محمد آل الشيخ
انتشار وتفشي الأمراض والأوبئة، وكذلك الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين وحرائق الغابات التدميرية هي سنة من سنن الحياة، وتجلٍّ من تجليات الطبيعة، يَبتلي بها الله سبحانه التجمعات البشرية المسلمة، أو ذات الأغلبية المسلمة، مثلما يَبتلي بها المجتمعات البشرية غير المسلمة. ومع ذلك يُصر بعض المسلمين على التعامل مع هذه الظواهر بانتقائية مضحكة وساذجة، وتنم عن لا منطقية قائلها، فعندما تصيب هذه الكوارث البلاد المسلمة يعتبرونها ابتلاءً، وحينما تصيب البلاد غير المسلمة يعتبرونها عقاباً ربانياً، ينتقم بها جلَّ وعلا من هؤلاء على كفرهم؛ وهنا يلغون نظرية السببية إلغاءً تاماً، ويجعلون من الكفر والإيمان هو السبب الوحيد. والغريب أن من هؤلاء متعلِّمون، نالوا أعلى الدرجات العلمية، ومع ذلك يضربون بالمنطق والعلم عرض الحائط، ويتناقضون تناقضاً لا يقع فيه حتى الأطفال بتفسيراتهم تلك: ليس ذلك فحسب، بل يذهبون إلى أن من لا يقول بقولهم فهو متهم في سلامة عقيدته.
انتشار فيروس كورونا في الصين مؤخراً جعل المتأسلمين المسيسين يغتنمون هذه الفرصة، ويعتبرون هذا الوباء بمثابة العقوبة للصينيين على ما اقترفوه في حق (الإيغور) المسلمين، من تضييق عليهم، وكبح جماح لمحاولاتهم الانفصالية، وامتطاء الدين لتحقيق هذه الغاية. ولأن أغلب العرب والمسلمين لا يعرفون كنه قضية (الإيغور) ولا أبعادها ولا بواعثها؛ جلجل البسطاء والسذج خلف هؤلاء المتأسلمين، وناصروهم، واعتبروا الصينيون يتقصدون المسلمين على وجه الخصوص من دون بقية الأديان، لذلك (انتقم) الله منهم بهذا الوباء.
وهنا لا بد من التوضيح أن الصين دولة علمانية، ترفض من مواطنيها التمظهر بأي مظهر من مظاهر الدين، أياً كان هذا الدين، ويمنعون المدارس الدينية، أو أي مراكز ذات صبغة دعوية دينية أو قومية، تخل باللحمة الوطنية؛ وهم بالمناسبة متطرفون في هذا المنحى تطرفاً يمس بحقوق الإنسان، لكن ما يجب أن يُشار إليه هنا أنهم لا يتقصدون المسلمين خاصة، بل عانت طائفة (التبت) الصينية من هذا المنع الحازم، أضف إلى ذلك أن هناك مسلمين في الصين يبلغ عددهم 30 مليون مسلم ليسوا من الإيغور ولم يتعرضوا لهم ولم يضيقوا عليهم، لأن (الإيغور) دافعهم انفصالي، يمتطون دين الإسلام لكسب تعاطف بقية المسلمين في العالم لقضيتهم الانفصالية.
الأمر الآخر، والمهم أيضاً، والذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو أن التشفي على كوارث ومآسي غير المسلمين هو شكلٌ من أشكال (الكراهية) وتكريس البغضاء للآخر، والذي يسعى العالم المتحضِّر إلى تلمس الأسباب لانتزاعه، واستبداله بالتسامح والتعايش ليعم الأمن والسلام كل البشر على اختلاف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم، ولاسيما أن (الإرهاب) الذي ذقنا منه ومن دعاته الأمرّين، تأتي (الكراهية والبغضاء) على رأس بواعثه ومكوناته، أضف إلى ذلك تكريس السخط على غير المسلمين. لذلك فوجئت عندما أرسل إلي أحد الأصدقاء تغريدة في تويتر لأحد كبار التربويين في وزارة التعليم بالمملكة يتشفَّى فيها بانتشار وباء كورونا في الصين، واعتبره (انتقاماً) من الله، وعقاباً للحكومة الصينية؛ وبودي أن أسأل هذا الذي يقول عن نفسه أنه تربوي متخصص: ما ذنب الأطفال والرضع وكذلك الفقراء الصينيون الذين لم يقترفوا قرار التضييق على (الإيغور) لتصيبهم هذه الآفة، أليس المبدأ القرآني يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فكيف يعاقب جلَّ وعلا - حاشاه - من لا ناقة له ولا جمل في اضطهاد الإيغور.
وختاماً أقول: إننا في أمس الحاجة لتدريس علم المنطق، فلا يقيس هذه القياسات، وبمعيارين متناقضين إلا من يجهل المنطق، بل والعلوم العقلية برمتها.
إلى اللقاء