د. محمد بن عبداللطيف الملحم
هذه محاضرة لمعالي الدكتور محمد الملحم عميد كلية التجارة الأسبق، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق ألقاها في مجلس الشورى متحدثاً عن ذكرياته أمام أعضاء وعضوات المجلس وفيما يلي نصها:
كم أنا مسرور أن أرى كوكبة من المؤهلين من ذوي الكفاءة تحت قبة مجلس الشورى الذي عايشتُ وضع مشروع نظامه في السنوات الخوالي.
وكم أنا مسرور أن أجد أنّ «مجلس الشورى» يحتل مكانه اللائق به «كمؤسسة استشارية» لمجلس الوزراء يُجاهد ويُنافح في أمانة وشفافية في إطار اختصاصاته المنصوص عليها في نظامه.
وباعتباري كنتُ المكلَّف بوضع مشروعي نظامي»الحكم الأساسي» و»مجلس الشورى» بعد صدور الأمر الملكي في عام 1400هـ بإنشاء اللجنة العليا لوضع أنظمة «الحكم الأساسي» و»الشورى» و»المقاطعات» فأودُّ في هذا الإطار أن أتحدث لكم عما تم بشأن هذه الأنظمة وبالذات نظاما «الحكم الأساسي» والشورى». وحديثي لكم أيها الإخوة والأخوات من شِقين: الأول سوف أتناول فيه ما كان يتم في ظل عدم وجود «مجلس للشورى» من إجراءات في شأن «الوضع التشريعي»في المملكة منذ عام 1373هـ وحتى عام 1412هـ. أما الشق الثاني فسوف أتناول فيه ما تم في إعداد مشروعات نظام الحكم الأساسي ونظام الشورى ونظام المقاطعات بدايةً من عام 1400هـ وحتى تم وضع المشروعات الثلاثة موضع التنفيذ بصدور مراسيم ملكية بإقرارها وذلك في عام 1412هـ.
وقبل الحديث عن هذين الشِّقين أرغبُ أن أمهِّد لهما بأِمرين مهمين. الأول: وفيه أود أن أفصح عن قناعة شخصية تامة عندي أحكمتها تجارب مرَّت عليَّ على مدى نصف قرن أو أكثر وهي أن أي مشروع يهدف إلى تطوير مجتمعنا ولا سيما بالأخص إذا كان يتعلق «بالشأن القانوني»أن يَبدأ العمل به في هدوء تام ودون الجري وراء الشهرة ولا عِشقِ الأضواء. وبالنسبة لي كان الهدوء ديدني والعمل ما أمكن في مثل هذا المشروع على نار هادئة.ولقد تحقق النجاح لي في مثل هذا المجال. أمَّا الأمر الثاني فيتعلق بمحطات مهمة في حياتي وذات دلالة على هوايةٍ كنتُ أرغب تحقيقها بحب حقيقي جامح وهي «دراسة القانون»، وكان الداعي لها قصة استفدتُ منها كثيرًا، وتناغمت مع الهوى الذي كان لدي وأنا طالب في السنة الثانية «بمدرسة الأحساء الثانوية» في عام 1374هـ، وستكون هي «المحطة الأولى»الأساس التي سأروي فيها ما حدث، ومناسبتها كانت زيارة الملك سعود -رحمه الله- لمقاطعة الأحساء في عام 1374هـ بعد تتويجه ملكًا حيث أقام الأهالي له حفلاً بهيجاً «بحي محاسن» بمدينة الهفوف تبرع فيه جلالته بمبلغ نقدي يُمْنَحٌ» كسلف زراعية» لملاك المزارع في «مقاطعة الأحساء» لتعمير مزارعهم، وعُهِدَ بإدارة التبرع «لمالية الأحساء»، وكان من شروط تقديم «السلفة» لأي مزارع أن يرفق ضمن معروضه لإدارة المالية صك ملكية النخل أو المزرعة أو أي وثائق معتبرة وفق التعليمات السعودية التي لدى «كتابة العدل» حتى يتسنَّى تقديم السلفة له. وكنتُ من ضمن عشرة طلاب من المدرسة الثانوية نعمل «بمالية الأحساء» عصرا بصفة «ملازمين» إذ كان دوام موظفي المالية وقتها على فترتين في اليوم صباحًا وعصرا. ونظرًا لضغط العمل على «كتابة عدل الأحساء» لاستخراج صكوك جديدة لملاك الزارع مُستنسخةً من صكوك معظمها مسجلة باسم «الخلافة العثمانية» التي كانت صاحبة الأمر والنهي في «مقاطعة الأحساء» التي كانت تسمى «سنجق» حتى عام 1331هـ فقد طَلَبَتْ إدارة كتابة العدل من «مالية الأحساء» أن تستعين ببعض الملازمين. وكنتُ من بين ثلاثة تَمَّ توجههم للعمل بكتابة العدل. لقد أمضيتُ في كتابة العدل أسابيع منهمكًا في نسخ وثائق وصكوك ملكية مكتوبة بحروف صغيرة يَصعبُ عليَّ قراءة بعضها. عانيت الأمرين في هذه المهمة، ولقد استفدتُ كثيرًا من هذه التجربة التي رسَختْ في ذهني رغم صغر سني،يستحيل عليَّ نسيانها، إذ أثرت فكري من الناحية الشرعية والانونية، وتزودتُ من خلالها بمعلومات لم أكن أعرفها مِن قبلُ عن الوصايا الأهلية المعدة وفقًا لمذاهب أهل السنة الأربعة ناهيك عن مذهب الاثني عشر الجعفري الشيعي. وكان مما يرد في هذه الوصايا على سبيل المثال قراءة جزء أو أجزاء من القرآن الكريم على القبور أو في المساجد أو في البيوت، وكذا شروط النظارة على الأوقاف الأهلية، وكذا على المساجد ودور الوعظ والإرشاد والأربطة، وكذا المواريث، وطرق توزيعها، ووسائل التملك للأوقاف. وقد أدَّيت مهمتي بأمانة وإخلاص في «كتابة عدل الأحساء». وتمضي السنون وحينما كنتُ طالبًا في السنة الثانية بكلية حقوق جامعة القاهرة أدركت الغرض الحقيقي من منح «السلف» لملاك المزارعين في «مقاطعة الأحساء» بموجب صكوك ملكية جديدة وفق التعليمات السعودية وذلك حينما درستُ»باب الإرث الدولي» أو «خلافة الدول» في مادة «القانون الدولي» التي كان يُلقي محاضراته علينا في مدرج العميد «بدر» أستاذي الدكتور حامد سلطان. إذ كان الغرض من دفع «السلف»وقتها هو تحويل الصكوك والوثائق العثمانية إلى صكوك ووثائق وفقا لتعليمات سعودية جديدة وذلك بعد أن استولى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على»الأحساء» لتكون «مقاطعة سعودية» في عام 1331هـ بعد أن كانت تُسمى «سنجقًا» باللغة التركية..
وأمَّا عن «المحطة الثانية» فهي تتعلق بعلاقتي بسمو الأمير «نايف بن عبدالعزيز» حينما عُيِّنَ نائبًا لوزير الداخلية في عام 1390هـ وحينما عينتُ في العام نفسه مدرسًا «للقانون» في كلية التجارة بجامعة الرياض حاملاً درجة الدكتوراه في «علم القانون»من كلية حقوق جامعة ييل الأمريكية.
تسلمتُ صورة خطاب من وكيل جامعة الرياض آنذاك سعادة الدكتور عبدالعزيز الخويطر موجهًا أصله لسمو نائب وزير الداخلية الذي طلب سموه من الوكيل الاستعانة بخبرتي للعمل بوزارة الداخلية كمستشار قانوني غير متفرغ بجانب عملي «مدرسًا» في كلية التجارة في عام 1391هـ.. وتعاونتُ مع سموه منذ أن كان نائبًا لوزير الداخلية وحتى مبايعته وليًا للعهد. ويقرأ نص الخطاب كالتالي.
الرقم 4476 - 2 وتاريخ 24 - 6 - 1391هـ
صاحب السمو الملكي نائب وزير الداخلية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:-
أشير إلى خطاب سموكم رقم 130171 - 2906 - 4 وتاريخ 22 - 6 - 1391هـ حول رغبتكم الاستفادة من خبرات الدكتور - محمد بن عبداللطيف الملحم - المدرس بكلية التجارة - في حقل اختصاصه لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد على أن يباشر العمل في أقرب فرصة.
يسرني إحاطة سموكم بموافقة الجامعة على انتدابه للعمل خارج أوقات الدوام الرسمي للمدة المطلوبة، راجيا الإيعاز للجهة المختصة بالوزارة لتزويد الجامعة بمقدار ما يُصرف لسيادته، علمًا بأنه يتقاضى راتبًا قدره 1815 ريالاً ومكافأة تدريس 1400 ريال شهريا بالإضافة إلى بدل الانتقال الشهري البالغ 400 ريال، ولسموك تحياتي وتقديري.
وكيل الجامعة: عبدالعزيز الخويطر
صورة لسيادة الدكتور محمد الملحم رجاء الإحاطة.
ومنذ أن تلقيت صورة خطاب سعادة وكيل الجامعة باشرت العمل في وزارة الداخلية على فترات، وفي المساء أحيانًا، وأنا في كليتي «مدرسًا» للقانون. ولقد تبين لي، كما سيأتي، أن وزارة الداخلية كانت تحتضن شتى أنظمة (قوانين) ذات علاقة بشتى طوائف المجتمع. وهي أنظمة (قوانين) كانت في حاجة ماسة إلى ترتيب بغرض التطبيق. وكان المشكل وقتها أن مُسَمَّى «نظام» كان مستحبًا ومقبولا. أما أن تُطلقَ على أي «نظام» أنه «قانون» فهو محل استنكار. والسؤال لماذا ذلك الاستنكار؟ من السهولة بمكان أن تجد الإجابة عليه بسهولة في ثقافة المجتمع السائدة وقتها. ثقافةٌ كانت،فيما قبل عام 1390هـ وما بعده، تشمئز من ذكر مصطلح «قانون»، أو حتى من مجرد لفظه لاعتبارات دينية الحديث عنها ليس هنا محله، ناهيك عن عدم وجود مَنْ يُشَجِّعُ مَنْ يَرْغَبُ في دراسة القانون.وفي حقيقة الأمر، ومن منظار تجربتي الشخصية،كانت كلمة «قانون» وقتها من المصطلحات غير المرغوب فيها، إن لم تكن مستنكرة، كما كان مَنْ يُظْهِرُ لمن حوله من أنه يُدَرِّسُ «قانون»كان لا يلقى الاحترام اللائق به، بل ربما تحوم حوله شبهات. هكذا كانت ثقافة المجتمع آنذاك.
ومما خفف من الوطأة أن سمو الأمير «نايف بن عبدالعزيز» وفي أول لقاء تلفزيوني له حينما كان نائبًا لوزير الداخلية، وأنا مستشار عنده غير متفرغ، قد حاورته وأنا مدرس «للقانون» وقد استخدمت مصطلح القانون في ذلك اللقاء الذي كان يضم كل من: الأخ الصديق محمد علي حافظ مدير شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر ونائب مدير عام مؤسسة المدينة للصحافة التي تصدر «جريدة المدينة المنورة»والأخ الصديق الدكتور عبدالرحمن الشبيلي مدير التلفزيون وقتها، الذي كان يدير الحوار. تحدث سموه في اللقاء عن طموحاته بعد توليه نيابة وزارة الداخلية في تطوير مرفق الوزارة، وعن فتح أبوابها للمثقفين من أبناء الوطن للعمل فيها، كما أعلن سموه، صراحةً وفي شفافية تامة، أن «الشريعة الإسلامية» هي «القانون» المطبق في «المملكة». وهكذا استخدم سموه مصطلح «قانون».. مبدِّدًا الشكوك والأوهام التي أحاطت بهذا المصطلح. ما فعله سموه كان محل ارتياح لي وأنا مدرس «قانون»في «كلية التجارة» وقتها. وكان ذلك الحوار منذ حوالي خمسين عاماً أو أكثر.
كان سير الحياة العامة في «كلية التجارة» بجامعة الرياض في عهدي كمدرس للقانون فيها، ومن ثم عميدها يَتَعَرَّضُ على فترات لعواصف كادت تودي بالكلية، ولكنها عواصفٌ كانت بمثابة سحب صيف. تعرَّضت «كلية التجارة» لهجوم أو عاصفة مدوية من طبيعة «دينية» و»سياسية»»وأيدولوجية» لا مُبَرِّرَ لها، ولسبب بسيط وهو أن الكلية كانت تتميز بمناهج من بين كليات الجامعة حُسِدَتْ عليها، ومن بينها منهج يتضمن تدريس «علوم قانونية»، والحسد ظاهرة معروفة في الطبع الأكاديمي الجامعي.هناك من تناول عقيدة طلابها مشكِّكًا فيها، وكان الهجوم من أكثر من جهة. أُمْطِرَتْ الكلية بوابل من النقد لأنها تُدَرِّسُ قوانين لم تعهدها البلاد مِنْ قَبْلُ،.كما كانت تُدَرَّسُ بالكلية موادٌ من طبيعة سياسية، والخوض في «السياسة «كان محل ريبة وشك وقتها؛ كما قِيلَ إن حصص الثقافة الإسلامية في مناهج الكلية قليلة جدًا، وكان هذا بيت القصيد، وكان الغرض منه تكثيف مواد الثقافة الإسلامية في مناهجها ليقوم بتدريس موادها أناسٌ من خارج المملكة. كان الهجوم كما لو كان مُبرمجًا. بدأ الهجوم بمناسبة انعقاد «مؤتمر رسالة الجامعة» في مقر الجامعة في عام 1394هـ، وكانت كل كليات الجامعة ممثلة فيه، وكان المؤتمر كما لو كان مخصصًا «لمحاكمة كلية التجارة»، وكنتُ باعتباري «عميدا» للكلية مِمَّن حَضَرَ بعض جلسات المؤتمر، ولكنني قاطعتها بسبب لغط سمعتُه شخصيًا. وفي العدد الثالث والعشرين من السنة الثانية من «نشرة الطالب» التي صدرتْ في عام 1394هـ (وهي نشرة تصدر نصف شهرية من إعداد اللجنة الثقافية بالكلية، والنشرة بحوزتي الآن) أجاب الدكتور «محسون جلال»أستاذ مادة الاقتصاد، ومنظر الاقتصاد في المملكة على سؤال وجَّهه إليه «المعيد» بالكلية «عبدالله عابد»، ومؤدى السؤال هو: يُقال إن الكلية اتُّهِمَتْ ببعض التهم في «مؤتمر رسالة الجامعة»، وأظنك على علمٍ بهذه التُّهم، فما هي وجهة نظرك حيال هذه التهم؟ كانت إجابة «الدكتور محسون» التي نُشِرَتْ في «نشرة الطالب» الصادرة بتاريخ 16-11-1394هـ كما يلي: «سمعتُ شيئًا عما دار في بعض اجتماعات المؤتمر، ولا أعتقدُ أن تُهمًا وُجهتْ لِلكلية لأن من وَجَّهَ تهمًا للكلية، وتهجم عليها فإنما يتهجم على «مؤسسة علمية وطنية» هي في خدمة الدين والملك والوطن. ولا أدري كيف يَتَهَجمُ أَحَدٌ على «كلية التجارة» وهي أولى كليات الجامعة التي تخدم الدين الحنيف،تُثْبِتُ أنه صالح في كل مكان وزمان. ومن المعروف أن «كلية التجارة» هي الكلية الأولى في الجامعة من حيث تدريسها للمواد الإسلامية، والمواد التجارية الإسلامية، ويكفي إلقاء نظرة على «دليل الكلية». فإلى جانب تدريس «الثقافة الإسلامية»، هناك موادٌ في الاقتصاد الإسلامي، وموادٌ في «نظام الحكم والإدارة في الإسلام»، وموادٌ عن مشكلات العالم الإسلامي المعاصرة، وموادٌ عن تاريخ المملكة (وبلادها منبع الإسلام)، وموادٌ عن تاريخ الخليج ومشكلاته وهذا متصلٌ بالتاريخ الإسلامي، وغير ذلك من المواد التي تخدم الدين والوطن. وتُدرَّس في الكلية أيضًا النظم التجارية والإدارية التي تسير عليها المملكة، وهي نظمٌ صدرت بها مراسيم ملكية. ولا أعتقد أن ما دار بالمؤتمر هو اتهام للكلية لأن من يتهم الكلية فهو يتهم «مجلسها» لأنه هو الذي وضع المناهج، ويتهم «مجلس الجامعة» لأنه دَرَسَ المناهج بالتفصيل ووافق عليها، ويتهم «مدير الجامعة» لأنه رئيس الجامعة الذي وافق على المناهج، ويتهم «الرئيس الأعلى للجامعة» لأنه هو الذي اعتمد المحاضر التي ضمَّت المناهج (وكان معالي فضيلة الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ هو الرئيس الأعلى). لذلك لا أعتقد أن ما دار في الاجتماعات هو اتهامٌ لكلية التجارة، وكيف يتجرأ أحد على اتهام كلية في جامعة الرياض وهي أكبر وأقدم جامعات المملكة تخدم الدين، وتخدم الملك، وتخدم الوطن؟ و»كلية التجارة» هي في «جامعة الرياض» في «المملكة العربية السعودية»، وليست في «جامعة عبرية».
وجاء الهجوم على «كلية التجارة» من أربع فئات: (1) من الأمانة العامة للندوة العالمية للشباب الإسلامي التي اتخذت في الرياض مقرًا لها، و(2) من قسم «الثقافة الإسلامية» الذي كان مقره بكلية التربية في الجامعة، وهو القسم الذي كان همه الوحيد صبّ جام غضبه على «كلية التجارة» التي سماها وكيلها «أسامة عبدالرحمن» «كلية التعساء». بحجة أن مواد الثقافة الإسلامية في مناهج كلية التجارة قليلة جدًا، وأنه من اللاَّزم تكثيف مواد الثقافة الإسلامية بها من قبل القسم، وكان من المهيمنين على القسم مدرسون من الإخوان المسلمين الذين كانوا يرغبون تزويد الكلية بمدرسين من قبلهم في الثقافة الإسلامية من الخارج، و(3) من قلة من خارج الكلية ممن كانوا متعاطفين مع الأستاذ المساعد الدكتور «غازي القصيبي بقسم العلوم السياسية عندي، ومن المعلوم وقتها أن الزميل الصديق غازي قد أُبْعِدَ عن «عمادة» الكلية بسبب ديوانه «معركة بلا راية»، و(4) من بعض طلبة العلم من ذوي الثقافة الدينية المحدودة الذين إذا قيل لهم إن القانون يُدَرَّسُ في الكلية: قالوا: قانون.... قانون.... والعياذ بالله.. وكان دفاعهم مجرد ترديد للآيات الكريمة التالية من سورة المائدة. قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (45) سورة المائدة،{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (47) سورة المائدة. وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (49-50) سورة المائدة، وقال عز وجل: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء.كانوا يقولون حكم الله هو أحسن الأحكا، وهو الواجب الإتباع، وبه صلاح الأمة وسعادتها في العاجل والآجل، وصلاح العالم كله، ولكن أكثر الخلق في غفلة عن هذا. وكنا نقول لهؤلاء أنه لم يثبت أننا في «كلية التجارة»كنا نُطالب في مناهج الكلية استبدال «الشريعة الإسلامية» بالقوانين الوضعية لتحُل محلها.
أرَّخ وكيل الكلية أستاذ مادة الإدارة العامة الدكتور «أسامة عبدالرحمن» لهذه الحقبة المريرة ذات الأبعاد السياسية وأنا عميدها وهو وكيلها في ملحمة له من أبياتها:
كُلِيَّةٌ لَوْ رَأَوْ غَدْرَ الزَّمَانِ بِهَا
لَمَا رَمُوهَا بِمَا يَرْمُونَ مِنْ كَذِبِ
قَالُوا وَقَالُوا وَسَامُوها بِأَلْسِنَةٍ
سَوْمًا منَ الشَّكِّ وَالْبُهْتَانِ وَالرِّيَبِ
ظَنُّوا بِهَا السُّوءَ إِفْكًا يَأْثَمُونَ بِهِ
وَلـْم يَكُفُّوا عَنِ التَّجْرِيحِ واللَّغَبِ
كَأَنَّ فِيهَا «أَبُوجَهْلٍ» وَزُمْرَتُهُ
يُحَاضِرُونَ نَبِيًا مِنْ أَبِي لَهَبِ
وَالْمُلْحِدُونَ وَمَنْ سَارَتْ سَرِيرَتُهمْ
وَالْفَاجِرُونَ وَأَهْلِ اللَّهْوِ واللَّعِبِ
وقال «أسامة» عن كليته: إنها يتخرَّج فيها طلابٌ أذكياء نجباء سيتقلَّدون مناصب عليا في الدولة، ناهيك عن أنهم بعد تخرجهم سيكونون أخوة أباة، عقيدتهم سليمة، وتربُّوا في تربة طيبة مبناها عقيدة التوحيد السلفية النقية الصافية، وكان الأولى بالكلية ما دام هؤلاء طلبتها، ومن ثم خريجيها، أن تكون مَحَلَّ تكريم، لا مَحَلَّ مَذَمَّة وتجريح.عن طلبة الكلية قال أسامة:
وَهُمْ هُمُو إِخْوَةٌ طَابَتْ سَرِيرَتُهمْ
وَأنْصَفُوا الْحَقَّ إِنْصَافًا وَلَمْ يَخِبِ
وَهُمْ أُبَاةٌ إَذَا ضَيْمٌ أَلَمَّ بِهِمْ
هَمُّوا سِرَاعًا أَبٌ هَبَّ خَلْفَ أَبِي
وَهُمْ هُنَا نَشَأُوْا فَالدِّيـنُ دِينُهُمُو
رَأْسٌ وَتُرْبَتُهُمْ منْ أَطْهَرِ التُّرَبِ
وَمَنْ تَخَرَّجَ مِنْهَا كَانَ مَفْخَرَةً
غَذَّى وَزَارَاتِنَا بِالْقَادَةِ النُّجُبِ
قَدْ كَانَ أَوْلَى بِهَا التَّكْرِيمُ لَوْ عَرَفُوا
كَمَا عَرَفْنَا ظُرُوفَ الْعَرْضِ وَالطَّلبِ
أما عن أحوال أساتذة الكلية، ونشاطهم الأكاديمي، ناهيك عن أحوال طلابها، وبالأخص طلاب السنة الأولى الذين كانوا يدرسون بِقَبْوِهَا المُظلم فقد قال أسامة عنهم....وعنها.
فَاسْأَلْ أَسَاتِذَةً يَحْيَوْنَ دَاخِلَهَا
حَيَاةَ بُهْمٍ بِأَكْشَاكٍ مِنَ الْخَشَبِ
وِكُلُّهُمْ فِـي اقْتِصَادٍ أَوْ مُحَاسَبَةٍ
يُحَاضِرُونَ عَنِ الْبَتْرُولِ وَالذَّهَبِ
وَفِي الإِدَارَةِ نَحْكِي عَنْ مَشَاكِلِهمْ
وَنحْنُ نَقْتَاتُ مَا فِي الصَّيْفِ مِـْن لَهَبِ
وَفِي السَّيَاسَةِ نَحْكِي عَنْ مَشَاكِلِهمْ
وَنَحْنُ مِنْ «قَبْوِنَا» الْمَوْبُوءِ لَمْ نَطُبِ
وكما سبق القول عند الحديث عن «ثقافة المجتمع» منذ حوالي خمسين عامًا حيال مصطلح «القانون»، وحيال ما يحيط بمَنْ يَدْرِسُ أو يُدَرِّسُ «القانون» من شكوك، وهو حال تفرد فيه سمو الأمير نايف ليعلنَ في صراحةً وفي شفافية تامة وقتها أي منذ خمسين عاماً مضت أن «الشريعة الإسلامية» هي «القانون» المطبق في «المملكة». وهكذا استخدم سموه مصطلح قانون.. مبدِّدًا الشكوك والأوهام التي أحاطت بهذا المصطلح.
والسؤال الآن هو عن حال ثقافة المجتمع القانونية في عام 1439هـ بعد مضي الفترة المشار إليها أي منذ خمسين عاماً مضت؟ وعن مدة تقبل المجتمع للثقافة القانونية؟
للحقيقة والتاريخ أود القول أن سمو الأمير»نايف بن عبدالعزيز» قد سَبَقَ جيلَه بأجيال.. وَسَبَقَ مجتمعه بمراحل».
وفي أيامنا المعاصرة تحوَّلت «كلية التجارة» بعد انشطارها إلى كليتين: كلية «للعلوم الإدارية» وكلية «للحقوق والعلوم السياسية». وقد تخرج في كلية «الحقوق والعلوم السياسية» إناث في الحقوق (أي القوانين) من بنات الوطن، وبعضهن مُرَخَّصٌ لهن الآن من «وزارة العدل» للمحاماة في ساحات المحاكم. كما أن كليات الحقوق أو القانون انتشرت في جامعات المملكة كانتشار النار في الهشيم. والفضل يرجع «لكلية التجارة» «كلية التعساء» كما سمَّاها وكيلها الملهم المخضرم يرحمه الله «أسامة عبدالرحمن» في ملحمته.
رحم الله الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي عبَّر عن طموحاته، عن رؤاه ورؤيته في تطوير شؤون وزارة الداخلية كما عايشتُها باعتباري مستشاراً غير متفرغ فيها.
كان سموه ينظر للمستقبل، وليس للخلف، وسبحان مغير الأحوال.
في عام 1390هـ كان مدرس القانون في الكلية لا يعلن للكافة أنه «مدرس قانون».
وفي عام 1438هـ إناث من بنات الوطن يرغبن أن يكن معيدات في «علم القانون» بعد تخرجهن من كلية الحقوق والعلوم السياسية في الكلية.