عبدالوهاب الفايز
* في مقال اليوم أعود إلى حلقة (سلفي)، التي بُثت في أول رمضان، وتناولت جانبًا من الشأن الوطني في شقه الطائفي، أي العلاقة مع إخواننا الشيعة. وهذه الحلقة أبرزت الحقائق التي نعرفها عن حقيقة الأوضاع الإيجابية للتعايش بين الناس في الشرقية؛ إذ استقرت العلاقة في إطارها الإيجابي الإنساني الذي جمع الناس بصورة جعلت من الصعوبة معرفة من هو السني ومن هو الشيعي، وهذه من ثمار الوحدة الوطنية التي وضع أسسها الملك المؤسس عبدالعزيز - يرحمه الله -، وكان الشيعة أول من جنى ثمار سيادة الاستقرار وتثبيت أسس العدالة بين الناس جميعًا.
في هذه الحلقة من (سلفي) برز موقف أهل الحل العقد والحكمة والنخبة المثقفة من إخواننا الشيعة الذين يقفون مع بلادهم وأهلهم وناسهم، والذين يعول عليهم المبادرة لجمع الكلمة والوقوف ضد الإرهابيين المجرمين الذين يستبيحون دماء رجال الأمن. وهؤلاء النخبة تعودنا منهم سرعة الاستجابة للوقوف ضد نزعات الانشقاق والتخريب، والوقوف إلى جانب الحق، وتعرضهم للأذى والتهديد من الفئة محدودة العدد من الإرهابيين المدعومين من نظام الولي الفقيه في إيران، وهو تهديد يتجاوزهم إلى أهلهم وذويهم، ويسعى إلى تصفيتهم. والحمد لله، إن هذا الإرهاب الذي يستهدفهم لم يخفهم أو يمنعهم من مواصلة دورهم الوطني.
وما يجعلهم مطمئنين لدورهم الوطني هو معرفتهم بموقف الحكومة، بالذات أجهزة الأمن، التي تعمل بإخلاص لحماية الأنفس وحماية السلام الاجتماعي، وأجهزة الأمن ما زالت مستمرة، تقدِّم الشهداء لحماية هذا المبدأ (وآخرهم الشهيد الرائد طارق العلاقي - رحمه الله -)، وهي تحمي الناس جميعهم، لا تفرق بين مواطن ومقيم، ولا تعرف الألوان أو المذاهب، إنها تحمي النفس الإنسانية التي أمر الله بحفظها.
ونخص هنا الأجهزة الأمنية بالمنطقة الشرقية التي تقوم بدور وطني كبير، وتقدم التضحيات من أجل حفظ سلامة الناس (وخصوصًا حماية الشيعة وقياداتهم)، وتتعامل مع الأوضاع الأمنية بمهنية واحترافية عالية، لا تنجر للاستفزازات المستمرة من خلايا الإرهاب، وتقبل أن تخاطر بحياتها حتى تحمي الوحدة الوطنية.
عندما جاءت ثورة الخميني عملت على تبني سياسة إحياء الأقليات، وتحويل الطائفة لتكون الوطن البديل، وبدأت عبر عمل منظَّم خبيث خفي في إضعاف موقف الشيعة العرب في أوطانهم، وإضعاف مرجعياتهم الدينية. ومن أساليبها القذرة اعتماد أسلوب الوشاية بهم، واختلاق الأحداث التي توحي بارتباطهم بها. والحمد لله، إن بلادنا وجميع دول الخليج حافظت على سلامة بلادها عندما وضعت خطًّا أحمر تجاه التخوين أو الاتهام بدون أدلة مادية لا تقبل الشك.
ورحم الله الأمير نايف الذي انزعج في أحد المؤتمرات الصحفية عندما سأله أحد الصحفيين عن إمكانية وجود (طابور خامس) من الشيعة، فرد بحكمة وراحة ضمير الرجل الكبير قائلاً: نربأ بمواطنينا أن يكون منهم طابور خامس.
والأمير الراحل كان له دور كبير، ساهم في عزل بلادنا عن تجاذبات اللعبة الطائفية في المنطقة؛ لإدراكه خطورة لعبة النار هذه. وهذا المبدأ الحكيم لإبعاد بلادنا عن الصراعات الخارجية تكرس في عمل مؤسسات الأمن التي تعلمت كيف تواجه وتصون مهددات الأمن الوطني بالحكمة وحسن التدبير.
وهذا ما يحدث الآن في القطيف وما حولها؛ لأن المبدأ هو: ولا تزر وازرة وزر أخرى. وحين تصل الأمور إلى الأساسيات التي تقوم عليها الحياة، ويقوم على السلام والتعايش والمصير المشترك، فالمواطنون سواء في عرف الأنظمة وأعراف وروح وأدبيات الحكم والدولة.
رحم الله جميع شهدائنا في كل الجبهات، الذين ضحوا بحياتهم لكي تستمر حياتنا كريمة آمنة. ولا ننسى كل الجرحى المصابين في جبهات الشرف.