د. صالح بن عبدالعزيز العبداللطيف
يمثل الدكتور عبدالله الربيعة رائد عمليات فصل التوائم المعقدة وفريقه الطبي قوة ناعمة ملموسة للمملكة لها سمعتها العلمية والإنسانية عالميًا، ويعد أشهر أطباء جراحة فصل التوائم في العالم، وجعل المملكة الدولة الأولى في عمليات فصل التوائم وبخاصة المعقدة منها، ومما يدعو إلى الفخر أن بعض العمليات الناجحة التي أجراها كان قد حكم عليها بالفشل مقدمًا حتى في دول أوروبية متقدمة في الطب. ومعروف علميًا مدى خطورة وتعقد عمليات الفصل والوقت الطويل الذي تتطلبه الذي وصل في إحداها إلى أكثر من 23 ساعة، وقد طلبت مستشفيات عالمية نقلاً تلفزيونيًا مباشرًا لبعضها، وقد أشرف الدكتور عبدالله على 106 حالات توائم ملتصقة من 20 دولة وأجرى بنفسه 48 عملية كلها ناجحة وآخرها فصل التوأم الليبي، وهو لا يبحث عن الشهرة ويضع حياة التوائم فوق كل اعتبار بدليل أن قليلاً جدًا من عمليات الفصل رفض إجراءها لاستحالة نجاحها، وإحداها أصرت أسرة التوأم الملتصق على إجرائها في بلد آخر فمات التوأم. وتصل تكلفة عمليات الفصل إلى الملايين تتكفل بها مملكة الإنسانية مجانًا ودون مقابل، وهذا شيء نادر في هذا العصر، بل وزيادة على ذلك تستضيف أسر ذوي التوائم وتفيض عليهم من كرها حتى سفرهم إلى بلدانهم، ولم تقتصر عمليات الفصل على سعوديين فحسب، بل شملت قوائم بلغ عددها 17 دولة آخرها ليبيا، لبعضها باع طويل في الطب.
ويا لها من لحظات مؤثرة إِنسانيًا، إذا خرج الدكتور بعد أي عملية ليزف خبر نجاحها لذوي التوائم المنتظرين بلهفة وتوجس فتتساقط دموع الفرح غزيرة من أعينهم، وترتفع أصواتهم بدعوات الشكر والامتنان له ولفريقه ولمملكة الإنسانية، ثم تتلقى القيادة اتصالات شكر وعرفان من القادة والمسؤولين في البلدان التي أتى منها أولئك التوائم، ومن أجمل الجوانب الإنسانية كذلك تواصل الكثير من التوائم وذويهم الذين أجريت لهم عمليات الفصل مع الدكتور عبدالله بعدما كبروا، ومن أكثرها تأثيرًا فيديو مصور يظهر تلهف ومحبة التوأم البولندي وهما فتاتان للدكتور خلال لقائه بهما بعد بلوغهما الخامسة عشرة عامًا، وكذلك دخول كافة أهل قرية كاميرونية في الإسلام بعد نجاح عملية فصل لتوأم منها. وقد ألف الدكتور أو شارك في تأليف أربعة كتب عن التوائم السيامية وطب الأطفال تعد مراجع في حقلها، و103 من الأبحاث وأوراق عمل نشرت في دوريات علمية متخصصة، وتمت دعوته متحدثًا في العديد من اللقاءات الدولية. لقد كانت أول عملية أجراها الدكتور وفريقه لتوأم سعودي عام 1990م، وآخرها في نهاية عام 2019 لليبي، أي رحلة نجاح طبية وإنسانية أشرفت على ثلاثين عامًا وما زالت مستمرة، وستستمر بإذن الله لأن مملكة الإنسانية تدعمها بكل أنواع الدعم، وحتى لو غاب عن المشهد الدكتور الربيعة لتقدم في السن أو عارض صحي أو ظرف قاهر أو غيره فإن المسيرة لن تتوقف لأنه خلف وراءه وأسس فريقًا طبيًا متميزًا سيحمل الراية بكامل الاطمئنان والثقة. وقد حاز الدكتور بجدارة على عدة أوسمة وميداليات تقدير وتكريم داخليًا وخارجيًا أهمها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة، ومن دول عديدة منها جائزة التميز برتبة «قائد» من رئيس جمهورية بولندا، ووسام من الأطباء البولنديين للخدمات الإنسانية، ووسام الاستحقاق العسكري الطبي من الجيش الأمريكي، وميدالية من كلية ليفربول البريطانية للصحة العامة، وجائزة «فارس النظام الدولي للدفاع المدني للخدمات المتميزة» من المنظمة الدولية للحماية الوطنية في جنيف، وجائزة الميدالية الوطنية من جيبوتي، وجائزة العمل الإنساني لدول مجلس التعاون الخليجي، وجائزة الشيخ حمدان للشخصيات الطبية المتميزة في العالم العربي، ووشاح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من الدرجة الأولى، كما حاز على جائزة الاعتدال في دورتها الثالثة لعام 2019م وهي جائزة إنسانية انطلقت من السعودية وهفها تعزيز قيم الاعتدال والوسطية والتسامح، وهي الأولى من نوعها على المستوى الإقليمي والدولي وغيرها. والدكتور الربيعة بطل رواية أوروبية ألفتها أديبة رومانية اسمها دومينكا اليزل مستوحاة من إنجازاته وإِنسانيته، وأهدت أول نسخة منها للملك عبدالله -رحمه الله-. وإلى جانب عمله الرائد في مجال الطب، دخل الدكتور عبدالله في مجال وعطاء إنساني آخر يخترق الحدود أيضًا، حيث اختارته القيادة ليكون المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ تأسيسه عام 2015م، وهو مركز قائم على البعد الإنساني فقط حيث يقدم المساعدات الطبية والغذائية والتنموية والتعليمية للدول وحتى المخيمات المتضررة والمنكوبة بالكوارث، ويكافح الأمراض والأوبئة ويجري العمليات الطبية، ويزيل عشرات الآلاف من الألغام التي تفتك بالبشر في اليمن التي زرعها الحقد الإيراني، وكم هو رائع فتحه باب التطوع لشباب بلاد الحرمين الشريفين الذين يضربون أنبل الأمثلة في الإيثار وحب الخير ومساعدة الضعفاء والمحتاجين كما فعل أسلافهم المهاجرون والأنصار رضوان الله عليهم من قبل ممتثلين في ذلك لهديه صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» وعلى الرغم من أننا مقصرون في الدعاية وتسليط الأضواء على هذا المركز إلا أنه أصبح ملء السمع والبصر عالميًا، وأكسب مملكة الإنسانية سمعة وذكرًا حسنًا وإشادة، وقد بلغت الدول المستفيدة من مساعداته ومشروعاته 45 دولة، ووصل عدد مشروعاته إلى 1087 مشروعًا وبتكلفة وصلت إلى تاريخه إلى ما يقارب الأربعة مليارات، وهو دائم الترحال والسفر على حساب أسرته الكريمة وصحته وروابطه الاجتماعية حتى بعد أن تجاوز مرحلة الكهولة، وإذا استقر في الوطن فهو مشغول دائمًا باجتماعات مع شخصيات عالمية وسفراء ومسؤولين في منظمات إنسانية لتفعيل عمل المركز ومكافحة ثالوث الفقر والجهل والمرض، وينسق المركز في هذا المجال مع جهات ومنظمات عالمية إنسانية ذات الأهداف المشتركة، ولهذا كله - وهذا باب القصيد- نرجو أن يرشحه بلده لنيل جائزة نوبل في الطب أو السلام حيث كرس حياته كلها من أجل الإنسانية وبخاصة أنه قد نالها بعض ممن هو أقل منه دورًا وتأثيرًا وخدمة للإنسانية، ومعروف أن الجوائز العالمية في شتى المجالات والمناصب في المنظمات العالمية كالأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو واتحاد الفيفا ومنظمة الصحة العالمية وغيرها تحتاج في الترشيح إلىعم وضغط من قبل الدول المرشحة لمواطنيها، بل تصل أحيانًا إلى مرحلة التهديد بحجب الدعم المادي، كما فعلت اليابان عند منافستها لنا منافسة شرسة على منصب أمين عام منظمة اليونسكو انتهت بفوزها علينا بصعوبة بعد التهديد بدفتر الشيكات وبسبب التحاسد العربي - مع الأسف- على ذلك المنصب، وقد وصف النتيجة بدقة وطرافة معالي الدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- الذي قال لأحد المسؤولين اليابانيين أنهم فازوا علينا في هذه المنافسة بصعوبة وبالبلنتيات (ضربات الجزاء القاتلة)، على الرغم من أن مرشح المملكة وهو الدكتور القصيبي -رحمه الله- أكبر قامة وهامة وكاريزما من سائر المرشحين وعلى رأسهم المرشح الياباني، ولو فاز بذلك المنصب لكان - جزمًا - أقدر وأعظم تأثيرًا من كافة من سبقوه، وبالمناسبة، وللإنصاف لا يفوتنا في هذا المجال أن ننسى جهود ممثلنا في اليونسكو حينذاك الاستاذ زياد الدريس الذي كان وراء الترشيح الذي بذل جهودًا مضنية في سبيل إنجاح مرشح المملكة، كما لا تنسى جهوده وجهاده في كل ما يختص بالقضية الفلسطينية في نطاق اليونسكو حيث أبلى في ذلك بلاءً حسنًا، ومثل ذلك يقال وأكثر عن مندوب المملكة الدائم في الأمم المتحدة الرائع والجهير الاستاذ عبدالله المعلمي وهما قدوة حسنة لمن يمثلون أو سيمثلون الوطن في المنظمات والمؤسسات العالمية، والذين بعضهم مع الأسف لا يرى في المنصب إلا مجالاً للتمتع بمزاياه وتسهيلاته ويتصرف كسائح لا ممثل لبلاده ينبغي عليه الصراع لنيل حقوقه ورفع اسمه عاليًا، وعمومًا، لا بد من ذكر حقيقة مرة في هذا الشأن، وهو أننا من أكثر الدول سخاءً ودعمًا لسائر المنظمات العالمية؛ لكننا الأقل في الحصول على المناصب فيها بسبب تقصيرنا ووداعتنا وعدم إلحاحنا مع أن الأمر يقتضي الصراع الشرس وأن نكون كوجه ابن فهرة (كما جاء في الأمثال الشعبية) إذا اقتضى المقام ذلك، وأرى ونحن في عهد الحزم أنه ينبغي سحب أي ممثل للمملكة في الخارج إذا ثبت تقصيره ومال إلى الدعة والكسل وكان من مدمني التثاؤب، لأن الحقوق في الدول والمنظمات الدولية لا تؤخذ إلا «غلابا» كما قال طيب الذكر أحمد شوقي.