غسان محمد علوان
مذهلٌ هذا الوسط، ممعنٌ في الإبهار، ومبدعٌ حتى الجنون في صنع الدهشة.
لم يكن توثيق البطولات حدثاً استثنائياً على الإطلاق، بل كان صاعقة مدويّة سقطت على رؤوس كل من كان يتأمل في رياضةٍ أجمل، في تنافسٍ أرقى، في غدٍ أكثر إشراقاً لتلك المستديرة التي نعشقها حد الثمالة.
ما كل هذا الجنون؟ ومن أين أتى هذا الصخب الذي أصم الآذان من فُحش الطرح ورداءة المنطق.
لم تعد كرة القدم لنا هوىً وميول، بل غدت عقيدة حزبية تتقبل من مسيريها وقادتها أي توجه وأي طريقة للقدح في الغير والتقريع بالرأي الآخر مهما كلف الأمر من مصداقية أو أمانة أو النزر اليسير من أدب الاختلاف والنقاش.
ما الذي حدث؟ هل تم إلغاء بطولة لأحد؟ هل تم منح فريق دون الآخر بطولات حققاها من قبل؟ بالتأكيد لا، وكل المعارضون يعلمون ذلك تمام الثقة.
كل ما حصل أن أعلى سلطة رياضية في البلد، شكلت لجنة تثق بمؤهلاتها وقدراتها العملية على الرصد والتدقيق والتصنيف لمناسبات رياضية حصلت بالفعل ولم ينكر حدوثها أحد، وطلبت منها تصنيفها حسب أهميتها التنافسية كبطولات رسمية معتبرة، نزولاً إلى بطولات ودية وشرفية. وهذا ما كان فعلاً.
فهل تم الاعتراض على المعايير؟ وهل تم خلال المؤتمر أو بعده طرح رؤى تساهم في تحسين أو تطوير تلك المعايير لتزداد احترافية ومصداقية؟ بالتأكيد لا.
أكثر ما أدهشني في كل تلك الأصوات المعارضة هو التركيز على عمر المشاركين في لجنة توثيق البطولات، ليظهروا جهلاً كبيراً بين المؤرخين وشاهدي العيان! هل يجب على كل راصدٍ للتاريخ أن يكون معاصراً للحقبة التي يتحدث عنها؟ أم يجب عليه أن ينتهج منهجاً بحثياً علمياً واضحاً وصريحاً بناءً على الوثائق وشهود العيان (إن وجدوا)؟ كل ذلك غير مهم لديهم، لأن هواهم لم يكن مع النتائج التي لم تغير من واقع الأمر شيئاً سوى وضع كل بطولة في مكانها الصحيح.
المثير جداً في هذا الموضوع هو تقبل المعارضين لأي كذبة، بل وتبنيها بمجرد سماعها من شخص متعصب آخر.
فبعضهم غضب من بطولات رسمية لم تحتسب، وهي موجودة في الجدول بكل وضوح.
بعضهم جعل كل أعضاء اللجنة هلاليون، بل وأضاف أسماءً هلالية لم تتواجد في اللجنة لمجرد تمرير الكذبة التي يريد أن يصدقها ويجعل بقية المعارضين يصدقونها، كما صدقوا كذبة توالد البطولات في الدواليب دون منطق أو عقل.
وبعضهم أعلنها صراحة في برنامجه أن دعمهم للمنتخب قد توقف بسبب إقامة المؤتمر والذي لم توافق نتائجه هوى مقدمه الذي يتشدق بالحياد والوطنية والمثالية في كل موقف، ثم يرسب فيها بأكملها عند كل موقف حقيقي يتطلب منه ذلك.
أما ذلك المتحدث الرسمي باسم أحد الأندية والذي ظهر كطفلٍ باكٍ، محتقراً ومقوّضاً كل مهارات وإمكانيات اللجنة والأعضاء المنتسبين وعارضاً تقديم خبراته الخارقة وقدراته غير المسبوقة في تحضير وتجهيز ورشة عمل، فهو مثالٌ آخر لمحبي الفوضى والانفلات.
وآخرٌ لم يجد في عمل اللجنة أو في معاييرها أو نتائجها ما يستطيع انتقاده بموضوعية، فتحول لمقيّم لأحبار الطابعات وألوانها ولخبير في جداول الكمبيوتر وأنواعها وطريقة إعدادها.
تلك الأندية التي أصدرت البيانات تعلم علم اليقين أن بياناتها وإنكارها للجنة وعدم اعترافها بنتائجها، هو مجرد صراخ يقيها انتقاد جماهيرها التي أوهمتها بأنها تملك من المنجز البطولي ما ليس لها. وأن كل كذباتها السابقة كانت حقيقة وليست مجرد مناكفات إعلامية لحظية يراد بها انتصار عابر أو تمجيد مؤقت.
ألا تعلم تلك الأندية مكانتها الصحيحة في تراتبية وهيكلة الرياضة لدينا؟ ألا تعلم أن قرارات الرئيس العام لهيئة الرياضة واجبة النفاذ عليها دون استشارة أو انتظار لموافقة، والتي وإن حصلت فهي لمجرد الاستئناس بوجهات النظر؟
فذلك النادي (أي نادٍ) يجب أن يعي تماماً أنه يشابه في المنظومة التي يقع تحت مظلتها، ذلك الفرع التجاري الذي يقع تحت مظلة إدارة شركة، تقع تحت مظلة شركة قابضة تملك العديد من الشركات. فبالله عليكم، فهل الرئيس التنفيذي للشركة القابضة ينتظر اعترافاً بقراراته المنطقية من أحد مدراء فروع إحدى شركاته؟!
هم لا يريدون نظاماً، ولا يبتغون تطوراً. كل ما في الأمر أنهم وجدوا أنفسهم بلا رقيب أو حسيب، يكذبون ويصدقون كذباتهم، ثم يسخّرون لهم الأبواق الإعلامية في برامج التهريج وقنوات التعصب ليهاجمون كل من ينكر عليهم كذبهم. وأتقنوا تلك اللعبة جيداً، لدرجة أنهم لا يريدون من أي صوت عاقل، أو رجل رشيد أن يغيّر عليهم ما اعتادوه وألِفوه.
فتجاهلوهم، فمن الممكن أن يكون كل أنين سببه الوجع، ولكن الأكيد أن ليس كل وجع سببه طرف خارجي آخر.
خاتمة...
الغباء هو: معرفة الحقيقة، رؤية الحقيقة، ثم الإيمان بالأكاذيب.
(حكمة)