ماجدة السويِّح
بعد أن خفت ذكر داعش أثر تلقيها ضربات حربية موجعة، وحملات مستمرة لتقويض قوتها الإعلامية على شبكات التواصل الاجتماعية، تفاجئنا مجموعة الإم بي سي بمسلسل يدور حول جماعة داعش الإرهابية.
يجسد المسلسل الرمضاني «غرابيب سود» مثال على البروباغندا الحديثة لمجموعة داعش الإرهابية، فمن خلال العرض لداعش ووحشيتها وبطلان عقيدتها، تم إفساح المجال لتحوز الجماعة الإرهابية على ساعات وأيام المشاهدين، فالحديث عنها لا ينتهي بل يستمر طيلة أيام الشهر الفضيل، من خلال متابعة ومناقشة ما يشاهدونه على تويتر والفيسبوك.
المعالجة الدرامية للجماعة الإرهابية هي أداة مساعدة للترويج وترسيخ القوة المزعومة، حتى لو كانت التغطية سلبية، فثقل وسائل الإعلام مجتمعيا ودورها الإيجابي في محاربة الإرهاب قد يجانبه الصواب ويفضي إلى أثر سلبي، لتحصل الجماعة الإرهابية على ما تريد من الدعاية المجانية دون جهد يذكر.
ولعل خير حالة تجسد الأثر السلبي للتغطية الإعلامية المفرطة قضية إدمان المخدرات في المجتمع السعودي قبل أكثر من عقدين، حيث دأبت المعالجة الدرامية السلبية في تناول القضية، والترويج غير المقصود للمخدرات عن طريق الدراما المحلية، التي ركزت على تصوير المدمن في صور تثير الرغبة والفضول لمن يشاهدها بتجربة المخدر، للوصول لحالة الاسترخاء والانبساط التي يشعر بها المدمن بعد التعاطي.
«غرابيب سود» هي باختصار بروباغندا غير مقصودة للكشف عن الحياة والصراعات في ظل العيش تحت راية داعش ومحاربة الإرهاب، لكن المعالجة الدرامية تجاوزت الهدف من خلال التناول المستمر لعالم وكواليس الإرهاب التي شهدناها في النشرات الإخبارية، فالمسلسل لم يقدم سوى اجترار للواقع الوحشي الذي يملأ الفضاء الإعلامي، بواسطة حسابات الدواعش في كل العالم.
بالإضافة إلى أن المسلسل لا يخلو من ضعف بيّن في تبني أكاذيب ثبت بطلانها، ومع ذلك يستمر المسلسل في تدويرها واستهلاكها، حيث سلط الضوء على جهاد النكاح وهو ما تم نفيه من خلال التحقيقات الاستقصائية في مجلة «فورين بوليسي» وغيرها من الصحف الغربية، فلا دليل يثبت الادعاء المزعوم، فأصل الكذبة ترجع لكل من النظام السوري، وقناة تلفزيونية مغمورة تتبع للنظام الإيراني روجت للأكذوبة، وتلقفتها الصحافة في العالم دون تثبت، لتكشف التحقيقات الغربية كذب الظاهرة المزعومة.
التعامل مع قضايا الإرهاب إعلاميا يحتاج إلى إستراتيجية خاصة في العرض والمعالجة، بطريقة مسؤولة وذكية، لتفادي الأثر السلبي الذي قد يخلفه الجهل، أو التركيز على الجانب المادي، من خلال عامل الإثارة في المعالجة الدرامية، دون تفكير عميق بالعواقب على المدى القريب أو البعيد.