مها محمد الشريف
الأحداث السياسة تؤكد ارتباطها بحركة العالم وبالظروف المتقلبة، وعلى وجه الخصوص ظروف المرحلة التي تزداد تشابكاً وتعقيداً، ويبدو صانع الأدوار التمهيدية لهذه التغيرات المركبة، ومثير هذه المفارقات قد قصد الانطلاق إلى النهايات من قاعدة ذات مخاطر أكبر.
في ذلك الوقت الذي أطلق فيه ترامب تحذيرات أثناء حملته الانتخابية ما زالت أصداؤها تتردد على مسامح الشخصيات السياسية الكبيرة ولم تغادر الذاكرة، وجهها لبعض شركاء الناتو الذين لا يدفعون حصة عادلة ويتوقعون من الدول الكبرى تحمل تكلفة دفاعاتهم. ولعل بريطانيا أكثر المنصتين لتلك التحذيرات والمدركة مبكراً لغاياتها، فإرث العلاقات البريطانية الأمريكية يتماهى بشكل كبير مع لغة السياسة الأمريكية..
وأياً كان الأمر، فمن المتوقع أن «تيريزا ماي» ستجدد تعهد الرئيس الأمريكي ترامب بمواصلة دعم الناتو، بعدما أثار الأخير في وقت سابق شكوكاً حول موقفه من الحلف الأطلسي أثناء حملته الانتخابية.
ومن المنتظر أن تأتي نتائج هذه التحذيرات دون إنذار مسبق، خاصة بعد أن تعهدت ماي بدعم بلادها المستمر كصديق قوي وموثوق به لأمريكا وباستمرار دعم المملكة المتحدة لمواجهة ضغوط الهجرة في القارة، بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي خلال القمة المنعقدة في عاصمة مالطا، فاليتا. والحفاظ على المحتوى والهدف الحقيقي.
أي أن كل ما يمكننا معرفته حجم الصراع داخل المجتمع السياسي وهي بالضبط تشرح أفكار الآخرين وما يستجد من ردود أفعال لقرارات البيت الأبيض، والمعروف أن بريطانيا أكثر دول أوروبا توافقاً مع الأمريكيين.
ولم يتوقف الأمر عند حد الاقتصاد بل تجاوز الأزمة الاقتصادية إلى أزمة اللاجئين وكانت من ضمن القضايا التي أثرت على موقف بريطانيا، وعلى هذا الأساس فإن محادثات الانفصال البريطاني، ستبدأ الشهر المقبل، وستستمر عامين قبل خروج بريطانيا من الاتحاد، حيث قال يونكر، في كلمة أمام البرلمان البلجيكي:
«نحتاج أعواماً للاتفاق على البنية المستقبلية للعلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي».
أضف إلى ذلك، التراجعات المشهودة لقيمة اليورو والإسترليني على 27 دولة أخرى بعد خروجها من الاتحاد، والانقسامات العميقة التي ظهرت في الاتحاد الأوروبي، كل ذلك أرجع البعض أسبابه إلى الغضب من الحكومات المتعاقبة التي تسببت سياساتها في الاضطراب الاقتصادي، الذي بدوره شكل منبعاً خصباً للدعاية الشعبوية اليمينية المتطرفة بين الأوساط العمالية والريفية ومحدودة الدخل. وهو اتجاه كتبت عنه معظم الصحف العالمية وشكل نموذجه مساراً واحداً، وتغلبت جدلية القرار على الواقع، حين واصل الاقتصاد البريطاني تسجيل النمو الإيجابي بعد الاستفتاء.إذ إن الشواهد التي ذكرناها عن استمرار التوقعات بأن يكون الاقتصاد قد سجل خلال العام نمواً بنسبة 2 في المائة، وهي النسبة التي إن تحققت فسوف يكون الاقتصاد أكثر إسرافاً في الأمل ما جعل يونكر يقول: «يجب أن يحترم البريطانيون التعهدات التي شاركوا في صنعها. لذا ستكون الفاتورة.. باهظة جداً»، وبذلك تجاهل المخاوف التي نتجت في أعقاب التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي والجدل الذي زامن تلك الأحداث..
لكنّ المسألة الأهم في هذا المجال تكمن في أن بريطانيا لم تخرج فعلياً من الاتحاد الأوروبي بل ستبدأ إجراءات الخروج، كما أعلنت جدولاً زمنياً للخروج منه، وشيئاً فشيئاً تتضح تفاصيل المحادثات الجارية بين لندن ودول الاتحاد، وهو الأمر الأهم الذي دعا الكثير من المحللين إلى التعبير بشيء من القلق حيال أداء الاقتصاد البريطاني في العام 2017، مع أن رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي أعلنت أنها ستكشف عن خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي ولكنها لم توضح التفاصيل وما زالت الآلية غير معروفة.
ومن عناوين الصحف الرئيسة التي حظيت باهتمام كبير استقالة سفير بريطانيا لدى الاتحاد الأوروبي إيفان روجرز الذي قدم استقالته بشكل مفاجئ، وهنا كررت وكالات الأنباء الحديث عن الغموض ذاته في الأهداف التفاوضية لبلاد إيفان بشأن طريقة الانفصال. وكل تلك العناوين تؤكد ما ذهب إليه عنوان هذا النص بأن بريطانيا عادت إلى الصفحات الأولى في الصحف، بعناوين مثيرة واستحوذت على اهتمام الباحثين في شؤون السياسة الأوروبية فصحيفة ذي غارديان استهلت افتتاحيتها في الأسابيع المنصرمة بالعنوان: «رئيسة وزراء جديدة ونفس المشكلات القديمة»، وهي الحال نفسها مع كثير من الصحف التي طرحت العديد من العناوين البارزة وذهبت في رؤيتها إلى أن مغادرة بريطانيا منظومة الاتحاد الأوروبي ستخلف عجزاً في الموازنة، وعنونت صحيفة «ذي صن».. «الصدمة الثلاثية لماي بشأن بريكست»، بإعلانها الخروج من ثلاث هيئات للاتحاد الأوروبى، وستواجه رئيسة وزرائها تحديات رهيبة. لكن حجم الأحداث وأهمية بريطانيا لن تدع الغروب يحجب وجودها وعظمتها، وستبقى تحت شمس الأحداث وعلى صدر الصحافة العالمية.