حاوره - أحمد بن خلف الشمري:
* بداية الحوار أسأل عن آخر إصداراتك؟
- آخر الإصدارات تفضل نادي مكة الأدبي بإخراجه، وهو كتاب: «الحدقة والأفق.. دراسات في النثر تليدِهِ وطريفِهِ». ومن فضل الله أنه فاز بجائزة وزارة الثقافة والإعلام العام الماضي 1438هـ، ثم صدر أيضاً في وقت مقارب تحقيقي لكتاب: «جواهر الكلم وفرائد الحكم» المنسوب لعلي بن عبيدة الريحاني عن كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع. أما آخر الإصدارات الشعرية فهو ديوان: «قنديل حذام» الذي صدر عن نادي جدة الثقافي الأدبي قبل سنتين. وقبل أسابيع صدر عن نادي الطائف الأدبي كتاب بعنوان: «خُصاص كَرْم.. دراسات في شعر مغمورين من عصور شتى»، جمعت فيه بحوثي المتصلة بدراسات شعر المغمورين.
* بالإشارة إلى حصول كتابكم: «الحدقة والأفق» على جائزة وزارة الثقافة والإعلام، ما رأيكم بدور الوزارة والجوائز الأدبية في تكريم بعض الأدباء والمثقفين؟ هل أسهمت في نشاط الحركة الأدبية والثقافية بالمملكة العربية السعودية؟
- لا أشك في هذا. الحقيقة إن الجوائز - ولاسيما من جهات حكومية، مثل الوزارة التي تهيمن وتشرف على المشهد الثقافي بالمملكة - هي حافزة على تشجيع التأليف الجاد؛ فهذه الجائزة وما ماثلها من جوائز، مثل: جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، وجائزة الدارة، وجائزة كتاب العام في النادي الأدبي بالرياض، وجائزة نادي جدة الأدبي.. كلها حافز على الإنتاج الجاد. ينبغي أن نعترف بهذا، لكن المثقفين والأدباء يطمحون إلى أن تكون الجوائز أكثر من ذلك، وأن تكون ذات فئات، ومتخصصة: دراسات في الأدب، والتاريخ، والجغرافيا، والعلوم التجريبية كالطب والهندسة.. نطمح إلى أن يكون الحراك الثقافي أوسع وأشمل؛ لأننا وجدنا نتائج هذه الجوائز فيما قُدم من دراسات قيمة جدًّا.
* البعض يشير إلى أن بعض الجوائز تُمنح بناء على علاقات شخصية مع اللجان المشرفة، ما رأيك؟ وهل لوضع المعايير العلمية الدقيقة أثر في تنحية المعايير غير العلمية؟
- أنا معك في ذلك. لا أتكلم عن الجوائز كلها، ولكن من خلال تجربتي في التحكيم لبعض الجهات رأيت أنه يُحتَكم في اختيار الفائزين إلى معايير غير علمية، معايير متصلة بعلاقات شخصية، ومعايير لترجيح كفة تيار أدبي على تيار أدبي آخر.
* المتابع لمؤلفاتكم ولحسابكم على التويتر يلاحظ أنك تعنى كثيرًا بقضية الاهتمام باللغة العربية الفصحى، ومشاكل اللغة العامية.. ما موقفك من هذه القضية؟
- اللغة هوية عند كل الأمم، وهي جزء من المنظومة الثقافية؛ فالتنازل عن اللغة تنازل عن الهوية والثقافة. وبالنظر إلى الأشخاص أنفسهم يمكن أن نقول إن اللغة هي مظهرك الشخصي، هي كاللباس، اللغة لباس.. وبلا شك فإن اللباس يُعنى به، ويهتم بجماله ونظافته.. فأنا أعتني باللغة من هذين الجانبين: الجانب العام أنها هوية وحصن من حصون الأمة؛ فإذا سقط هذا الحصن أو تهاوى سقطت الأمة في التبعية والاغتراب عن نفسها، والتقليد، وامحا الذات، وأمور كثيرة رأينا عقابيلها فيما يظهر الآن في التعليم، والإعلام، وفي ثقافة الشباب.. كل هذا من آثار التفريط باللغة. وأعتني بها من الناحية الشخصية في كتابتي، وأنصح الناس بأن يعنوا في كتابتهم. هذا منطلقي في العناية باللغة. وبالمناسبة، لست وحيدًا في هذا الجانب؛ أنا ضمن تيار يدافع عن اللغة، ويرى أنها من حصوننا التي إذا سقطت فإن الأمة تسقط شخصيتها في جوانب أخرى.
* تحتفل المؤسسات المعنية باللغة العربية باليوم العالمي للغة العربية، ما موقفك من هذه القضية؟ وهل أنت مع الاحتفالات الخطابية؟ وهل تدعو إلى اتخاذ مبادرات فعلية؟
- أنا سُئلت هذا السؤال مرارًا، وقلت إنني أرفض المشاركة في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية؛ لأن الحفلات التي تقام هي حفلات تغزل رخيص؛ فقد أصبحت اللغة كأنها فتاة حسناء، نقف تجاهها ونقول: ما أجملها، ما أحسنها! يا لجمال عينيها! وما أحلى شعرها! ثم نتركها لقدرها فتُغتصب، وتسبى، وتعذب.. ونظلّ نحن نتغزّل بها! ما أسهل أن نقيم بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية ندوة عنها، لا يحضرها إلا المتخصصون والمتحمسون لها، وهي في الوقت نفسه تظلم في التجارة والإعلام، وتُسب وتُشتم في وسائل التواصل الاجتماعي، ويجهلها أبناؤها، بل وصلنا إلى مرحلة خطيرة جدًّا، هي أن يعاديها بعض أبنائها!!
المستشرقون الذين نفخوا في نار العداء للغة العربية منذ نحو مئتي سنة، مثل ولكوكسوولمر وسبيتا، والمستغربون مثل سلامة موسى ولويس عوض وسعيد عقل، الذين صاروا يشتمون اللغة العربية - مع أنهم يكتبون بها - هؤلاء وصلت ثمارهم الخبيثة إلى مرحلة لم يكونوا يطمحون إليها.. هم كانوا يطمحون إلى أن تُنحى اللغة العربية فتُجعل لغة مقدسة مثل اللغة اللاتينية التي يُقرأ بها الإنجيل، ولكننا وصلنا إلى مرحلة أشد قسوة؛ فبعض أبناء اللغة العربية هم من يحاربها. الآن أنت ترى في التجارة التسمية بغير العربية، تجد الفواتير بغير العربية، بل تجد مؤسسات حكومية اجتماعاتها تعقد بالإنجليزية.. وصلنا إلى مرحلة خطيرة في عداء العربية.
إن أردنا الاحتفاء بلغتنا فلنجعلها لسان التجارة والإعلام والإعلان، ولنُعد لها هيبتها في المقررات المدرسية، ولنعاقب من يستهين بها، أو يتحايل على القوانين المسنونة لحمايتها.
* في معرض اهتماماتك باللغة العربية واللهجات العامية نجدك أقل حدة في نقد التحدث مشافهة بالعامية..
العامية شر لا بد منه، في حياتك العامة، في الشارع، والبيت، والسوق.. كلامك العادي مع أي إنسان يمكن أن تتكلم بالعامية لا بأس بهذا؛ فهي تواصلية نفعية في المقام الأول؛ فأنا لا أرى إشكالاً فيها إذا بقيت في إطارها الشفوي؛ فلست أرى منها خطرًا كبيرًا على اللغة. نعم هي تؤثّر في اللسان حين يستكين إليها؛ فيضعف نطقك بالفصحى وفهمك إياها إذا لم تتكلم إلا بالعامية. ولكن الخطر كل الخطر هو بنقل العامية من كونها شفوية إلى أن تصبح مكتوبة، وتصبح لغة تدوين وثقافة، وتُمجد، ويُنفخ في نارها، وتقام للشعر العامي مسابقات وندوات ومؤسسات.
الحقيقة إن التعليم في أساسه هو لرفع الجهل، ولا يكون ذلك إلا بتعلم اللغة الفصيحة التي يمكن أن تقرأ بها القرآن، وتتلقى علوم الشريعة والتراث والإنتاج الفصيح.. فإذا كنت تدون بالعامية فأنت تهدم التعليم، وإذا كنت تنفخ في نار العامية فأنت تهدم التعليم والثقافة.. والعامية تعجز عن أن تكون لغة علم ولغة ثقافة، ثم إنها - أي العامية - تزيد العرب تفككًا. هَبْ أننا شجعنا ومجدنا إحدى اللهجات، فهل يقبل الناطقون باللهجات الأخرى تنحية لهجاتهم؟ أي منحدر خطير سوف يصل إليه العرب إذا وصلوا إلى التعليم والتدوين بالعامية؟! وبالمناسبة، ظهرت بدعة سيئة جدًّا في السنوات الأخيرة، هي تعريب أفلام الأطفال باللهجات (المصرية والنجدية والخليجية...)!
* الدراسات الأدبية الأخيرة التي أنجزتها كـ «تنورتها من أذرعات» و»الحدقة والأفق»، ما الذي تريد أن تقدمه للقارئ من خلال هذين الكتابين؟ وما سر الإبداع الفني في صياغة عناوينك؟
كتاب «تنورتها من أذرعات» هو في الشعر، وكتاب «الحدقة والأفق» في النثر، وفيهما جمعت الأشباه والنظائر. وما فيهما ليس من البحوث التي لا يفهمها إلا المتخصصون؛ فدراستي لـ(المقصورات) - مثلاً - يمكن أن يقرأها أي متخصص بالنحو والتاريخ والجغرافيا، وكذلك دراستي للخبرين المنقولين عن عيسى بن عمر اللذين استنبطت منهما أنه كان مصابًا بنقص السكر في الدم! فلذلك لا أخاطب بالكتابين المتخصصين فحسب؛ إذْ أكثر ما فيهما يمكن أن يفهمه غير المتخصص؛ إذ ليس معمقًا ولا وصعبًا؛ ذلك أنني أميل دائمًا إلى الاقتراب من المتلقي.
أما العنوان فقد نحوت في إصداراتي الأخيرة إلى أن أجعل في العناوين شيئًا من الشعرية ومن الغموض الشفيف تاركًا العناوين المباشرة. وفي كتاب «تنورتها من أذرعات» اقتبست جملة العنوان من معلقة امرئ القيس مشيرًا إلى أني نظرت إليها من بُعد لأجل أن أُلمِح إلى أن ما قدمته من هذه البحوث هو مقاربة لتلك القضايا وليس غوصًا فيها، ولا معرفة عميقة بها؛ لأنه يصعب علي هذا. والباحث الذي يحترم عمله ومتلقيه يعلم أنه يصعب عليه أن يحيط بكل شيء. أما الكتاب الآخر «الحدقة والأفق» ففيه أشرت إلى أنني وسمته بذلك؛ لأنبه إلى اتساع الموضوع؛ فالأفق واسع، والحدقة لا يمكن أن تدرك كل هذا الأفق؛ فأنا أقدم بحوثي ورؤاي النقدية في هذا النثر وأنا مدرك ضعفي عن استيعاب الموضوعات؛ لأن المادة العلمية واسعة، ولأن المدونة وإن قلّت قد يضعف الباحث عن استيعاب كل ما يمكن قوله فيها، وربما مرّ ببعض قضاياها مرورًا عابرًا عجزًا أو غفلة.
* لماذا لا يساير النقد حركة الإبداع السعودي، وأغلب نقد الإبداع السعودي يأتي من نقاد غير سعوديين؟
- حقًّا، النقد لا يساير الإبداع السعودي، وكثير من الدراسات المسايرة للإبداع السعودي تأتي في رسائل علمية ضعيفة أحيانًا، يكتبها طلاب مبتدئون في دراساتهم العليا، فيأتون بكلام عام لا يمكن أن يدخل في النقد الأدبي بمفهومه الصحيح. والمشهد النقدي بشكل عام مقصّر، والنقاد السعوديون الذين ننتظر منهم مسايرة الإبداع السعودي مقصرون، ولاسيما من كان عملهم نقديًا بحتًا، بمعنى من كان عملهم النقد، وليس ممن شغلهم الإبداع والنقد، كأن يكون شاعرًا وناقدًا، فهذا قد تعذره؛ لأن الإبداع يزاحم ما عداه، والإبداع في الغالب يطرد النقد ويضعفه.
أما الدراسات النقدية التي ينجزها غير السعوديين فأنا سيئ الظن بأغلبها. ومن خلال المتابعة رأيت أن أكثر هذا النقد نتاج صداقات ومجاملات، وبعضها يكون مدفوع الثمن، وغالبًا تكون دراسات سطحية، وللأسف تُدرَج في الدراسات التي أنجزت، فينقد الأدب السعودي. وقد كتبت مقالة قديمة بعنوان: «المتاجرون بأدبنا»، تحدثت فيها عن الموضوع، وقصدتُ التنبيه إلى خطورة الاحتفاء بذلك الخِداج، وأستثني من ذلك نتاج أساتذة كبار، عنوا بنقد الأدب السعودي نقدًا علميًّا مثل طه حسين، وبكري شيخ أمين، وبدوي طبانة، ومحمد الشنطي.. وغيرهم.
* ما موقفك من شعر التفعيلة، والشعر العمودي الذي تسميه الشعر التناظري؟
- موقفي بأن القصيدة التناظرية «العمودية» هي البنية الموروثة الأم التي لا يمكن أن تتزحزح، وهي باقية من خلال ما رأيت في متابعتي لتاريخ الشعر العربي، مهما سخروا وحاولوا التقليل منها. أما شعر التفعيلة فهو ابن شرعي للقصيدة العربية؛ لأنه تفعيلة، ولكنه أعطى لنفسه الحرية في الامتداد والانقباض. أما ما عداه من الأشكال الحديثة فليس من الشعر، ومنه ما يسمى (الشعر المنثور أو قصيدة النثر)، ولا يعني ذلك ذمه ولا انتقاص أهله؛ فبعضه فن راقٍ جميل، لكن لا يطلق عليه شعر. الإيقاع والبحور جزء أصيل في الشعر، وليست الشعرية المعيار في دخول هذا الفن في مجال الشعر؛ فالرواية والقصة والخواطر المليئة بالشعرية لا تسمى شعرًا. الأجناس الأدبية لها حدود وقواعد وأركان.. نعم قد تتداخل، لكنها تتمايز، ولولا التمايز لما استمتعنا بها.
* هل تميل لقراءة الرواية؟ وهل ستكتب رواية؟ ولاسيما أننا نعيش زمن الرواية كما يقال؟
- لست ميالاً لقراءة الروايات، وما قرأت من الروايات قليل جدًا. وقد كدت أتخصص في الرواية في مرحلة التخصص (الماجستير)؛ إذ قدمت مشروعًا عن (قضايا الإنسان في روايات نجيب محفوظ) بعد أن قرأت كثيرًا من رواياته. والحمد لله أنني لم أتخصص في النقد الروائي، ليس لأني أستصغر النقد الروائي، لكني لا أحبه، ولا يستميلني. أحب الشعر ونقده أكثر مما عداه.
ولا أظن أنني سأكتب رواية؛ لأنني لا أميل لها. وبمناسبة سؤالك أقول: الرواية فن عظيم، استسهله كثيرون. والنقد الروائي نقد عظيم، استسهله كثيرون أيضًا.
ربما نكون في زمن الرواية، ولكن لن يستغنى الإنسان عن الشعر.
* ما موقفك من قضية الأدب الإسلامي؟
- لا أوافق على مصطلح أدب إسلامي؛ لأنه بني على افتراض خاطئ، وهو أن الفكرة الإسلامية يمكن أن يسايرها إبداع فني مستقل متصل بالإسلام. والحقيقة إن الأدب لا يسمى أدبًا بالنظر إلى مضمونه، بل بالنظر إلى شكله وقالبه. والشكل والقالب ليس لهما انتماء، هما محايدان، كالورقة التي لا توصف بأنها إسلامية، لكن إذا كُتب فيها آيات من كتاب الله صارت ورقة تشرّفها وتحترمها، وإن كُتب فيها شتائم تمزقها، ليس لذات الورقة لكن لشرف ما كتب فيها أو لسفُوله؛ لذلك أرى أن النقاد العرب القدامى كانوا أرحب صدرًا؛ إذْ كانوا يقبلون الأدب كله، وإذا وجدوا ما يخالف القيم الإسلامية أشاروا إليه؛ لذلك رووا شعر النصارى، حتى إن ابن قتيبة - وهو رأس أهل السنة في زمانه - ذكر الأخطل، واختار شعرًا له في هجاء المسلمين! فهنا اعتراف بشاعريته ورحابة صدره لسماع ما قال، وليس كما يفعل الذين يدعون إلى الأدب الإسلامي الذين يرفضون أي شعر غير منتمٍ لرابطة الأدب الإسلامي، أو يقبلونه على مضض، ولا يسمونه شعرًا إسلاميًّا.
وكذلك لا يمكن أن يكون ما يسمونه النقد الإسلامي مستقلاً وذا شخصية ومنهجية مختلفة، بل هو جزء من مناهج النقد المضموني أو الخلقي والديني، وهو موجود عند القدماء؛ فقضية الأدب الإسلامي مع كثرة الدراسات والمنتمين إليها لم تستطع أن تقنعنا بوجود نظرية نقدية يمكن أن يعول عليها.
* قبل فترة أُنشئ المجلس الأعلى للثقافة المتعلق بتحقيق رؤية المملكة 2030، ما رؤيتك لاستشراف المشهد الثقافي والأدبي في المملكة العربية السعودية؟
- أنا متفائل إذا تمايزت الأمور، ولم تتداخل الصلاحيات؛ فالتفاؤل هو سيد الموقف، لكن نطمح إلى أن يكون أمام هيئة الثقافة خطط مرسومة لتشجيع الثقافة ودعم الحركة الثقافية بعامة، وألا نكتفي بالقشور.. فمثلاً، قضية المهرجانات والندوات والمؤتمرات التي ليس وراءها كثير من الفائدة للمجتمع وثقافته آمل أن نتخفف منها؛ لأنها في الغالب تكون ذات ضجيج إعلامي، ولا محصل من ورائها.
الثقافة الحقيقية هي الثقافة التي ترتفع بالمجتمع، وتدله على الطريق الصحيح في اكتساب المعرفة، وتوظيف المعرفة، وفي التلاقح الثقافي، وتقبّل الرأي الآخر، وفي أشياء كثيرة نطمح إلى أن تتحقق بإنشاء الهيئة.
* ما رأيك في دور الأندية الأدبية في المشهد الثقافي القادم إن شاء الله؟
- الأندية الأدبية يبدو لي أنها استُنفدت، أو انتهى تاريخ صلاحيتها. المفترض الآن أن نتوسع، ونحوّلها إلى مراكز ثقافية. لا ينكر أحد أثر الأندية فهي قدمت الكثير، وأثارت النقاش، وخدمت ونظمت ملتقيات، ولكن - كما قلت - انتهت صلاحيتها. المفترض الآن أن نطورها إلى المراكز الثقافية؛ فتجمع الأديب والمؤرخ والجغرافي وأصحاب الرسم والفن التشكيلي وغيرهم، وتوضع لها خطط أوسع وأكبر مما نراه الآن للأندية الأدبية.
* نشهد في الساحة الاجتماعية السعودية مؤخرًا ظهور المجالس الثقافية أو الصالونات الثقافية التي يعقدها بعض وجهاء المجتمع. ما رأيك بها؟
-من مظاهر عافية المجتمع أن تكثر فيه هذه الندوات. وهي مبهجة عندما ترى أن فلانًا من الوجهاء، يفتح بابه لا لشيء إلا ليجتمع أهل العلم والأدب والثقافة والفكر، ويتبادلون الآراء الفكرية والأدبية. أرى أنها من كبرى مظاهر الاهتمام بالثقافة والأدب في المجتمع، وهي من مظاهر نهضة المجتمع، وينبغي أن تشجَّع.
* هل لغياب المؤسسات الرسمية، كالأندية الأدبية، أثر في ظهور الصالونات الثقافية؟
- لا، الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والجامعات تقوم بدورها، ولكن العبء كبير، فإذا تقاسمه المجتمع مع الهيئات والمؤسسات زاد أثره؛ لأن النادي لا يعرف موقعه كل أحد، ولا يستطيع الجميع الوصول إليه. وقد لا يريد الجميع الذهاب إليه للطابع الرسمي الذي قد يؤخذ عن هذه المؤسسات. أما الصالونات الثقافية ففيها أريحية وبُعد عن الكلفة الرسمية.
* أحب أن تختم الحوار بقضية تحب أن تتحدث عنها. المساحة مفتوحة أمامكم..
بحكم اهتمامي بالبحث العلمي وتدريسي للمقررات في الدراسات العليا أرجو أن تولي وزارة التعليم البحث العلمي ما يستحقه من عناية ومتابعة دقيقة؛ لأن مجتمع البحث العلمي بدأ يتسرب إليه الفساد، في التساهل في قبول كل من هب ودب في الدراسات العليا، وفي ضعف التمحيص للرسائل العلمية، وفي دخول المجاملات في تشكيل لجان المناقشات، وفي تقدير الدرجات في الرسائل المناقَشَة، وفي التغاضي عن الأخطاء والسرقات العلمية ومحاولة دفنها..