د. محمد عبدالله الخازم
الأسبوع الماضي أشغل وقتي بأحاديث حول العمل الثقافي الخارجي، بداية من بعض ردود الفعل حول مقترحي بتأسيس هيئة التبادل الثقافي المقترح إشرافها على المراكز الثقافية في الخارج ومرورًا بحضوري ندوة نوعية حول استخدام الرقص في الدبلوماسية الأمريكية. كان محور اللقاء كتاب «Martha Graham)s Cold War: The Dance of American Diplomacy» لمؤلفته فيكتوريا فيلبس حيث استعرضت المؤلفة منهجية جمع مادة الكتاب وتحليلها وأوضحت كيف كان الرؤساء الأمريكان والخارجية الأمريكية يستضيفون مارثا قراهام وفرقتها للحفلات في مختلف بلدان العالم، حتى غدت أيقونة ليس فقط أمريكية بل عالمية. الكتاب يتجاوز التوثيق إلى سبر أغوار الدوافع والشواهد والحيثيات في كيفية استخدام الفعل الثقافي، ويمثله هنا الرقص، كجزء من الدبلوماسية الناعمة للدولة.
مسؤولة أمريكية سابقة في الشرق الأوسط، وقد كانت معاصرة لاتفاقيات كامب ديفيد، روت كيف جاءت محاولة توظيف حفلة الرقص في دعم اتفاقيات كامب ديفيد، وأشارت إلى أنه لم يكن هناك رحلات بين تل ابيب والدول العربية بما فيها القاهرة التي عقد معها السلام، فجاءت فكرة إحياء حفلات للفنانة مارثا قراهام في كل من القاهرة وعمان وتل أبيب.
كانت الفكرة تتمثل في تثبيت تنقل (قراهام) وفرقتها بين تلك العواصم مباشرة كتأكيد على إيجابية اتفاقية كامب ديفيد الثقافية. الطريف، أشارتها إلى رفض شركات الطيران القيام بذلك لأنه سيتسبب في إيقاف عملها بالذات في الدول العربية، مما اضطر الخارجية الأمريكية للاستعانة بطيران الجيش الأمريكي لتنفيذ المهمة... إلى آخر القصة، التي توضح أبعاد العمل الثقافي - الرقص هنا- كوسيلة دبلوماسية.
الملحق الثقافي بوزارة الخارجية الأمريكية، بدورها، أشارت إلى العمل الثقافي الخارجي يواجه صعوبتين رئيستين؛ الأولى، أنه يصعب توثيقه رقميًا. المدققون التنفيذيون يبحثون دائمًا عن مخرجات رقمية، والعمل الثقافي ليس دائمًا مخرجه رقميًا يمكن قياسه كما نفعل في أمور كثيرة، وبالتالي تأتي الصعوبة في توفير الدعم اللازم له. وقد أيقنت هذه النقطة تمامًا من خلال تعامل الجهات ذات العلاقة لدينا مع العمل الثقافي وإهمالهم له لأنهم لا يرون جدواه ممثلة رقميًا.
الصعوبة الثانية تتمثل في أن العمل الثقافي قد لا ينتج أثره مباشرة، فكل ما عليك هو وضع البذور ومحاولة تنميتها وقد تأتي أكلها، بعد حين. أحيانًا بعد عقود كما في علاقة تل أبيب بالدول العربية أو كما هو في برنامج منح القادة الذي احتفلت الخارجية الأمريكية بمرور ثمانين عامًا على تأسيسه - كان ذلك على هامش افتتاح متحف الدبلوماسية الأمريكية في وزارة الخارجية الأمريكية وأتيحت لي الفرصة لحضور ذلك الإحتفاء - ويفتخرون بأن مارجريت تاتشر أحد خريجي البرنامج. البرنامج ينظم في مجالات مختلفة ويستقطب له كفاءات ترشحها السفارات الأمريكية في بلدان العالم، بما فيها السعودية، لزيارة أمريكا ومختلف القطاعات ذات العلاقة بمجال الرحلة. هم يدعمون القيادات الناشئة من مختلف دول العالم عبر هذا الفعل الثقافي.
ختامًا؛ ليس الأمر هنا استعراض حضور تلك اللقاءات، ولكن للتأكيد على ما طرحته سابقًا ويتمثل في أهمية تفعيل العمل الثقافي خارج المملكة، حيث الثقافة بكافة مكوناتها عنصر مهم من عناصر الدبلوماسية المطلوب تفعيلها خارجيًا.