ما من شك أن غياب من لهم دور إيجابي مشرف في محيطهم الأسري وفي ميادينهم الاجتماعية يُحدث فراغاً واسعاً، وحزناً طويلاً يظل مقيما بين الجوانح والقلوب أزماناً وأعواماً مديدة على تعاقب الأجيال جيلاً بعد جيل، أسفاً على بعدهم ومبيتهم تحت طيات الثرى.. مُجاوري قوم لا تزاور بينهم..!، فالسعيد من يدعى له بالمغفرة ويبقى ذكره طرياً في النفوس، فالمرجو من المولى أن يكون الشيخ الكبير محمد بن إبراهيم السبيعي من الذين يؤتون أجرهم مرتين، جزاء ما قدمه من حسنات وأعمال جليلة خيرية عامة على مدى عمره المديد المبارك يتعذر عدّها وحصرها - رجاء المثوبة من رب العباد، ولقد أطلّ وأهلّ على الدنيا عام 1333هـ بمدينة عنيزة، إحدى كبريات مدن القصيم حيث باكره اليتم، صغيراً فظل يُكابد مرارته، ثم درس في أحد الكتاتيب لتعلم الكتابة، وقراءة القرآن الكريم وحفظ ما تيسر من الآيات وقصار السور..، مع تلقيه مبادئ في العلوم الشرعية، وما يتعلق بشروط أداء الصلوات الخمس، وعند بلوغه الحادية عشرة من عمره اتجه مع عمه.. صَوب مكة المكرمة لأجل طلب المعيشة ومزاولة بعض الأعمال المهنية المعينة على ذلك، لسد حاجته، وذلك لعدم توافر فرص العمل بمهوى رأسه ورؤوس آبائه (عنيزة)، وكأنه قد سمع قول الشاعر:
نقّل رِكابك عن ربع ظمئت به
إلى الجناب الذي يهمي به المطر
وعند وصوله مكة المكرمة بدأ يعمل صبياً عند عمه متنقلاً في مواقع أخرى مماثلة لعمله لدى عمه... ثم استقل في مزاولة بعض الأعمال التجارية من عقار وصرافة مع شقيقه عبد الله، فأخذت الدنيا تنمو شيئاً فشيئاً حتى كبرت واتسعت جوانبها، فأصبحت من أكبر المؤسسات الوقفية الخيرية لرعاية الأيتام والفقراء داخلياً وخارجياً - غفر الله له ولوالديه - وقد انتقل إلى رحمة الله بعد حياة طويلة جاوزت عبور الهُنيدة بخمسة أعوام حافلة بإخلاص العبادة لمولاه، وبالسمعة المعطرة بالثناء، وبالبذل والعطاء بسخاء في أوجه البر والإحسان،
فأديت الصلاة عليه بعد صلاة مغرب يوم الجمعة 26 - 11 - 1438هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام، وووري جثمانه الطاهر في مقبرة الدرعية - تغمده المولى بواسع رحمته - مخلفاً ذرية صالحة تدعو له وتجدد ذكره الحسن:
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى
ولقد ضاق قصره وما حوله بأعداد كبيرة جداً من المعزين فيه من علماء وأمراء ومحبيه، وكان ذا صلة مستديمة مع فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمهما الله - المعني بالعطف على الأسر المحتاجة في الداخل والخارج، فهو محبوب لا ترد شفاعته ولا تعريفه بأحوال المحتاجين، كما أن - أبا إبراهيم - يتلذذ بالبذل في أوجه البر والعطف على المساكين الذين قست الحياة عليهم بتأمين مساكن لأيتامهم وأراملهم مع منحهم المال الوفير:
ستلقى الذي قدمت للنفس محضراً
فأنت بما تأتي من الخير أسعدُ
ولي معه بعض الذكريات الخفيفة منذ عقود مضت.. حيث نلتقي به عند صديقه العم الحبيب عبد الله بن إبراهيم الخريف - رحمهما المولى - فيعرض علينا زيارته في منزله، وكلما نسعد بالسلام عليه في بعض المناسبات مثل مناسبات الزواجات وغيرها يؤكد علينا بذلك.. ولئن غاب عن نواظرنا - أبو إبراهيم - وبات في باطن الأرض فإنَّ ذكره الجميل باق في خواطرنا مدى العمر:
لعمرك ما وارى التراب فعاله
ولكنما وارى ثياب وأعظما
تغمده المولى بواسع رحمته وألهم شقيقه الشيخ عبد الله، وأبناءه البررة، وبناته الفضليات وعقيلته وأحفاده، وكافة أسرة السبيعي والسماحي الصبر والسلوان.
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف