د. محمد عبدالله العوين
أظهرت مصادر إعلامية حجم الأموال المسروقة من خزينة الدولة والتي وصلت في حسابات أحد لصوص المال العام إلى 16 مليار دولار أي ما يعادل أكثر من 50 مليار ريال سعودي!
ثروة تعادل ميزانية دولة صغيرة؟!
وكشفت مصادر مختلفة حسابات عدد من المقبوض عليهم؛ فلم تعد كتابة أرقام أرصدتهم بالملايين كما تعودنا في سنوات قديمة مضت؛ بل بالمليارات، وكأن من لا يُكتب رصيده بالمليار فقير تحل له الصدقة!
أمراء ووزراء ورجال أعمال وقضاة وكتاب عدل فاسدون ومسؤولون في شركات كبرى ووسطاء وخدام منتفعون وصامتون على الفساد يأتيهم الفتات وممضون جهدهم الأكبر البصمة والختم أو التوقيع على الصك أو الشيك أو المبايعة ثم تندلق الملايين في حساباتهم أو تفرغ ملايين الأمتار من الأراضي بأسمائهم!
لم يسرق هؤلاء المزيفون ثروات الوطن فحسب؛ بل سرقوا الفضيلة والقيم وكل جميل تعلمناه ثم أنفقوا شيئا قليلا من الفتات على وجوه البر أو الصدقات باليسير الذي لا يكاد يذكر درءا للقيل والقال وتسكيتا للسؤال وتجميلا لقبح الحال وتطهيرا للمال، وأين وكيف يتطهر مال اغتصب من أصحابه ثم زعم التصدق بفتات منه «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا».
لم يسرق هؤلاء المال من جيوب الناس فحسب؛ بل سرقوا أحلامهم في سكن مريح ووظيفة مناسبة وفرص عمل مفتوحة، سرقوا أحلام وطن يتوق إلى الانطلاق بكل طاقاته العقلية والإبداعية والمالية لتحقيق آماله في النهضة والتطور مختصرا عقودا من الانتظار والصبر والتردد والتأجيل؛ بسبب آثار جرائم المفسدين وما تركته من آلام وندوب في وجدان الوطن وقلوب المواطنين.
لقد أنشأ الفاسدون اللصوص بملياراتهم الحرام في مجتمعنا السعودي طبقة محدودة العدد تستأثر بكل شيء وتحرم غيرها من الطبقات من كل شيء.
أنشأ الفاسدون طبقة ثرية فاحشة الثراء مترفة بالغة الترف تعيش في عالم مخملي آخر معزول عن عالم المواطنين من حولهم؛ فهم يعيشون في قصور يمتد القصر الواحد منها كيلومترات لا مئات الأمتار، لا يصلون إلى غرف منامهم في قصورهم إلا بالسيارات، وكأنهم في جزر أخرى نائية مستقلة لا علاقة لهم بمن حولهم ممن لا يملك كثيرون منهم مترا واحدا في قارة مساحتها ملايين الكيلومترات، أو آخرين يسكنون أكواخا أو علب كبريت، أو آخرين ينامون كعائلة في غرفة أو غرفتين!
لم يسرق الفاسدون المال فحسب ؛ بل سرقوا مع المال أحلام الشباب العاطل ، وآمال الموهوبين أصحاب القدرات والكفاءات النوعية النادرة الذين تضيع خيالاتهم الجميلة وما بنوه من آمال في الهواء بعد طرق باب إثر باب للبحث عن موضع قدم بين زحام الأقدام المحسوبة المتمكنة المدعومة في قطاعات كثيرة من الوزارات أو الشركات.
إن من سرق المال وكنز المليارات بموقعه الوظيفي أو علاقاته الخاصة بأصحاب النفوذ في أي موقع كان المدعومة بنظرية تبادل المنافع قادر أيضا على الهيمنة المطلقة على كل الفرص الجيدة في المواقع الوظيفية المميزة فيبر بها المحظيين من أبناء وأقرباء وأصدقاء وأخوال وأنساب ومنتمين إلى منطقة أو إقليم.
لقد كون الفاسدون محميات عمل عائلية أو قبلية أو مناطقية لا يقترب منها غيرهم!
لم يكتف الفاسدون بما اقتطعوا وخربوا ودمروا من رصيد الوطن وثرواته المالية فحسب ؛ بل سهلت لهم الثروة الحرام الطارئة شراء الذمم وزينت لهم تلويث الضمائر؛ فخربوا ما استقر من فضائل، فلم يعد الصدق فضيلة ، ولا النزاهة خلقا كريما، ولا المال الحرام قطعة موعودة من النار؛ بل وعودا فارهة باذخة من المتع والأرائك والطنافس والألماس والحرير.
قلب الفاسدون موازين الأخلاق الفاضلة ؛ فصار الصدق غباء، والنزاهة جبنا، والخوف من الحرام ضعفا، والإخلاص سفسطة مدعاة، والطيبة شعارا للكسب والوصول، وصارت انتهاز فرص الإثراء بالحرام ذكاء، وعدم الإقدام على سرقة ما تيسره الوظيفة غباء، والتلون بجميل القول نبوغا وعبقرية.
حان تطهير الوطن ممن اغتال أحلامه وبدد ثرواته وخان ما أقسم على الوفاء به.