د. عبدالحق عزوزي
قامت العديد من دول العالم في الأسابيع الماضية بإغلاق آلاف المدارس والجامعات، ووجدت كثير من المؤسسات التعليمية مضطرة لتبني خيار التعليم عن بعد، لضرورة استمرار المناهج الدراسية المقرَّرة وسد أي فجوة تعليمية قد تنتج عن تفاقم الأزمة. وبحسب منظمة اليونسكو، وتحت عنوان «اضطراب التعليم بسبب فيروس كورونا الجديد والتصدي له»، فإن «انتشار الفيروس سجَّل رقمًا قياسيًّا للأطفال والشباب الذي انقطعوا عن الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة. وحتى تاريخ 12 مارس، أعلن 61 بلدًا في إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية عن إغلاق المدارس والجامعات، أو قام بتنفيذ الإغلاق؛ إذ أغلق 39 بلدًا المدارس في جميع أنحائه، مما أثَّر على أكثر من 421.4 مليون طفل وشاب، كما قام 14 بلدًا إضافيًّا بإغلاق المدارس في بعض المناطق لمنع انتشار الفيروس أو لاحتوائه. وإذا ما لجأت هذه البلدان إلى إغلاق المدارس والجامعات على الصعيد الوطني، فسيضطرب تعليم أكثر من 500 مليون طفل وشاب آخرين، وفق المنظمة.
والتخوّف الكبير يطال الدول الفقيرة، فحسب البنك الدولي تعد البلدان الأكثر ثراءً أفضل استعداداً للانتقال إلى إستراتيجيات التعلُّم عبر الإنترنت، وإن اكتنف الأمر قدرًا كبيرًا من الجهد والتحديات التي تواجه المعلمين وأولياء الأمور. ولكن الأوضاع في كل من البلدان متوسطة الدخل والأفقر ليست على شاكلة واحدة، وإذا لم نتصرف على النحو المناسب، فإن ذلك الانعدام في تكافؤ الفرص - الذي يبلغ حداً مروِّعاً وغير مقبول بالأساس - سيزداد تفاقماً. فالعديد من الأطفال لا يملكون مكتباً للدراسة، ولا كتباً، فضلاً عن صعوبة اتصالهم بالإنترنت أو عدم امتلاكهم للحواسيب المحمولة في المنزل، بل هناك منهم من لا يجد أي مساندة من آبائهم على النحو المأمول، في حين يحظى آخرون بكل ما سبق. لذا يتعيَّن علينا تفادي اتساع هذه الفوارق في الفرص - أو تقليلها ما أمكننا إلى ذلك سبيلاً - وتجنب ازدياد الآثار السلبية على تعلُّم الأطفال الفقراء. ولحسن الحظ يضيف تقرير البنك الدولي، فإننا نشهد في هذا الصدد قدراً كبيراً من الإبداع بالعديد من البلدان. فالكثير من وزارات التعليم تتفنن في الاعتماد على إستراتيجيات بناءة وهادفة من خلال إتاحة التعليم عن بعد للجميع وبدون استثناء. وتتمثَّل الإستراتيجية المناسبة لأكثرية البلدان في استخدام جميع الوسائل الممكنة التي توفرها البنية التحتية الحالية في إيصال الخدمة. فيمكن استخدام أدوات الإنترنت في إتاحة مخططات الدروس، ومقاطع الفيديو، والدروس التعليمية، وغيرها من الموارد لبعض الطلاب، ولأكثر المعلمين على الأرجح. ولكن، ينبغي أيضاً الاستعانة بالمدونات والتسجيلات الصوتية والموارد الأخرى التي تستهلك قدراً أقل من البيانات. وينبغي العمل مع شركات الاتصالات على تطبيق سياسات تعفي المستخدمين من الرسوم، لتيسير تنزيل مواد التعلُّم على الهواتف الذكية، التي يحملها أكثر الطلاب في الغالب. كما أن الإذاعة والتليفزيون من الأدوات التي لا ينبغي الاستهانة بجدواها كذلك. ويمكن الاستفادة من الميزات التي توفرها لنا شبكات التواصل الاجتماعي، مثل واتساب أو الرسائل النصية القصيرة، في تمكين وزارات التعليم من التواصل بفعالية مع الأهل والمعلمين، لتزويدهم بالإرشادات والتعليمات وهيكل عملية التعلُّم، مستعينة بالمحتوى المقدَّم عبر الإذاعة أو التليفزيون. فلا يقتصر التعلُّم عن بعد على استخدام الإنترنت فقط، ولكنه ينطوي على تعلُّم يتمد على مجموعة متنوِّعة من الوسائط التي تكفل وصوله إلى أكبر عدد ممكن من طلاب اليوم.
شخصياً كأستاذ في الجامعة وكأب، كنت أتساءل في البداية عن مردودية مثل هذا التعليم عن بعد خاصة عندما نعتاد على الالتقاء المباشر بالطلبة والتجاوب المباشر مع أسئلتهم وأبحاثهم؛ ولكن عندما تكون الجهود مشتركة، وأعني بذلك مجهودات وزارة التعليم المعنية، والجامعة والكلية والأساتذة والطلبة وشركات الاتصال والإذاعة والتلفزة فإن النتائج تصبح إيجابية مائة في المائة، وأعاين ذلك شخصياً مع الطلبة ومع الباحثين في سلك الدكتوراه، بل وحتى مع طفليْ الصغيرين اللذين اعتادا مع بقية التلاميذ على الدراسة عن بعد، واعتادا على إتقان ما يتعلَّق بالتجاوب المباشر مع المعلمين صورةً وصوتاً وكتابةً من خلال أنظمة وأدوات الأنترنيت التي توفرها وزارة التعليم والأكاديميات مشكورة والتي أحيي عملها في كل الدول لأنها بمثابة الأوكسجين الذي يجعل أبناءنا لا يتوقفون عن الدراسة مهما كانت الظروف.