«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما كنت فتى صغيرا كنت كثير الأسئلة، أحب أعرف الأشياء التي أراها من حولي في البيت وحتى الطريق بل وحتى في المدرسة، كنت كثيراً ما أطرح الأسئلة على من حولي بعضها يلاقي اهتماما وترحيبا من والدي ووالدتي وأفراد أسرتي، ومرة امتدت يدي لأنف والدتي رحمها الله لا تحسس «الخزامة « والتي كانت تضعها في أنفها مثل نساء ذلك الجيل والماضي الجميل، وقبل أن أسألها عن سبب وضعها في أنفها.
إذا بها بلطف تبعد يدي وهي تقول: ما بقى شيء؟! وفي الماضي كنت أشاهد العديد من النساء والفتيات وهن يضعن في أنوفهن هذه الحلقة الذهبية وبعضها مزدان بالفصوص، وكان متاحا لنا مشاهدة النساء عندما كنا صغارا لم نبلغ الحلم بعد كما يقال.
أما بعد ذلك فمن المستحيل أن تتاح لنا ذلك إلا نساء أسرته وفتيات عائلته. المهم أن مشاهدة (الخزامة) وهي في أنوف الفتيات كان متاحا لنا كثيرا خلال لعبنا معا في الحي أو داخل في «السباط» وهو المكان المسقوف والذي يقع بين بيتين متجاورين فهو مكان مناسب للعب وأمن بحكم ملاصقته لبيت كل واحد منا..فعادة في الماضي لا يبتعد الاطفال عن بيوتهم خوفا من تلك الخزعبلات، والحكايات المخيفة، عن أم السعف والليف، وحمارة القايلة.. ومعتقدات عقيمة تخيف الأطفال . المهم كنا نلعب ونرى. وذاكرتنا الطفولية تسجل داخلها. أشياء وحكايات لا أجمل.؟! وكم كانت ابنة جيراننا الصغيرة فرحة جدا جدا عندما بدأت تضع «خزامتها» بل إنها تعبر عن ذلك من خلال قيامها بين آن وآخر بمد يدها إلى أنفها لتتحسسها ولتتأكد من وجودها في أنفها الصغير.. كأنها سوف تتحول إلى عصفورة لتطير..؟! ومع الأيام ومع التطور تراجع الاهتمام «بالخزامة» كحلية جمالية تحرص عليها النساء والفتيات بل وتعتبر جزءا لا يتجزأ من مجوهراتها والثريات منهن لديهن «خزمات» أكثر، وكانت الخزامة تعتبر جزءا من ذهب النساء .
وعادة ما تصنع من الذهب أو الفضة. ويتفنن الصاغة المبدعون في صنعها وإضافة المزيد من الفصوص وحتى لمسات تشكيل ونحت في الذهب أو الفضة. ولقد كبر حجم «الخزامة» في بعض دول كالهند وباكستان لتمتد من فتحة الأنف لتصل إلى خلف الرأس ولتشكل حلقة كبيرة مزدانه بالمجوهرات الثمين والذهب الممتاز ومع هذا ومع مرور الأيام باتت لا تضعها النساء الكبيرات في السن أو بعض نساء القرى والبلدات والبادية..؟! ولكن في السنوات الأخيرة عادت من جديد كجزء من الاكسسورات الحديثة. بل اتجه إلى استعمالها ووضعها بفخر واعتزاز مشاهير نساء العالم ونجماته في الغناء والتمثيل.. ولكن هناك اهتماما كبيرا بتوظيف أحجار الألماس ضمن حلقة صغيرة بدلا من تلك «الخزامة» الكبيرة التي تحتل جزءا كبير من فتحة الأنف. كما هو مشاهد في نساء الهند وباكستان وبنغلادش.. وحتى بعض القبائل في تايلند والفلبين ونساء بدو سينا. وحتى البدويات والقرويات في بلادنا والعراق وسوريا والأردن وفلسطين واليمن وعمان والسودان والمغرب والجزائر وتونس وليبيا الخ؟! والكثير من دول إفريقيا لكنهن يضعن حلقات من الفضة، وبعض القبائل البدائية يضعن قطع من عظام الحيوانات بعد تشكيلها.. وتاريخيا تعتبر «الخزامة» من الأشياء المتوارثة منذ القدم في مختلف المجتمعات البدائية حتى وصلت إلى أن تأخذ أشكالها التي أهتم الحرفيون في صنعا، وكما أشرنا تعتبر دول شرق آسيا من أكثر الدول في العالم التي مازالت محافظة على وضعها في أنوف نسائها وفتياتها بل وحتى بعض الرجال؟!