عبدالحفيظ الشمري
تعد ثقافة الطفل وأدبه ومعارفه من أهم الأعمال الإنسانية، وأصعب الوظائف في الحياة المعاصرة، بل إنها تمثل منعطفاً مهماً في رسالة الإنسان تجاه شريحة مهمة من المجتمع الذي يعول عليها كثيراً في بناء الحياة، وتطوير الوعي، وخلق مناخ استشرافي يطل على المستقبل بطروحات عصرية.. ليتأكد فيها أن الثقافة هي المحور الرئيس في بناء الشخصية التي ستتدرج من حياة الطفل، وتربيته، وتعليمه، واكتسابه لمهارات الحياة بشكل مثمر وفاعل.
ومن هذا المنطلق فإن الطفل حينما يبدأ في اكتساب لغته، وتطوير مفاهيمه يحتاج إلى مشروع مادي ومعنوي متكامل، ينطلق من ثلاثة محاور رئيسية هي: (المنزل والمدرسة والمجتمع) فهذه المحاور محطات مهمة في بناء سلوك الطفل، وتطوير ثقافة، وصقل موهبته، كما أنه لا يمكن أن تقوم أي جهة أو مرحلة من هذه المراحل بمفردها.. لذلك يصبح أمر التربية والتعليم والثقافة المجتمعية العامة تكاملياً بامتياز.
فتقع على المنزل المهمة الأولى التي تتطلب توسيع مدارك الطفل وصياغة مفهوم سلس للثقافة والمعرفة التي تشتمل على القيم والمبادئ، وجرعات من التلقين العفوي لأفضل التجارب، وأجمل القصص، وأبهى الألوان التي يتفاعل معها ويخوض في تفاصيلها.. فما لم يكن للأسرة دور فاعل في بناء شخصيته وبذور تجاربه الأولى فإن الطفل قد ينصرف عنها، وقد يصل إلى المدرسة وهو غير قادر على ترتيب معارفه، وانتظام أفكاره، وقد يكون عالة على رسالة التعليم، والحياة الاجتماعية.
إلا أن ما يلاحظ في حياة الطفل بين المنزل والمدرسة هو حيز زماني مهم جدا يتمثل في عامي (رياض الأطفال) و(التمهيدي) حيث يتطلب تهيئة الطالب لمرحلة التعليم، وتدارك ما يمكن تداركه، وبناء ثقافة مهمة تكفل له مواصلة التحصيل العلمي، وبناء شخصيته، وتطوير ملكاته وقدراته؛ ليكون عاملا فاعلا من عوامل البناء في حياة المجتمع.
لم تعد الأمية بمفهومها التقليدي ـ كتابة وقراءة ـ هاجسا مهما في رسالة التعليم على وجه التحديد إنما تخطاه الأمر نحو معالجة الأمية الثقافية والمعرفية التي باتت هي الضرورة الملحة في بناء الإنسان وتطوير أداءه، وتحسين انجازاته، لذلك فإن أمر إجادة الكتابة والقارئة لم يعد كافيا إنما هو أداة لمزيد من التعلم والتثقف، وبناء الذات بوسائل تعليمية حديثة؛ تجعل من المعارف والعلوم بمختلف أنواعها رسالة مهمة.
فمن المناسب أن يكون هناك تحرك واضح، وقوي، ومؤثر في مسيرة الإعلام بمختلف قنواته وبرامجه لجعل مشروع ثقافة الطفل بناء للعقل والعلم وليس لمجرد التسلية وحسب.. كما أنه لا بد أن يكون هناك تعاضد وتمازج بين العلم والتسلية والترفيه، لتكون استفادة الطفل في هذه المشاريع مضاعفة، وهذا لن يتأتى ما لم نعد ترتيب بناء الذات لتحقق رسالتها مع المجتمع بوصفه ركيزة مهمة من ركائز بناء الذات والثقافة والمعرفة.