أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
في هذا العام نحتفل باليوم الوطني بعد منصرف الحجاج من حجهم، فأبناء الوطن في فرح وسرور بأن أتم الله الحج في أمن وأمان وصحة واكتمال خدمات لقاصدي البيت العتيق، إن رجوع الحجاج إلى أوطانهم وهم في صحة وأمن مطلب لكل مواطن سعودي وقد تحقق بفضل من الله، إن من يتولى البيت العتيق فقد أنيط بعنقه من يقصد هذا البيت، فهو في معمور في الجاهلية حمته جرهم ثم خزاعة ثم قريش، ومن قريش اختار الله النبي القرشي فحمى البيت، وتوالت حمايته من قِبل المسلمين على امتداد العصور، وكل من تولاه رفع رأسه فخراً بحماية البيت الذي يؤمه ملايين البشر من المسلمين، فهم يتجهون إليه في صلاتهم، ويقصده للحج والعمرة القادرون.
لقد أراد الله لدولة آل سعود أن تكون حامية لهذا البيت منذ ثلاثمائة سنة، ومنذ تولي مؤسس الدولة السعودية الثالثة حماية البيت والحجاج ينعمون بالأمان، وحساد الدولة يوجدون في كل زمن، ولكن اليقظة من قِبل الأمن السعودي تفوِّت على الحساد مقاصدهم الخبيثة في التخريب، ففي السنة التي دخل فيها الملك عبد العزيز مكة قام المخربون بملء مجرى عين زبيدة بالأتربة من أجل إيقاف الماء عن الحجاج ومن ثم إحراج الملك عبد العزيز أمام الحجاج، وقد سجل هذه الحادثة شعراً الشاعر الشعبي حمد بن علي بن فواز في قوله:
يوم إن أبو تركي ومر بالجهاد
فكرت بوجيه النشامى غدت سُودْ
اليِّ تعذر صار بذره سداد
وش عذرنا ياليِّ على ضمر قوُد
تُحَفّر دحول عنهن الماي غاد
نحفر دحول عنهن الماي مَسْدُودْ
أعاد الملك عبد العزيز مجرى عين زبيدة وتدفق الماء من جديد، ونعمت عرفات ومزدلفة ومنى ومكة بالأمن ورخاء العيش مُنْذُ ذلك التاريخ (1343هـ) على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، وبما أن أصحاب الفتن مثل الجمر تحت الرماد ينتظرون الفرصة السانحة لإشعال نار الفتنة، فقد أشعلوا النيران على بعد خطوات من الحرم، فأطفأ الأمن السعودي النار وخيب آمالهم ، ثم وضع المخربون الغازات السامة في الأنفاق فأنقذ الأمن السعودي مئات الآلاف من الحجاج، وفي عام آخر يسد المخربون الطرق فيتكدس الحجاج ويموت بعضهم اختناقاً، فينقذ الأمن السعودي الحجاج ويفتح الطرق، فالأمن السعودي في أيام الحج يشتغل على جبهتين جبهة الوقاية من الأشرار الذين يترصدون من أجل إيذاء الحجاج وجبهة خدمة الحجاج، إن مهمة حماية الحج والحجاج مهمة شريفة يعتز بها قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، فهو الذي يقف على أمن الحج في مشعر منى، ويرى بنفسه الوضع الأمن والمعيشي للحجاج، إن حشود البشر المتراصة في المشاعر وفي مكة ليست إدارتها بالأمر السهل، فطباع الحجاج متباينة وأوطانهم مختلفة ولغاتهم متباعدة، فالحاج لا يفهم ما يقول الآخر، إن حشداً قادماً من سبعين دولة أو أكثر ليحتاج إلى رعاية وتوجيه، والذي يسهل مهمة إدارة هذه الحشود من البشر الخبرة المتراكمة فيمن يخدمون الحجاج ويوجهونهم، فكثير من أهل مكة يعرفون لغات الحجاج، فالمطوفون وأسرهم وأقاربهم ومن يخدمون الحجاج معهم نشأوا على معرفة لغات الحجاج، وألفوا عاداتهم، وما يرغبون فيه من الطعام، كل ذلك سهل خدمة الحجاج، وتوفير الأمن لهم، إن حج هذا العام لدليل واضح على استفادة الأمن السعودي من تجاربه مع الحجاج في السنوات الماضية، فهو يتقدم أمنياً من سنة إلى أخرى، وهدفه حفظ أرواح الحجاج وحماية كل حاج من أي أذى، وإذا توافرت الحماية الأمنية نَعِم الحاج بما يقدم له من خدمات المعيشة والمواصلات والاتصالات، فالأساس الراحة الأمنية وكل ما يتبعها مرتبط بها.
وإذا كانت المقدسات هي الأساس في الاعتزاز بالوطن فإن ثروات الوطن جديرة بأن يخصص لها يوم يتذكر فيه الناس عامة الوفاء لهذا الوطن المعطاء، فمنذ أن أدار الملك عبد العزيز - رحمه الله - أداة تدفق النفط في الظهران والبلاد في سعة من الرزق، وسعة الرزق أتاحت التعليم للأبناء ففتحت المدارس في المدن الرئيسة ثم المدن الأصغر ثم في القرى والهجر، وأتاحت سعة الرزق والابتعاث لأبنائنا فدرسوا اللغات، ودرسوا العلوم بتلك اللغات، فأصبح لدينا الطبيب السعودي والمهندس السعودي والعالم السعودي، وبعائدات النفط بنيت المدارس والمدن الجامعية، ففي كل إمارة الآن مدينة جامعية متكاملة تغمر من يسير في طرقاتها بالفرح والسرور، ويا ليت الإعلام يخصص برنامجاً لهذه المدن الجامعية، فكثير من أبناء هذا البلد ومن يقيم على أرضه لم يطلع على هذه المدن الجامعية المتكاملة، وعن طريق النفط سلخت مدننا وقرانا جلودها القديمة وبدت براقة جذابة تبهر من يراها، فأصبحت هذه المدن والقرى جزءاً من العالم، أما المدن والقرى القديمة فأصبحنا نطلق عليها مدناً تراثية، أو قرى تراثية وتحولت إلى مزارات ومناطق سياحية، ومن عائدات النفط شقت الطرق في الجبال فربطت مدن تهامة وقراها بمدن السراة وقراها، واجتازت الطرق المعبدة رمالاً ما كان يُظنُّ باجتيازها فربطت حائل بالجوف وأصبح طريق الشام سالكا، إن وفرة المال من عائدات النفط حسنت معيشة الناس، وتبع تحسن المعيشة تحسن الصحة، فقلّت الأمراض، لأن الوعي الصحي طرق كل بيت، فأصبح ارتياد المستشفى أمراً عادياً فنأت الأمراض عن المجتمع، والنفط وفر بناء المستشفيات والمستوصفات كما وفر الدواء وأجور الأطباء، إنه ثروة من ثروات الوطن، فالوطن ينتظر وفاء أبنائه في يومه هذا.
ثروات الوطن متعددة ففي جباله الذهب والنحاس والحديد، ففي محافظة القويعية العديد من مناجم الذهب والحديد والنحاس في منجم قُساس وغيره، وهي مناجم لا تنضب، فمنجم قُساس معروف في العصر الجاهلي وكانت السيوف القساسية التي تصنع في هذا المنجم معروفة في زمن هوذة بن علي الحنفي، ونشط العمل في هذا المنجم في العصر العباسي، وقد التفتت حكومتنا الرشيدة إلى هذا المنجم وما جاوره فالعمل جارٍ فيه منذ سنين، ومناجم مهد الذهب داعم قوي لاقتصادنا القوي، ومناجم ظلم نشط العمل فيها زمناً وفي شمال المملكة الفوسفات، ثم إن هذه الرمال الممتدة من شمال المملكة إلى جنوبها وفي شرقها لم تستغل بعد فهي تحوي ثروات بالإضافة إلى حاجة كثير من الدول إلى الرمال، وبما أنها تمثل جزءاً من بلادنا فهي وافرة فلا ضرر من بيعها وتصديرها، فرمال الربع الخالي لن تنضب مهما أخذ منها، وفي سواحل الوطن الجزر المنتظمة في الساحل الغربي وفي الساحل الشرقي، فأسماك سواحل الجزر ثروة اعتمد عليها سكان الجزر ومن جاورهم في مدن السواحل وقراها، وصيد الحريد في جزر فرسان خير شاهد على هذه الثروة المتجددة، وبالإضافة إلى الأسماك فإن مستقبل هذه الجزر واعد في السياحة متى ما توافرت وسائل النقل البحرية التي تنقل السواح من السواحل إلى الجزر، والسياحة الآن شقت طريقها وفتحت أبوابها لطلاب الرزق من أبناء الوطن، فهي باب رزق مغلق وقد فتح الآن، فكم من شاب وشابة ولجوا هذا الباب اليوم فوجدوه خير معين على توفير العيش، إن السياحة في مصر واليونان وإسبانيا استوعبت الكثير من الباحثين عن العمل، وفي بلادنا السياحة الإسلامية والسياحة الترفيهية، والسياحة العلمية، ففي جبالنا الرسوم والخطوط القديمة: الخط المسند والخط اللحياني والخط الثمودي والخط النبطي والخط الكوفي والخط العربي في مراحله المختلفة، وفي مدننا المطمورة تحت الأرض في تيماء والربذة وجَوّ والحجر ودومة الجندل والمشقر وقران وغيرها مقاصد للسياح الباحثين عن التاريخ الشاخص بغير كتاب.
والاحتفال باليوم الوطني في هذا العام يبرز سياقة المرأة للسيارة والاستفادة من السينما التثقيفية فهي أداة تقرن بالتلفاز، بل هي أخت التلفاز فكم عدد الذين تتلمذوا على التلفاز منذ أن فتح في عهد الملك فيصل إلى اليوم؟! أليس الوطن يخطو بخطوات جريئة في ظل قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
وفي الأخير أقول:
- الوطن يفتخر بملك مهيب.
- الوطن يفتخر بولي عهد فتح الأبواب المغلقة.
- الوطن يفتخر بمقاتليه من طيارين وإدارة حروب وجنود أرخصوا أعمارهم في سبيل الله ثم في حماية الوطن.
- الوطن يفتخر بأنه يسير إلى الأمام في جامعاته وصناعته وتجارته.
- الوطن يفتخر بمدنه المتجددة.
وطن هذه صفته ألا يستحق يوماً في السنة تتذكر فيه أمجاده!!