منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وهي تمر بخطط تنموية في كافة المجالات.. لتسابق الزمن، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من مكانه إقليمية وإسلامية وعالمية، وبفضل -الله تعالى-، لا تزال الخطط مستمرة والعمل في ازدياد، لأن الطموحات كبيرة، والوطن يستحق منا المزيد، فها هي رؤية 2030، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان -أدام الله عزه وتوفيقه- وبمتابعة من ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وفَّقه الله-، تحمل مستقبلاً مشرقًا للوطن وأبنائه. - بإذن الله تعالى - للمضي قدمًا على المستوى الاقتصادي، والثقافي، والصحي، والاجتماعي وغيرها، وهذا يتوافق مع مقولة علماء إدارة التغيير والتطوير بأن (كل شيء في أي منظمة.. يتغير، ولا شيء يثبت إلا التغيير نفسه).
ومن منظور مهني يتعلق بفن إدارة التغيير والتطوير، فإن الرؤية تحمل في طياتها الكثير من التفاؤل، فبداية، الرؤية نابعة، من الفعل (Proactive) وليس من ردة الفعل (Re-active) الذي غالبًا ما يكون لتجنب مخاطر مرتقبة، أكثر من أنه يكون خطوة إلى المستقبل، فالتغيير المبني على الفعل تكون نسبة نجاحه عالية متى ما تم تخطيطه وتنفيذه بشكل مدروس من كافة الأطراف المعنية، على عكس التغيير الذي يكون مبنيًا على ردة الفعل.
أيضًا.. هناك ثلاثة عناصر تعد الحجر الأساس والمثلث الجوهري لنجاح أي مشروع تطويري مصحوب بتغيير جذري وهي:
1 - استراتيجية واضحة للمستقبل (رؤية).
2 - أنظمة تسهم في ترجمة الاستراتيجية إلى واقع عملي.
3 - ثقافة متجددة لتعايش الناس مع المستقبل المأمول.
فنجاح كل عنصر مرتبط بنجاح الآخر والعكس صحيح، ولذلك فإن التناغم بين هذه العناصر عامل مهم جدًا لبناء أساس لتخطيط البرامج التطويرية.
فأما العنصر الأول وهو استراتيجية الرؤية، فإنها تعكس المستقبل المأمول، فلا يمكن البدء بأي خطوة من برامج التطوير قبل تكوين رؤية واضحة المعالم، والرؤية الناجحة تكمن في ثلاث خصائص، وهي: وضوح الرؤية، فلا بد من أن تكون رؤية واضحة ومفهومه، وهنا يكمن الدور المهم لعمل الدراسات والأبحاث اللازمة لرسم خريطة طريق للمستقبل، والخاصية الثانية هي أن تكون نتائج تحقيق الرؤية ليست إيجابية فحسب، بل إن تفوق المكتسبات والخسائر المصاحبة للتغيير، سواءً كانت خسائر مادية أو وقت أو جهد وغيره، الخاصية الأخيرة وهي أن تكون الرؤية قابلة للتطبيق وفق الجدول الزمني المحدد لها.
فمن الملاحظ في بناء رؤية 2030 أن الأمير محمد بن سلمان عمل على منهج معروف في علم التطوير.. وهو (القيادة التشاركية) (Participative Leadership)، حيث إن جميع الوزارات، والقطاع الخاص، والجهات الاستشارية كان لها دور رئيس في تشكيل الرؤية من خلال إبداء آرائهم ومقترحاتهم ونقل الصورة الحقيقة بما يتناسب مع احتياجاتهم.
وأما العنصر الثاني فيتعلق بتطوير الأنظمة الحالية أو تشريع أنظمة جديدة بما يتناسب مع طموحات الرؤية وأهدافها، ففي هذا العنصر يكمن جوهر العمل التطويري، كونه الذي ينقل الرؤية إلى واقع ملموس، كما أن العمل على تطوير الأنظمة يتطلب تعاونًا من جميع الأطراف المعنية من جهات حكومية وخصوصًا واستشارية وغيرها. والتحدي الأصعب لا يكمن في تطوير الأنظمة نفسها فحسب، بل في تنسيق العمل بين القطاعات والجهات المعنية. فمثلاً، بعض الأنظمة المتعلقة بوزارة التجارة والاستثمار تحتاج إلى تنسيق مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لتطويرها.
أما العنصر الثالث فهو الثقافة.. وتعد مثل الروح في الجسد، فخلق رؤية، وتطوير أنظمة تتوافق مع الرؤية، لا يكفيان لنجاح وتحقيق أهداف الرؤية. بل لا بد من التغيير أو التطوير الثقافي. كما أن هناك مبادرات عملية لتطبيق الأنظمة بما يتوافق مع رؤية 2030، فدور المبادرات الثقافية لا يقل أهمية عن ذلك، فمثلاً.. تطبيق أفضل الأنظمة المرورية في مجتمع لا يدرك مخاطر السرعة ولا يعي بشكل كبير أهمية السلامة المرورية، فليس غريبًا أن يفشل تطبيق هذه الأنظمة المرورية وإن كانت تطبق في أفضل بلدان العالم.
ومثال آخر على توجه رؤية 2030 لدعم الاستثمار الأجنبي والسياحة، فمن الضروري توفير ثقافة عالمية للسياحة وأعني هنا أن يكون المجتمع قابلاً للتعايش مع المستثمر أو السائح الأجنبي بما يتوافق مع قيمنا الدينية وعاداتنا الاجتماعية لتشكل بيئة خصبة وجاذبة، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل على المستوى الاجتماعي يعكس صورة حسنة عن ديننا وبلدنا.
ختامًا، كلنا ثقة بقيادتنا الرشيدة، وشباب هذه البلاد المباركة لتحقيق المزيد من التقدم لبلدنا وتأمين مستقبل الأجيال القادمة.
المحامي د. محمد بن راشد الهزاني - دكتوراه - إدارة التغيير والتطوير - بريطانيا
yaz9eed@hotmail.com