الثقافية - حمد الدريهم:
يُزامنون توقيت الشفاه المتحركة الناطقة لحكمة أو لتجربة فريدة أو لحكاية مختلفة باللغة الأجنبية مع ترجمة إلى اللغة العربية؛ لتُبصرها أعين الملايين في مقطع فيديو بترجمة احترافية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة.. لِمَ انتشرت ترجمة تلك المقاطع القصيرة بعدما كانت محصورة على الأفلام والمسلسلات الأجنبية؟ هل تختلف تقنية ترجمتها عن الترجمة التقليدية للأعمال الأدبية والحقول المعرفية الأخرى؟ والأهم من ذلك كله هل ساهمت تلك المقاطع المترجمة في خلق وعي مختلف أم أنها أشبه بوعظ مؤقت لا يتعدى أثره الثانية الأخيرة من المقطع؟
حمد الشمري: هذه المقاطع جاءت استجابة لموضة تواصلية
لا شك أن نص الترجمة في الفيديوهات التي انتشرت مؤخرًا في مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن يكون مختلفًا. ربما يكون مختلفًا بمعنى أن يخفف عبء ما تحمله الترجمة نفسها من معنى؛ وذلك لأن الصوت الأجنبي (الأصل) والصورة في الفيديو يحملان الكثير من المعنى المراد من الترجمة أن تؤديه، بينما يحمل ذلك المعنى النصُ المقروء مجردًا وحده. هذا لا يعني بالضرورة تخفيف العبء عن المترجم بأي حال؛ فالحمل على ظهره لا يزال كبيرًا؛ لأن قرار تخفيف حمل الترجمة للمعنى كاملاً - مبنى ومضمونًا - لا يقل أهمية وجهدًا عن قرار تحميلها - أي الترجمة - المعنى كاملاً.
جاءت هذه الفيديوهات القصيرة - مترجمة أو غير مترجمة - نتيجة لفهم حديث للتواصل البشري داخل الثقافة الواحدة أو عبر ثقافات مختلفة. هذا الفهم الحديث هو بمعنى فهم ما هو مؤثر وما هو غير ذلك في وقتنا المعاصر. أما الوعي أو الوعظ أو المتعة البحتة فكلها أهداف تخدمها هذه «الوسيلة» بحسب مقصد كل معد أو منتج لهذه المقاطع القصيرة. وهذه المقاصد مهمة جدًّا في دراسات الترجمة (Skopos)، ويرى بعض منظري الترجمة وجوب اتباع هذه المقاصد من قِبل المترجمين أكثر من أهمية اتباع مبدأ أو استراتيجية في الترجمة.
الخلاصة أن هذه المقاطع جاءت استجابة لموضة تواصلية معينة في أصلها، وإن لم تكن مترجمةً، ونقلها إلى العربية جاء كوننا مقلدين لتلك الثقافات - وهذا ليس عيبًا بإطلاقه - ولعل انتشارها يكون حافزًا للإنتاج العربي المحلي بالاحترافية ذاتها. أما كونها مؤقتة فالأثر الذي أظنه أن ذاكرة التقنية «خطيرة» وكبيرة جدًّا، وستحتفظ بكل ما ينتج، واستمرار الأثر سيستمر بحسب الحاجة وبحسب الظرف، حالها حال التغريدات التويترية التي «تُـنبش» متى احتيجَ لها.
عبدالله السليمان: أثرها التوعوي يعتمد على مضمونها
لا يوجد سبب محدّد لانتشارها. كانت البداية من أحد المغرّدين، ثم انتشرت بين الجميع. ولكون بعض تلك المقاطع تجذب اهتمام المشاهد فهذا أمر أدى أكثر لانتشارها بقوّة. وهناك سبب آخر أيضًا، هو أن البعض أخذ هذه الترجمة من باب التعلّم والاستفادة لتطوير لغته وممارستها.
بالنسبة لمسألة اختلاف ترجمتها عن الحقول المعرفية الأخرى بكل تأكيد فإن الوضع يختلف جداً؛ فحينما أترجم مقطعًا قصيرًا عن ترجمة فيلم أو حلقة من أحد المسلسلات بالأفلام والمسلسلات عادة هناك نص إنجليزي ألتزم به، وأحوله من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية. أما المقاطع فتكون الترجمة سماعيّة أكثر. أستمع للمقطع أكثر من مرة، ثم أقوم بتركيب الترجمة يدوياً. وهذا مرهق جداً؛ لأن مسألة التوقيت بوضع الترجمة بمكانها المناسب يتطلّب وقتاً.
أما بالنسبة لتأثيرها التوعوي فأعتقد أن ذلك يرجع حسب محتوى الفيديو أولاً؛ إذا كان الفيديو يحتوي على موقفٍ معيّن فنسبة التأثير قد تكون قويّة، وحينها قد تساهم في خلق وعي معيّن، لكن ربما لدى البعض قد يكون الأمر أشبه بالوعظ المؤقّت فقط.
محمـد هزازي: أصبح الجميع قادراً على نقل ما يريد
يتوق العالم الحديث للانفتاح على مختلف الحضارات لجني ثمار أفضل ما قد تقدمه تلك الحضارات، ولتحقيق تناغم معيشي أكبر بين الشعوب يسوده الفهم والتقبل. وفي هذا السياق يظهر تطور خدمات الإنترنت كعامل رئيسي لتقليص المسافات بين مختلف الشعوب التي تبدو أكثر انغماساً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل الرؤى حول شتى المواضيع على الساحة العالمية، والحصول على وجهات نظر مختلفة مدفوعة بتنوع الخلفيات الثقافية؛ لذلك فإن فكرة تبادل المنتوجات الثقافية والاستفادة منها بحد ذاتها تلوح كفكرة مغرية، تلفها جاذبية فهم الآخر والانفتاح على بُعد ثقافي جديد.. إلا أن فكرة التواصل مع الآخر واستقبال نتاجه الثقافي هي في الحقيقة موضوع معقد، تلفه العديد من المخاطر. ومن هنا تأتي ضرورة التنبيه على تلقي المقاطع الثقافية المترجمة المجتزأة في وسائل التواصل بنظرة نقدية رصينة، تقيّم تلك المقاطع من حيث فائدتها وملاءمتها للوسط الثقافي المنقولة إليه. في الماضي كانت الإنتاجات الثقافية المصوّرة من حضارات أخرى تصلنا عن طريق قنوات رسمية معتمدة، كالقنوات التلفزيونية التي توظف مختصين متمكنين ثقافياً ولغوياً في اللغتين المنقول منها والمنقول إليها تحت رقابة ثقافية ذات حد أدنى واحترافية في الترجمة. أما الآن فقد أصبح الجميع قادراً على نقل ما يريد من أي حاضنة ثقافية، وبثه لملايين المتابعين مجتزأً من سياقه مما يجعله أكثر غموضاً وأقل فائدة للمتلقي، فضلاً عن الترجمة غير الاحترافية في كثير من الأحيان التي تؤثر سلباً بشكل مزدوج لضعف المترجم في اللغة المنقول منها ولغته الأم. الأخطر من ذلك هو انطواء الكثير من تلك المقاطع المترجمة على رموز ومصطلحات ثقافية غير مناسبة لمجتمعنا المسلم الذي تميزه الهوية العربية والأخلاقيات العالية التي لا تتبناها بعض الإنتاجات الثقافية لشعوب أخرى وتُمرر بلا أدنى مسؤولية للنشء.. إلا أن حب الشهرة وزيادة المتابعين جعلا بعض رواد وسائل التواصل غير المختصين بالترجمة وتقييم المحتوى الثقافي يقومون بترجمة ونشر مثل تلك المقاطع ذات المردود الثقافي الضئيل؛ لكونها تجد رواجاً بين المتابعين، إما لفكاهتها أو تقديم الغريب الجديد على المجتمع.
منذر تلاليني: ليست سوى وعظ مؤقت
أحد أسباب الانتشار يكمن في كونها قصيرة ومُثمرة؛ أي أنّها تحملُ في طيّاتها رسالة قد تكون عصيّة على فيلمٍ تبلغ مدّته قرابة ساعتين أن يوصلها للمشاهد. وإذا قمنا بمقارنتها مع الأفلام لوجدنا أنّهما لا يختلفان كثيرًا عن كونهما: قصّة قصيرة، ورواية!
الأولى عبارة عن فن يكتفي بتصوير جانب واحد من حياة الفرد، أو زاوية واحدة من زوايا الشخصية الإنسانية، أو موقف واحد من مواقف الحياة، ولا يتجاوز طولها نصف صفحة أو عدّة صفحات كحدٍّ أقصى. أما الأخرى فهي أطول أنواع القصص، وتمتاز بأنها كثيرة الأحداث، وتتعدد شخصياتها، وقد تثير قضية كبرى أو عددًا من القضايا من خلال الأحداث والأشخاص.
عوضاً عن فروق أخرى كثيرة، ولكن المقصد هو أنّ المقاطع القصيرة التي تُترجم يكون لها جمهور أكبر؛ لأنّها ليست موجّهة للجمهور السينمائي الناقد عادةً، الذي بدوره يستخرج العيوب واحدة تلو الأخرى. أما الجمهور الذي لا يميل لتيّارٍ معيّن دون غيره فعادة ما يُعجب بالمقاطع لحداثة أفكارها. وحقيقة أنّها «مُترجمة» تكفي لإضافة طابع «مُشوّق» للمشاهد العربي. أنا هنا أتحدّث عن المقاطع «الهادفة» أو التي تحمل رسالة ضمنيّة. أما تلك التي تتناول لقاءات مع بعض النجوم وما إلى ذلك فإنّها غالباً تقع ضمن الإطار الكوميدي، ولا حاجة لأتحدّث عن اهتمامنا نحن - الفئة الشابّة - بكلّ ما هو جديد للنجوم أو لمُقدّمي البرامج المفضّلين لدينا.
أما بالنسبة لـ «التقنية» المستخدمة فإنّها تختلف كثيرًا عن الترجمة التقليدية (الأدبية أو العلميّة أو أي من غيرهما) لكونها متقطعة، ومرتبطة بالأرقام والتوقيت بقدر ارتباطها بالأسطر؛ لذا أرى أنّها تستغرقنا - نحن المترجمين - وقتاً أطول من الترجمة التقليدية، عوضاً عن كونها - في كثير من الأحيان - «عاميّة».
من الصعب معرفة ما إذا أحدثت وعياً أم لا؛ لأنّه يتضمّن جزءاً فسيولوجيّاً، لا أفقه به شيئاً، والإجابة عنه تتطلب إجراء دراسة على المشاهدين، أو وجود إحصائية تجيب عن سؤالك بنعم أو لا. ولكن لو عدنا إلى تعريف الوعي لوجدنا أنّه عبارة عن مكان بين علاقات الشخص ومحيطه، والمقاطع هذه لا تتعدى كونها مقاطع تُرجمت لترفيه المُشاهد قبل توعيته؛ لذا فرأيي هو أنّها ليست سوى وعظ مؤقت، قد يدوم ليوم أو يومين، أو أسبوع، أو شهر، ولكنه غير دائم بكلّ تأكيد.
نوف علي: الناس تعيش إحساس المواد المرئية
أرى أن فكرة ترجمة مقاطع التلفاز الأجنبي والسينمائي موجودة منذ وقت مضى، لكنها كانت أقل انتشاراً. ومع وجود برامج التواصل الاجتماعي انتشرت بصورة أكبر، خاصة في تويتر الذي ساهم كوسيط سهل في إيصال المقطع المترجم لشريحة أكبر من المشاهدين والمتابعين. ولو أن جاك دورسي مؤسس تويتر سمح بأكثر من مئة وأربعين ثانية للمقطع المرفوع لرأينا انتشاراً أعظم، لكن البلاغة تكمن في الإيجاز المرئي للمقطع.
أما بالنسبة لترجمة تلك المقاطع ومدى اختلافها عن الترجمات الأدبية فأعتقد أنها هي الشيء ذاته؛ فالمقطع إذا كان من فيلم أو مسلسل سيتطلب ترجمة ترقى للـSubtitle أي لذات نصّ العمل الفني الذي كتب بدقة، أما إذا كان حديث ممثل أو إعلامي أو أي شخصية إلهامية فتكون الترجمة قريبة للفهم العام واللغة السهلة بما يتناسب مع المنطوق.
المقطع المترجم قد يصنع يومك، وقد تنساه فور إقفال هاتفك. على سبيل المثال مقاطع «تيديكس» المؤتمر العالمي للأفكار التي تستحق النشر قد تغير حياة أي إنسان، وبعضها تحمل الطرفة فتتذكره وتبتسم، وهذا تأثير بحد ذاته. وعمومًا فإن تلك المقاطع المترجمة يختلف محتواها بحسب الاختيار ورغبة المشاهد.
الناس تعيش إحساس المواد المرئية بصورة أكبر عن غيرها؛ وهنا أتذكر مقولة لغازي القصيبي فيما يخص المادة المصوّرة: «يأتي بالمركز الأول على صعيد الانتشار والتأثير البرامج المصوّرة، وسلم لي على المحتوى المكتوب».
محمد المسلّم: في المقاطع تتمّ الترجمة سماعياً
باعتقادي، إنّ السبب الرئيس لانتشار ترجمة المقاطع القصيرة هو الفكرة التي تبناها برنامج التواصل الشهير تويتر في المقاطع القصيرة؛ إذ إنّ هذا يُعد العامل الرئيسي لانتشارها؛ فمجتمع تويتر دائماً متلهّف لمتابعة وتجربة كلّ جديد في هذا البرنامج. إضافة إلى أنّ فكرة ترجمة المقاطع كانت حافزاً كبيراً لدخول بعض الأشخاص عالم الترجمة، وخصوصاً أنّ المقاطع قصيرة، ولا تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد.
وطبعاً، هناك اختلاف جذري؛ إذ إنّ ترجمة الأفلام يكون المترجم فيها ملتزماً بسكربت (النص الإنجليزي)، ويقوم بتحويل اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، بينما في المقاطع تتمّ الترجمة سماعياً ممّا يُصعب تلك المهمة على المترجم؛ كونه يعجز بعض الأحيان عن سماع الكلمة بشكلٍ صحيح إلا بعد محاولات عدة. وهناك نقطة المصطلحات؛ فغالباً تكون اللغة بسيطة وسهلة في المقاطع عكس الأعمال التقليدية والأدبية تكون مصطلحاتها ثقيلة وأكثر صعوبة من لغة المقاطع.
بالنسبة لتأثيرها، وعن مدى خلقها للوعي، فمثل هذه الأمور لا يمكنك أن تُطلق عليها حكماً عاماً؛ فذلك يرجع إلى الشخص نفسه، ومدى تأثير المقطع عليه شخصياً؛ فمثلها مثل الأفلام التي تُقدم دروساً وعبراً، فقد يتأثر بها شخص، ويكون لها دور كبير في تغيير حياته للأفضل، بينما آخر ينتهي الفيلم بالنسبة له بضغط زرّ إنهاء الفيلم.