عبدالوهاب الفايز
تسارعت الأحداث الكبرى محليًّا وعالميًّا، ولكن الحدث الأكبر والأبرز الذي يشكِّل منعطفًا لمرحلة جديدة هو تشكيل اللجنة العليا للتحقيق في الفساد بالمال العام والإخلال بالصلاحيات والمسؤوليات؛ فهذا سوف يوضع في إطار الحدث الأبرز في التاريخ العربي المعاصر..
حدث يأتي في سياق توجُّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - لمواصلة الإصلاح والتطوير؛ لكي يعزز الجبهة الداخلية، ويضعنا على حقبة جديدة، تؤسس للدولة السعودية الرابعة بكل استحقاقاتها السياسية والاجتماعية والإنسانية.
وكل الخطوات والقرارات التي يتخذها الملك تؤكد حرصه على تكريس ثوابت ومبادئ الحكم والدولة التي وضعها الملك عبدالعزيز - يرحمه الله -، وهذا هو الذي يجعلنا نقف داعمين ومؤيدين ومبتهجين بالإصلاحات الكبرى في آليات عمل الحكومة. ويأتي الآن في أولويات الملك سلمان وسمو ولي العهد ضرورة حماية الدولة من آفة الفساد التي تقوض ثوابت الحكم، وتضع الدول والشعوب في مسار الخراب والتفكك.
حماية الدولة ووضعها في المسار الصحيح الذي يأخذها إلى 100 (مئة سنة) قادمة بدأه الملك سلمان عبر مسارات عدة، من أهمها تعزيز قيم ومبادئ النزاهة وحماية الدولة من الفساد. والملك سلمان ينهض بهذه المهمة الكبرى، يسنده في ذلك إيمانه بالله وخوفه من الحساب يوم يقف أمام ربه، ويسنده مسار ومنهج حياة، اختطه لنفسه، وعمل به، وربى عليه أبناءه؛ فقد كان القدوة في احترام مبادئ الدولة وثوابتها، والقدوة في احترام الوقت المخصص لمصالح الناس؛ فلأكثر من خمسين عامًا لم يتأخر عن موعد قطعه مع الناس في المناسبات العامة أو الخاصة احترامًا للناس وتقديرًا لأوقاتهم ومصالحهم. والحد الأقصى لأية معاملة في مكتبه هو 24 ساعة؛ فمصالح الناس لا تُعطل أو تؤجل.
كما كان الأكثر حرصًا على اتباع أنظمة الحكومة وقراراتها، وعدم تجاوزها أو الإخلال بها، وكان أيضًا شديد الحرص على حماية مؤسسة القضاء، واتباع إجراءات التقاضي والمرافعات، وكان لا يتحرك في شكوى أو قضية شخصيه إلا بعد توثيقها في المؤسسات الأمنية والقضائية، وفي هذا حماية للعدالة والخصوم، وحماية لولي الأمر؛ حتى لا يغلبه الهوى أو العواطف.
الحكم العادل الذي يتوجس الخوف من الله سبحانه وتعالى تجربة قاسية صعبة، تهد الجبال من الرجال؛ لأنه ممارسة ممتدة، لا تعرف العواطف حين الفصل بين الحق والباطل (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).. هذا هو مبدأ الحكم ومصدر ديمومته، ومصدر النجاة من كدره.
هذا المنهج العادل الصارم في ممارسة الحكم وحماية مصالح الدولة هو منهج مؤسس الدولة الأولى محمد بن سعود، ومنهج الإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة الثانية، ومنهج الملك المؤسس عبدالعزيز في الدولة الثالثة، والآن الملك سلمان يضعه الأساس لبداية الدولة السعودية الرابعة التي سوف ينهض بها الجيل الرابع من أحفاد الرجال الذين قادوا وجاهدوا وناضلوا مع الملك عبدالعزيز لأجل بناء الدولة التي ننعم بخيرها، ونتطلع إلى أن تكون مظلة الخير والنماء والاستقرار للأجيال القادمة.
الحزم والعزم في مواجهة الفساد كانا الهدف الأسمى الدائم للملك سلمان ولسمو ولي العهد. والملك سلمان أراد أن يكون إطلاق المشروع متكامل العناصر، مسنودًا بالأدلة القانونية، وأيضًا أن يكون مستهدفًا الوقائع والجرائم والتعديات الكبرى ذات الأثر المتعدي على مصالح الدولة وحقوق الناس، وهو ما تضمنه الأمر الملكي بإنشاء الهيئة العليا ذات الصلاحيات الضرورية الواسعة التي تساعدها في إتمام مهامها بدون تعطيل.