عبدالحفيظ الشمري
مدينة «بقعاء» في الشمال الشرقي من حائل، وتبعد عنها نحو 95 كيلاً. وتعد هذه المدينة الوادعة والهادئة من أقدم البلدان في شبه الجزيرة العربية؛ فهي لا تزال تحافظ على هويتها الريفية، وطابعها الإنساني الفطري، وحياتها الممزوجة بالعراقة والأصالة، مع سعي حثيث ومتوازن إلى التطوير والبناء العصري.
فحينما تكتب لك زيارة «بقعاء» المحافظة وما حولها من قرى ومراكز ستقف حتمًا على هوية فريدة لهذه الأنحاء المتشبثة بالهوية القديمة، حتى أنك تجد أن نعتها بأنها «بوابة الريف الشمالي» حقيقة ماثلة للجميع؛ لأنها تزخر بالتاريخ العطر، والسيرة المشرفة.. فعراقة الماضي تجدها في كل مكان من هذه المدينة الوادعة.
فهي تحمل الكثير من القصص الفريدة، والحكايات المعبرة عن طبيعتها، وطباع أهلها الذين عُرف عنهم أنهم يتمتعون حتى اليوم بخصال الإنسان العربي الأصيل؛ فعاداتهم الكرم، وديدنهم صنع الجميل والمعروف، كما أن من خصالهم الرائعة الهدوء، والاقتصاد بالحديث، والحفاوة والترحيب الدافئ بالقادمين إليهم، والتوديع الحافل بمن يرحل عنهم. فهؤلاء توارثوا هذه الخصال جيلاً بعد جيل.. لترى أن الإنسان «البقعاوي» ظل علامة مميزة في القديم، وفي الحياة المعاصرة.
ونحن نذكر «بقعاء» وأهلها نعدد بداهة جمال مدن بلادنا وأهلها؛ لندرك معًا أنها جزء من هذا الوطن الجميل المترامي الأطراف، إلا أن لكل منطقة ومدينة هوية خاصة بها، ونكهة تميزها عن غيرها من المناطق؛ ليكون الجمال والتميز ظاهرًا في التفاصيل الدقيقة لكل منطقة.
فـ»بقعاء» مكان ينبض بالعراقة، وزمان يزخر بالتاريخ، وحكاية بديعة، تنثال عبق السيرة، ومضامين العطاء.. فقد ذكرت هذه المدينة في الكثير من المعاجم والتراجم والأشعار.. وحملت - على مر التاريخ - الكثير من الأسماء، فقيل إن اسمها في السابق «نقعاء» بالنون وليست بالباء.. ويعزى ذلك إلى وجودها في منخفض من الأرض، يسمى «قاع هوبان»، وقيل عنها «اللواء» أو «اللوى» حينما ذكرها الشاعر العربي الجاهلي امرؤ القيس في مطلع معلقته الشهيرة:
(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل)
ومما يؤكد عراقتها وقدمها أن «بقعاء» غنية بالكثير من المواقع الأثرية المهمة التي عُرفت قبل الإسلام وبعده، كما أنها قد عُرفت بأنها ممر للقوافل ودروب حيوية للحجاج والتجار؛ ما يعزز مقولة أنها بالفعل بوابة الريف الشمالي في بلادنا. أمر آخر أن تكوينها الصخري وصلابة أرضها أضافا عليها شيئًا من القوة والثقة بالذات، والاعتداد بالنفس، حتى أصبحت هذه المدينة على مدى قرون رمزًا من رموز العطاء والسخاء.
ارتبط اسم هذه المدينة بالزراعة والنخيل، وعلى وجه التحديد نخلة «الحلوة»، فمن لم يتذوق «حلوة بقعاء» فعليه الحرص والسعي إلى طلبها نظرًا إلى أن مذاقها حلو وطيب، وهي ثمرة جهد مضاعف وعناية فائقة من المزارع البقعاوي. أما في فصلي الشتاء والربيع فإنها تصبح فعلاً بوابة للريف لكثرة من يرتادوها أو يعبرون من خلالها إلى مناطق الصحراء الشمالية عامة.