د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأحد 29 - 1 - 2017 اتصالاً هاتفيًا بالملك سلمان بن عبد العزيز اتفقا خلاله على ضرورة التطبيق الصارم للاتفاق النووي مع إيران والتصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة وكذلك محاربة الإرهاب ومساعدة اللاجئين عبر إنشاء مناطق آمنة، بالطبع أصيبت إيران وحلفاؤها بصدمة قاسية ومؤلمة بأن ترامب لم يضع السعودية على قائمة الدول التي منعت مواطنيها من دخول الولايات المتحدة علاوة على ذلك يقوم بالاتصال بالملك سلمان ويتفق معه على مواجهة أنشطة إيران في المنطقة بعد فترة ذهبية مرت بها إيران تسرح وتمرح في عهد أوباما، وهو ما فرض على المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان اتخاذ قرار عاصفة الحزم لوقف التمدد الإيراني والتدخل في شؤون اليمن من أجل محاصرة السعودية من الخاصرة الجنوبية.
كما بحث الزعيمان الشراكة الإستراتيجية للقرن الواحد والعشرين بين البلدين وأهمية الارتقاء بالتعاون الاقتصادي والأمني والعسكري بينهما بهدف تعزيز التعاون والعمل المشترك وتفعيل الشراكة الإستراتيجية بين البلدين بشكل يوازي عمق العلاقات التاريخية بينهما خصوصًا أن السعودية تعيش مرحلة تحول تاريخية ما بعد عصر النفط بتنفيذ رؤية السعودية 2030 عبر مبادرات وآليات واضحة وقابلة للتنفيذ.
السعودية عليها أن تستثمر الظروف العالمية في مرحلة التحول التي يمر بها العالم خصوصًا أن وادي السيليكون ينتفض على قرار الحظر الأمريكي وهي ردود فعل حادة من عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين على قيود تمنع دخول المهاجرين في مأزق يعيد علاقة واشنطن بصناع التقنية إلى نقطة الصفر، وهناك قلق يجتاح دوائر الصناعة في ألمانيا من التخلف الرقمي حيث براعة الهندسة في ألمانيا ذات شهرة عالمية، لكن قطاع تكنولوجيا المعلومات فيها يتخلف عن سيليكون، فعلى مدى قرون كانت ألمانيا هي المحرك الرئيس للابتكار في العالم، لكن هذا اختفي الآن، فشركاتها تعرف إلى حد كبير المجازفة وهي غارقة في البيروقراطية، وهي تشاهد غزوات جوجل الأخيرة في قطاعات السيارات والطاقة والربوتات التي تتفوق فيها ألمانيا تقليديًا، بسبب أن الشركات الرقمية الكبيرة تظهر عند تقاطع قطاعات غير ذات علاقة كالبرمجيات وعلم الأحياء لكنها في ألمانيا لا تتقاطع، وحتى بريطانيا تتخوف عند مغادرتها الاتحاد الأوروبي قد تقيد تمويل التكنولوجيا الحيوية البريطانية والابتكار من بقية أوروبا.
يمكن أن تحقق الفكرة التي تولتها الرؤية السعودية بجذب المستثمرين على أن تكون أكبر نسبة من المنتج في السوق المحلية حيث يعد تنوع الصناعة في السعودية عامل جذب للشركات، وتتجه دول الخليج نحو تنظيم حوار خليجي- أوروبي لتعزيز التجارة والاستثمار من أجل أن يوفر بيئة تنظيمية للتعاون المشترك، خصوصًا وأن هناك توقعات حول قيام مسؤولي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بإحراز تقدم في توطيد علاقة جديدة خلال عام 2017 وكذلك التوقعات بشأن قيام الإدارة الأمريكية الجديدة باتخاذ موقف واقعي نحو السياسة التجارية والهجرة الدولية كما ستضع خططًا لتوفير الحوافز المالية.
هناك حراك متسارع في الاقتصاد السعودي، فسابك استحوذت على 50 في المائة من مشروع صدف من أجل أن يتيح الاستحواذ على فرصة التكامل مع مصانع مدينة الجبيل استعدادًا لمرحلة التصنيع المحلي، خصوصًا أن السعودية تتحرك لزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الذي يشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتنمية القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي من أجل أن ترتفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 10 في المائة عام 2015 إلى 25 في عام 2020، وأن يزيد الاستثمار الصناعي الخليجي على تريليون دولار في عام 2020 مقارنة بنحو 380 مليار دولار في عام 2015 نصيب السعودية 293.3 مليار دولار ولا تزال الاستثمارات الأجنبية محدودة لا تزيد عن 30 مليار دولار في دول الخليج، وإن كان ارتفعت في الآونة الأخيرة في السعودية إلى 15 في المائة من إجمالي الاستثمار في القطاع الصناعي.
وهناك شركات عملاقة طلبت دعمًا لصفقات استحواذ حيث هناك ثلاثة عوامل تدفع شركات البتروكيماويات للاندماج مع شركات مماثلة في القطاع لزيادة قدرتها على مواجهة التحديات والضغوط المتمثلة في زيادة الأسعار والمنافسة في الأسواق الخارجية وتباطؤ الاقتصاد العالمي والأكثر أهمية التي تشجع على الاستحواذ التغيرات الجذرية التي يشهدها هذا القطاع، فعلى المستوى المحلي نجد زيادة في التكلفة مع زيادة أسعار الطاقة وزيادة التكاليف الإنتاجية في حين أن قطاع البتروكيماويات السعودي يواجه تحديًا جديدًا هو أن الشركات الصينية تعتمد على الفحم في الإنتاج إلى جانب أن السوق الأمريكية التي تشهد تحولاً جذريًا وقد تنافس في القطاع مع اعتمادها على النفط الصخري.
الاندماج يحقق للشركات الصغرى القدرة على الاستمرار وهو طريق للتخلص من الخروج من السوق، وسجلت دول مجلس التعاون الخليجي 65 في المائة من إجمالي صفقات الشرق الأوسط وشمال أفريقا خصوصًا أن دول الخليج تتجه نحو رفع الإنتاج في قطاع البتروكيماويات من 77.3 إلى 113 مليون طن سنويًا، وأن شركات البتروكيماويات الخليجية تعد من بين أقل المصنعين كلفة في العالم بسبب تكاليف الطاقة ومدخلات الإنتاج الرخيصة، حيث يتمتع منتجو الكيماويات في منطقة دول التعاون بميزة تنافسية على حساب الآخرين نظرًا إلى موقعها الجغرافي وتطورها كمركز نقل رئيس، واستثمار انتعاش عمليات الاندماج والاستحواذ على المدى المنظور في عام 2017 بعد فترة من الحذر في عام 2016 بشكل حاد وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، رغم ذلك توقع تقرير بيكر ماكينزي أن تنخفض قيمة الصفقات في عام 2017 إلى 2.5 تريليون دولار منخفضة من 2.8 تريليون دولار عام 2016، لذلك تحرص السعودية على رفع أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى نصف تريليون دولار حتى يصبح الاستثمار السعودي يجذب أنظار العالم.
رغم ذلك لا تزال السعودية تستهدف تملك ربع الاحتياطي النفطي في العالم بـ416.5 مليار برميل سيشكل ربع احتياطيات العالم من النفط حيث يتركز النفط التقليدي في عشر دول في العالم أقلها الولايات المتحدة التي تحتل المركز العاشر لا تمتلك سوى 36 مليار برميل بالرغم من أن أول قرار اتخذه ترامب تفعيل تقليص الاعتماد على الطاقة الخارجية، لكنه يبدو غير متحقق حتى الآن لأن كندا لا تمتلك من الاحتياطيات النفطية التقليدية سوى أربعة مليارات برميل، لكنها تمتلك نفطًا صخريًا، لذلك وافق ترامب على مد خط كيستون إكس إلى، وحتى روسيا فهي لا تمتلك سوى 80 مليار برميل، مما يعطي السعودية أهمية إستراتيجية كبيرة تجعل الولايات المتحدة وبقية دول العالم في عدم تجاهلها، بسبب أن استثمارات الغاز الطبيعي العالمية تواجه صعوبات تراجع الأسعار والتمويل وهناك توقعات بتحسن نسبي للغاز في مزيج الطاقة العالمي خلال 5 سنوات، مما يزيد من أهمية السعودية خصوصًا أن سياسة المملكة العربية السعودية سياسة تعتمد على الشراكة والسلم.