بعد ستة إصدارات منوعة؛ منها مجموعة قصصية، ومجموعة قصصية قصيرة جداً، تطل علينا الدكتورة زينب إبراهيم بروايتها الجديدة (هياء) الصادرة في فبراير 2017 عن دار مدارك.
قبل أن أوغل في تفاصيل الرواية لا بد أن أقف وقفة يسيرة عند عنوان الرواية، فلأول وهلة سيظن القارئ - وبخاصة غير النجدي - أن لـ (هياء) معنى معجمياً يجهله، وقد يستنجد بأحد معاجم اللغة للبحث عن هذه المفردة، إلا أنه سيكتشف منذ الصفحات الأولى للرواية أن هياء ما هي إلا تفصيح لاسم شائع في البيئة النجدية قديماً ولا يزال مستخدماً إلى يومنا هذا هو (هيا). ولو سلمنا بأن المؤلفة رأت أن من حق اللغة العربية عليها أن تحول الاسم العامي إلى فصيح فأضافت الهمزة المتطرفة لطالبناها بوضع همزتين لاسم آخر تردد في الرواية هو (لولوة)!
هذه الرواية تتناول - دون أن تعالج - قضية زواج السعودي سراً من خارج بلاده، وترْك زوجِه دون أن يسأل عما حدث بعد!.. فقد تزوج والد هيا من قطر عربي شقيق أثناء زيارته لهذا البلد وغادر دون أن يوثق زواجه هذا أو يُعلم أُمَّ أولاده أو أقاربه. ويشاء الله أن يُتوفى والد هيا، وتمضي الأيام إلى أن تكتشف هيا مصادفة أن زوج زميلتها في العمل (جمالا) ما هو إلا أخاها!
هذه - في رأيي - خلاصة الرواية ومحورها، على الرغم من مجموعة القصص التي شكلت الرواية، وكأن القصة القصيرة ما زالت تفرض سلطتها على المؤلفة!..
بعد رحيل والد (جمال) بسنوات ماتت أمه، واضطرت جدته (أمينة) لأن تبدأ رحلة البحث عن أسرته، فأخذت الطفل الذي لم يتجاوز الخامسة في رحلة للعمرة، وهناك تخلفت لتنتقل بعد ذلك إلى الرياض للبحث عن أسرة زوج ابنتها - والد جمال - وتعيش على الكفاف وتربي ابنها وتعلمه إلى أن حصل على بعثة للولايات المتحدة، ويعود بشهادة الهندسة ليعمل في وظيفة محترمة ويتزوج بعد إلحاح الجدة وتنفيذاً لرغبتها من (أمل) زميلة هيا!
لكن أعجب ما اشتملت عليه الرواية أن جدة جمال نسيت هدفها من الرحلة إلى الرياض وهو البحث عن أسرة حفيدها، حتى إنها لم تتخذ قراراً بعد عثورها عليها، والأكثر غرابة من ذلك أن الشاب (جمالا) نفسه لم يرحب بالعثور على أسرته وهو الذي عاش طوال عمره يعاني من حياة دون هوية!.
وهنا لا بد أن أشير إلى ثغرة واضحة في الرواية، وهي تجاهل المؤلفة للأنظمة المتبعة في المملكة، فمن الصعب أن يحصل طفل ذو خمس سنوات على تأشيرة دخول للمملكة دون أوراق رسمية، وحتى لو أمكنه الدخول بأي طريقة فمن الصعب أن تعيش الجدة أكثر من عشرين سنة في المملكة وهي متخلفة عن الحج. وحتى لو تمكنت من العيش فكيف تستأجر منزلاً وكيف تمارس عملاً، بل كيف تدخل ابنها المدارس وكيف تحصل له على بعثة دراسية ويعود بعدها للعمل ويتزوج؟!
في الرواية محاولة لعرض القرية النجدية القديمة وحياة الناس البسطاء فيها من خلال حديث شيخة - أم هيا - عن قريتها، ثم من خلال رحلة قامت بها موضي - شقيقة شيخة وابنيها اصطحبت معها هيا لتريها قريتهم وبيتهم القديم، لكن انشغالها بإطلاعهم على الأماكن التي كانت تحوم حولها الأساطير والخرافات ألهتها عن زيارة بيتهم القديم الذي كان هو الهدف من الرحلة!..
ويفرض موضوع (الرحيل) على الرواية هيمنته، سواء منه الرحيل المكاني من موقع لآخر، أو الرحيل إلى الدار الآخرة. فوالد جمال يسافر لبلد عربي يتزوج منه ثم يتُوفى بعد أن ينجب الطفل (جمالا) وترحل جدة الطفل للديار المقدسة للعمرة ثم للرياض - مكان إقامة والد جمال. وجمال نفسه يرحل للدراسة في الولايات المتحدة ويعود. وتقوم أسرة هيا برحلة للطائف لزيارة ابنتهم نورة - خالة هيا - بعد زواجها، وتزور هيا مع خالتها موضي القرية للوقوف على حالتهم المعيشية آنذاك. وترحل عن الحياة الدنيا أم هيا كما رحل من قبل والدها وخالتها (نورة) وأخيراً صديقتها الأثيرة (منيرة) مع طفيليها في حادث حريق مأساوي!
هذا الرحيل المتكرر - ولا سيما الموت - ليس موضوعاً عارضاً في الرواية بل هو (ثيمة) غلبت على الرواية، ولذا فلا عجب إن تخللت الرواية كثير من المقولات الفلسفية التي تعبر عن الموت أصدق تعبير أجرتها الكاتبة على ألسنه المتحدثين مثل:
«الأحذية مثل الأيام صبور ومتشابهة ولكنها مختلفة الألوان». ص9
«في الصحراء لا يفكرون بالموت كثيراً، لأنه يُعَدُّ جزءاً من الحياة، هو ليس نقيضاً لها بل مكمل بوصفه ضرورة للحياة». ص97
«لا أحد يموت نيابة عن أحد يا هياء». ص137
كما تحلت الرواية بصور جميلة وأساليب مشرقة من مثل:
«أفتقدها الآن.. في صدري عصفور مبلل بالشوق يهز جناحيه لها» ص 77
«اليوم حزني أعجمي لا يقبل الترجمة» ص 142
أما لغة الرواية فهي لغة فصيحة مبسطة وبخاصة في الحوارات وأسلوبها مشرق، لكن يبدو أن الكاتبة استعجلت صدورها فلم تمنحها ما تستحق من العناية نحواً وإملاء.
وزاد الطين بلة أن الناشر لم يولِ إخراج الرواية أي اهتمام، فجاءت الصفحات ضيقة الهوامش، خالية من التنسيق بين الفقرات، وقلت العناية بعلامات الترقيم. فأتت الحوارات مرة بوضع شرطة صغيرة في بداية حديث كل محاور، ومرة بكتابة اسم المتحدث متبوعاً بنقطتين رأسيتين. بل كثيراً ما أتى الكلام مختلطاً بعضه ببعض، فلا ندري إن كنا نقرأ حواراً أم سرداً من أحد الرواة! وكثيراً ما التصقت كلمتان ببعضهما، أو انقسمت الكلمة الواحدة بين سطرين. ولولا ضيق المساحة المتاحة لهذا المقال لأوردت شاهداً - على الأقل - لكل حالة..
وأنهي مقالي هذا بوقفة أخيرة على عنوانات الفصول فقد جاء بعضها طويلاً بشكل غير مألوف، كما في الفصل الحادي عشر (تمرن على الصبر فالربح والخسارة أمران منصفان في هذه الحياة)، والفصل السابع عشر (وجوه مرتحلة يبدو أن الحب لا يباع إلا في المكتبات)!..
- سعد عبدالله الغريبي