د. فوزية البكر
أقر مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مساء الخميس الماضي الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 2017 والتي حملت معها الكثير من المتغيرات والبشائر والتساؤلات التي كان أبرزها عزم الحكومة الواضح علي التوجه باقتصاد المملكة للخروج من مربع النفط الضيق المتأرجح في أسعاره إلى الاقتصاد الواقعي القائم على الإنتاج والصناعة والتصدير كما هي حال الكثير من الدول ذات الموارد الطبيعية المحدودة مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها من الاقتصاديات الناجحة التي اعتمدت أذرعاً كثيرة لإصلاح اقتصادها وكان أقواها ذراعي التعليم (عبر العناية بتعليم وتدريب الموارد البشرية) والاقتصاد عبر خطط مدروسة مبنية على الشفافية والحوكمة والمساءلة واللامركزية من خلال المشاركة الوطنية المأسسة للمواطن ليكون ذراعاً للتنمية في كل مكان مدافعاً عن أحلامه وأحلام أبنائه من بعده لا ناقداً أو لا مزاً لها.
ميزانية المملكة هذا العام حملت لغة مختلفة تعتمد مفاهيم جديدة على المواطن مثل الخصخصة والضرائب المتنوعة وزيادة الرسوم على أسعار الكهرباء والنقل والمياه إلخ من المفاهيم الجديدة خاصة لغير المتخصصين. لذا وإلى جانب أهمية الإعلان عن بنود الميزانية وتفصيلاتها ومخصصات كل قطاع كما المعتاد عند إعلان الموازنات العامة إلا أننا هذه المرة بحاجة إلى الكثير من التهيئة النفسية والعقلية حتى نستقل جميعاً ذات المركب ونبدء في التجديف في اتجاه واحد لتحقيق طموحات الرؤية 2030 بدل أن يتساقط البعض ممن لا يحسنون القفز إلى المركب أو هم لا يحسنون حمل أذرعه أو أنهم يجدفون في اتجاه معاكس مما هي سمات معتادة عند مقابلة أي جديد.
نحن بحاجة إلى أن نفهم الدلالات الاجتماعية والشخصية للمبالغ المخصصة للقطاعات المختلفة وعلى رأسها الصحة والتعليم. هل حقاً سيكون أبني قادراً على أن يحصل تعليماً متقدماً يزوده بمهارات القرن الواحد والعشرين المطلوبة ليعيش حياة متوازنة ويجد عملاً يحبه؟.. هل سيجد أبني سعود لاحقاً مقعداً في الجامعة لتخصص يحبه يجعل استثمار الدولة واستثمارنا كعائلة ذات قيمة مضافة لمستقبل الابن والوطن معاً؟.
هل سأجد سريراً في مستشفى حكومي فيما لو أصبت لا سمح له بطارئ؟.. وهل هذا السرير قريب من القري والأرياف البعيدة فيما لو احتاجه مواطن معاق أو كبير كما هو قريب في المدن؟.. وهل عليّ أن أعرف أحداً في المستشفى حتى أتمكن من علاج عاملتي المنزلية إذا ما أصيبت بمرض خطر يضطرها لمراجعة مختص؟.. هل سأجد خدمات عامة من مواصلات عامة وشوارع فسيحة ومدن مطورة تحقق شروط الحياة (المريحة) بدل أن أضطر إلى الهرب إلى خارج البلاد كلما توافر في جيبي قرشان؟.
استبشر المواطنون مع ظهور الميزانية بخطوة (حساب مواطن) والذي يهدف إلى تقديم المساعدة الحكومية المباشرة للأسر التي يقل دخلها الشهري عن حد معين، بحيث لا تتأثر بشكل كبير بالتغيرات الكبيرة التي ستطرأ بالضرورة على أسعار الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء والسؤال ما هي الآليات التي سيتم تنفيذها للسير بسلام عبر هذه الخطوة الجميلة وكيف نضمن سلامة رحلة المولود حتى يكبر وقبل أن يتكاثر عليه المفسدون كما حدث مع حافز.
الخصخصة كما أظهرت التحليلات اللاحقة لظهور الميزانية ستساعد على خفض النفقات الحكومية بأكثر من 40 % لكن أي نوع من الخصخصة نتحدث عنه هنا؟.. هل هي الخصخصة الأمريكية الرأسمالية الشرسة التي تخدم القادرين على دفع التزامات شركات التأمين العالية أم هي الخصخصة الأوروبية المدعومة بمشروعات الدعم الاجتماعي للمواطن؟.. وماذا عن مشكلات الطريق أثناء محاولة الخصخصة من استخدام للنفوذ أو تجاوز للقانون أو سوء في التنفيذ أو حتى من (الباطن) إلخ من المشكلات التي أعاقت الآلاف من المشروعات الحكومية مثل مركز غسيل الكلي في محافظة المجاردة الذي لم يكتمل منذ عشر سنوات أو مدرسة البينين في حوطة سدير أو أو هنا وهناك. قد تبدو الخصخصة مثيرة لكثير من الشباب والتجار أو حتى المغامرين لكنها مسرح كبير ومخيف يمكن أن يلتهم حقوقاً أساسية للمواطن مثل حق التعليم أو حق العلاج أو التنقل وهو ما لا تقبل به حكومتنا الرشيدة بحيث قد يكون مفيداً أن نتأمل قليلاً في خطواتنا بدلاً من أن ننتبه لآثار العلة بعد حصولها.
حفظ الله وطننا آمناً مستقراً.