدها حياة صعبة جدًّا بعد أن خذلته الساحة الدرامية التي توقع أنها ستوفر له ولزملاء المهنة مصدر دخل يغطي احتياجاتهم وإنتاج أعمالهم إلا أنهم صدموا بعدم قدرتهم على إنتاج أعمال درامية كما في السابق، وهو ما أدخلهم في دوامة معيشية صعبة «إلى درجة أن بعضهم دخل المصحة النفسية». وقال: «إن أصعب ما يواجه الفنان هو أن يكون موظفًا في مجال بعيد كل البعد عن شغفه وهوايته، ولا يجد الوقت الكافي لإفراغ مخزونه الإبداعي؛ وهو ما سيؤدي إلى تراجع تلك الموهبة؛ لذلك نستبشر خيرًا بهذا الخبر الذي لن يكرر مأساتنا مع الأجيال الشابة؛ فوضع الشخص المناسب في المكان المناسب سيسهم في اختصار العديد من السنوات، وسيرفع من قيمة المنتج الفني والثقافي».
تخصص وهوية
فيما ذكر الفنان والمخرج المسرحي عبدالرحمن بودي أن الخبرة التي اكتسبها على مدى أكثر من 30 عامًا بين الأعمال الدرامية التلفزيونية ومسرحيات جمعية الثقافة والفنون بالدمام تجعله يتمنى أن ينال وظيفة في مجاله، وتسجّل في هويته الوطنية؛ لتوضح الهوية الحقيقية التي يعمل بها. وقال بودي الذي يعمل بإدارة نشاط الطلاب (القسم الثقافي والمسرحي) بتعليم الشرقية، إضافة لعمله في تخصص دراماتورج: «إن العمل في مجال التخصص يعطي مجالاً أكبر للإبداع والإنتاج، ويجعل الفنان راضيًا عما يقدمه للجمهور».
محاولة وتقصير
واتفق الفنان المسرحي والتلفزيوني عصام البريمان مع رأي بودي مؤكدًا أن العمل في مهن مختلفة عما يبحث عنه الفنان من شأنه التسبب بمشاكل على صعيد المهنة، إضافة لمشاكل أخرى أسرية. وقال: «بالتأكيد إن أغلب الفنانين يرغبون بالحصول على وظيفة تحاكي مواهبهم، تجعلهم يستمتعون بالعمل بالدرجة الأولى، وتعطيهم مجالاً للتفرغ فيما بعد للحياة الاجتماعية والأسرية، بعكس ما نعيشه نحن الآن من ضغوط كبيرة على مستوى الوظيفة، تجعلنا لا نمتلك أي طاقة للتفكير والابتكار في أي هواية شخصية. وعند إصرارنا على ممارسة هوايتنا الفنية سيؤدي ذلك للتقصير تجاه العائلة التي تطالب بوجودنا، وعدم الابتعاد عنهم».
رفض وإحباط
ويحدو الأمل الفنان والمصور الفوتوغرافي حسن الخلف بأن يكون على رأس وظيفة تلبي طموحه الفني، وذلك بعد 16 سنة قضاها في العمل بأحد القطاعات الحكومية. وأكد أنه يشعر بالسعادة، شأنه شأن باقي الفنانين، بتصنيف المهن الجديدة الذي سيضع كل صاحب موهبة في مكانه المناسب «لتنتهي قصة مطالبة الموظف للحصول على إذن أو إجازة بهدف المشاركة بعمل فني، الذي يقابل في كثير من الأوقات بالرفض؛ وبالتالي يصاب الفنان بالإحباط، ويتخلى عن شغفه».
مزاحمة وتشتيت
وأكد مصمم الجراف والكاتب المسرحي أسعد العلائلي أن الاختيار الأول والأخير سيكون للوظيفة التي تحمل اسم الفن، وهو الذي سيتيح له التفرغ والعمل في المجال الذي يعشقه بدون مزاحمة لمهام ومتطلبات وظيفية أخرى، ستسبب التشتيت في التركيز، وعدم الشعور بالرضا عن النفس.
وظيفة وهواية
فيما قال المخرج التلفزيوني محمد المريط إنه يشعر بالراحة النفسية نظير عمله في المجال الذي يعشقه، مؤكدًا أن تصنيف المهن الجديد الذي يتضمن الصفة الرسمية للفنان سيعزز من قيمة المحتوى الذي يطرح من قِبل العاملين في المجالات الفنية والثقافية «بعكس لو كان بال الفنان مشغولاً بمجالين اثنين، هما الوظيفة والهواية، ويضاف عليهما أيضًا التزامات عائلية».
أمنية وواقع
أما مصمم المؤثرات والهندسة الصوتية حسين الخاتم فكان رأيه مختلفًا بعض الشيء عما سبق؛ إذ أشار لرغبته في البقاء في وظيفته الحالية مدير مبيعات في إحدى الشركات، والاستمرار في ممارسة الفن كهواية أو عمل جزئي. وقال: «لا شك أن المهن الثقافية المدرجة في التصنيف السعودي ستكون إضافة مهمة للمجال الفني. وعني شخصيًّا كنت أتمنى الحصول على وظيفة في المجالات الفنية في فترة سابقة عندما كنت أعمل في إحدى الشركات التي يتسم عملها بالضغط الكبير الذي يأخذ من الموظفين جل طاقتهم، ولكن بعد انتقالي لشركة أخرى، ومع فريق عمل مميز ومتعاون، وجدت متعة كبيرة في هذا المجال؛ لذلك في الفترة الحالية أفضّل جعل الفن مجرد هواية أو عمل إضافي».
مهارة وتطوير
وأوضح المتخصص في صناعة السينوغرافيا والماكيير ضياء العلوي أن تصنيف المهن الجديد يعتبر خطوة رائعة في المجال الثقافي والفني «إذ سيجعل الكثير من الشباب والشابات أصحاب المواهب يركزون على التخصصات المطروحة؛ ليقوموا بدراستها أكاديميًّا، وتطوير مهاراتهم بالاحتكاك مع الرواد وأصحاب الخبرة، إضافة للبحث والاطلاع، بعكس الفترات السابقة التي كان الموهوب يركز فيها على الوظائف المتاحة في سوق العمل، وترك الهواية لأوقات الفراغ فقط».