أحمد بن عبدالرحمن الجبير
تُواجه بلادنا حالة من التضخم، دفعت بنا لهيكلة كثير من القطاعات الاقتصادية، وفرض العديد من الضرائب، والتي شكّل بعضها صعوبة على قطاعات محددة، وقد أولت الرؤية السعودية 2030م هذا الجانب اهتمامها، مما جعل المؤسسات الوسيطة القيام بخدمة الأمن الاجتماعي من خلال الدعم للأسر الفقيرة والمحتاجة، وقيام الجمعيات الخيرية بجانب إيجابي ومهم في هذا المجال، حيث إن أغلب القائمين عليها هم من المتطوعين، ويرغبون في نيل رضا الله تعالى ومساعدة الوطن والمواطن.
والوقف في الإسلام كان مؤسسة مستقلة، ومتكاملة تعليمية وتدريبية وصحية، وفيها سكن ومأوى للمساكين، ولذوي الحاجة والفقراء، وطلاب العلم، ولكن في عهدنا الحاضر هناك غياب للثروة الوقفية في بلادنا، حيث يلاحظ عدم وجود أصول عينية، ولا تقدير لحجم الثروة، والسيولة النقدية، وحجم الإيرادات والمصروفات، مما يجعل الراغبين في وقف أعمالهم الخيرية في خوف دائم خشية ضياع أوقافهم، أو السيطرة عليها.
وفي الأيام الماضية سعدت بزيارة جمعية البر الخيرية بالمجمعة، ووجدتهم يتحمَّلون مسؤولية العناية بالثروات الوقفية، وبخاصة أوقاف محافظة المجمعة، والاهتمام بها اجتماعياً، واقتصادياً ويحفظون سجلاتها، ويسعون إلى فتح قنوات جديدة ومناسبة لها، واستثمارها وتنميتها، والمحافظة عليها، وحمايتها والصرف والإنفاق منها، ليعم نفعها المجتمع، ويستفيد منها الفقير والمحتاج والمريض، وطالب العلم، والأيتام والأرامل.
فجمعية البر الخيرية بالمجمعة تضطلع بالكثير من الأعمال الخيرية والمجتمعية، وتسعى جاهدة لتغيير الصورة المتعارف عليها عن عمل جمعيات البر، والمتمثل فقط على مساعدة الفقراء فبنظرة سريعة لما تقوم به الجمعية، نلاحظ تنوعاً في البرامج المقدمة في منظومة مرتبة تعطي كل ذي حق حقه، فكما أن التحول الوطني لبلادنا يجعل من الجمعيات الخيرية مساعداً رئيساً في التنمية الاقتصادية المجتمعية.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تسير في هذا التوجه وهو ما جعلها تطلق شعار التحول من الرعوية للتنموية، وهذا ما لمسته أثناء زيارتي للجمعية، وحسب ما أفادني به رئيس الجمعية الأستاذ توفيق العسكر أن الجمعية أنفقت أكثر من (5 ملايين ريال) وقدمت خدماتها إلى (600 أسرة) خلال العام الماضي، وترعى الكثير من البرامج مثل توزيع أموال الزكاة، ودعم الإيجارات وفواتير الكهرباء والماء، والإعاشة والحقيبة، والمريول المدرسي، وكسوة الشتاء، وإعانة الزواج، وهدية العروسين، ودعم الحاج والمعتمر.
بالإضافة إلى الكثير من البرامج النوعية مثل التعليم عن بُعد، وتأهيل وتدريب الأسر، وغيرها من البرامج والمشاريع، وإدارة الأوقاف مثل وقف الخير الأول والثاني والثالث والرابع، وبرامج سياحية وإعلامية، وثقافية واجتماعية، ولديهم أيضاً مشاريع مستقبلية ضخمة مثل سوق المستقبل والعمائر السكنية، ولمست أيضاً خلال هذه الزيارة تعاوناً هادفاً بين الجمعية ومختلف الأجهزة الحكومية وعلى رأسها محافظة المجمعة ممثلة في محافظها سمو الأمير عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل - حفظه الله -.
وكذلك لفت انتباهي الخطوة الرائدة، والنوعية المتمثلة في تشغيل مركز المعلومات بالتعاون مع المحافظة، والبلدية، وهيئة السياحة، وهو يقع على طريق الملك فهد في مدخل المحافظة للقادم من الرياض إلى المجمعة، ويقدم خدمة نوعية راقية تتمثّل في تزويد أهل المجمعة، وضيوفها وزائريها بالمعلومات التي يحتاجونها عن المحافظة من خلال زيارة المقر، أو تحميل التطبيق الإلكتروني عبر الأجهزة الذكية تحت عنوان (مركز المعلومات بالمجمعة).
كما لا يفوتني أن أشيد بخطوة رائدة قلما نشاهدها في جمعياتنا وتتمثّل في سعي الجمعية لتوظيف أبناء الأسر المستفيدة من خدمات الجمعية في القطاع الخاص، حيث وفقت الجمعية في توظيف حوالي 20 شاباً، وأيضاً أشيد بقيام الجمعية بالتنسيق مع القطاع الخاص لتدريب أكثر من (40 أسرة) على تسويق المنتجات التجارية، والاحترافية مما يمكّنهم من العمل في السوق، وبالتالي استغناؤهم عن الجمعية.
وأيضاً حرص الجمعية على الملاءة المالية حيث تمتلك الجمعية منظومة من الأوقاف في الرياض والمجمعة تديرها بامتياز، وتصرف ريعها في برامج ومشاريع الجمعية، وهذا يؤكد حرص القائمين على الجمعية على الاستقرار المالي للجمعية، وهذا بدوره يبعث رسالة تطمينية للمجتمع ولأصحاب رؤوس الأموال أن الجمعية تعمل وفق خطط محكمة مدروسة، وبناء على شروط وتوجيهات أهل الوقف.
كما أن الجمعية ستبدأ في برنامج تفعيل الوصايا، والأوقاف من خلال استقبالها من أصحابها والإشراف عليها وتنفيذها، وصرف الفاضل من ريع الوقف في برامج الجمعية، وقد انطلقت الجمعية في هذا البرنامج من خلال توجيه معالي الشيخ الدكتور عبد الله الركبان عضو هيئة كبار العلماء سابقاً، حيث أفاد - حفظه الله - بمجموعة من الإرشادات المكتوبة حول هذا البرنامج ومباركته لهذه الخطوة التي ستؤدي للمحافظة على الأوقاف، وصرف ريعها وفقاً لوصايا أصحابها.
لذا من الواجب أن يولي الأغنياء وأصحاب المؤسسات العامة والخاصة، ورجال الأعمال اهتماماً خاصاً بدعم المسؤولية الاجتماعية، وتقديم الدعم المالي والمعنوي للجمعية، والمشاركة في بعض برامجها وأنشطتها، من أجل رعاية الفقراء والمساكين والمحتاجين الذين ترعاهم الجمعية، وتسعى إلى تحسين أوضاعهم الاجتماعية، والمعيشية حيث إن هدف الجمعية نبيل وشريف، وخيري وإنساني.
لقد سعدت بما شاهدته ولمسته من حسن تنظيم وإدارة عظيمة وأعمال خيرة في الجمعية، والذي أثلج صدري ويستحقون عليه الشكر، وخصوصاً رئيس الجمعية الأستاذ توفيق العسكر، وأعضاء مجلس الإدارة الكرام، ولكل من ساهم في دعم الجمعية مالياً ومعنوياً، وآمل من الصحافة والإعلام المرئي والمسموع، وقنوات التواصل الاجتماعي التفاعل الجاد مع الجمعية، وإبراز أعمالها الخيرية لأن ديننا الإسلامي يحثنا على فعل الخير، ودعم الأوقاف.