هاني سالم مسهور
فلسفة السياسة القطرية بدعم جماعة الإخوان المسلمين في كل الدول العربية مؤثر سلبي على استقرار الدول المستهدفة، دول كبيرة في المنطقة تأثرت بالتأثير الإخواني، غير أن اليمن كان واحداً من أكثر ضحايا جماعة الإخوان وذلك لارتباط الجماعة بالدولة اليمنية منذ نشأت الجمهورية في العام 1962م، وفيما لم تجد تلك الجماعة فرصة لوجودها في الشطر الجنوبي على مدار حقبة (1967م - 1990م) مما أسهم بشكل واضح في تلاشي كل مظاهر الإسلام السياسي الذي كان مؤثراً في الشطر الشمالي مما يعكس قوة جماعة الإخوان التي تحولت إلى شريك سياسي كامل عندما تحالف الشيخ عبدالله الأحمر والمخلوع علي عبدالله صالح قبيل ميلاد دولة الوحدة بأشهر قصيرة على مبدأ (أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب).
حتى حرب صيف 1994م لم يكن لدولة قطر من وجود لكنه ظهر لاحقاً عبر شركات اتصالات وعقارات تابعة لشخصيات قبلية نافذة ولها اعتباراتها على مختلف الأصعدة؛ لذلك لم تجد قطر من موانع تعزز من دعمها لجماعة الإخوان (حزب التجمع اليمني للإصلاح)، توثقت العلاقة بشكل أوسع خاصة مع انتشار عشرات الإرهابيين في اليمن ووجد الجميع فرصة للتواجد خاصة وأن المخلوع صالح كان أحد المستفيدين من تواجد القاعدة في الأراضي اليمنية، فهذا يعني استمرار دعم الولايات المتحدة لليمن في مجال مكافحة الإرهاب وهو ما يعني كذلك استمرار بقائه في السلطة.
جماعة الإخوان في اليمن شعرت بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بفرصة مواتية للانقضاض على السلطة، كانت الحالة الإقليمية تؤشر على صعود ما يسمى محور المقاومة آنذاك نتيجة الصوت الإعلامي المرتفع بعد أن شنت إسرائيل عدوانها على لبنان نتيجة مغامرة حسن نصرالله التي كبدت اللبنانيين والعرب تبعات سياسية لم يكن العرب بحاجة لها حدث كل ذلك بدعم وتمويل قطري، وهي التي أيضاً شجعت حزب الإصلاح لإسقاط علي عبدالله صالح قبل انتهاء ولايته.
شجعت دولة قطر حزب الإصلاح في افتعال أزمات سياسية وصلت أقصاها في 2011م عندما وقعت مواجهات عسكرية في حي الحصبة وسط العاصمة صنعاء انتهت بالتدخل الخليجي عبر تقديم مبادرة حققت ما يفترض أن يكون أفضل نموذج في الثورات العربية، ما حدث بعد ذلك هو أنه تم ضخ الأموال القطرية لتتحرك المليشيات الحوثية من صعّدة ووقعت مواجهات متوالية أدت إلى حصار الرئيس عبدربه منصور هادي وهنا تمت واحدة من أخطر الصفقات السياسية في الأزمة اليمنية، بذهاب رئيس جماعة الإخوان في اليمن، محمد اليدومي إلى جبال مران، حيث التقى زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي ليوقع معه اتفاقية (السلام والتعايش)، والتي احتفلت بها وسائل إعلام الإخوان، لتعنون كبريات الصحف الإخوانية: «سنتحالف مع الحوثيين وصالح لمواجهة عبث الرئيس هادي».
لعبت مؤسسات المجتمع المدني المملوكة لجماعة الإخوان (حزب الإصلاح) دوراً أساسياً في تضليل الرأي العام عبر سيطرة أفرادها على وسائل الإعلام، سواء المملوكة للدولة اليمنية أو المحسوبة على دول إقليمية، ومن خلال هذه المنابر الإعلامية والمؤسسات المدنية ترفع التقارير المغلوطة التي طالما سببت للتحالف العربي من أضرار ولا يمكن في هذا السياق تجاوز مئات من التقارير الإعلامية التي بثت ومازالت تبث عبر قنوات (الجزيرة القطرية) و القنوات الإخوانية الممولة من توكل كرمان (يمن شباب وبلقيس) وعشرات المواقع الإخبارية والحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي التي تعمل على تمرير تقارير تعزز مواقف الانقلابيين من أجل ابتزاز دول التحالف العربي.
مشكلة قطر أن دعمها لتيارات الإسلام السياسي في اليمن أنها لم تراعي تعقيدات المجتمع اليمني، ولو أن القطريين نظروا إلى التعامل السعودي مع اليمن الذي نشأ مع اتفاقية الطائف بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية في العام (1934م) أي قبل أن تظهر بأربعة عقود تقريباً لأدركت أن المسؤولية تجاه اليمن تنطلق من مبدأ مراعاة تلك التعقيدات دون التدخل المباشر الذي سبب شرخاً سياسياً واجتماعياً ومذهبياً هائلاً نتيجة دعم جماعة إرهابية ترغب في الوصول إلى السلطة والاستحواذ على الحكم، فمن المهم أن تعيد دولة قطر حساباتها في اليمن وتدرك مدى ما بلغه الإنسان اليمني من مأساة في الجوع والمرض والخوف.