أحمد المغلوث
ذات يوم طلبت الزوجة من زوجها أبي عبد العزيز أن تسافر إلى الدمام لزيارة شقيقتها والتي تسكن هناك.. فوعدها خيراً وداخلها شكٌ كبير في أن ينفذ وعده رغم أنها تعرف جديته لكن مشاغله وأعماله قد تضطره أحياناً لتأجيل تنفيذ بعض من وعوده خاصة فيما يتعلق بالسفر وبالذات في مثل هذه الأيام. فالأمطار ومع قدوم الشتاء بدأت تتساقط. ولكن كان عليها أن تثق في وعده ففي داخلها شعورٌ بالاطمئنان والثقة يتجاوز حدود الشك. وكانت معها في البيت أم وهب والتي تأتي لمساعدتها في أعمال بيتها الكبير. التفتت إليها وهي تنقي حبات الأرز في جلستها القرفصاء «والمنسف» الذي وضعته أمامها على أحد المساند يُشكّلان معاً مشهداً تراثياً محبباً ما زال مرسوماً في ذاكرة الفتى وحتى في بعض لوحاته.. وقالت لها: الله يعطيك العافية بعد ما تنتهي من تنقية الأرز جهزي العجين تراني تركته يتخمّر قبل فترة علشان بنخبز عجينة «الملتوت» ناوية آخذ معي كمية منه لأختي أم حمد بالدمام.. تعرفين ما يمكن نزورها ويدنا فاضية؟! فتطلعت إليها أم وهب وقالت الأسبوع الماضي راسلين لها (ثلاث قلال تمر خلاص) فردت عليها بحدة: الله يهديك هذه أختي لو بيدي كان كل يوم أرسل لها شيئاً. الحمد لله الخير كثير. وهي بيني وبينك تحب «الصوغة» اللي مثل كذا خصوصاً الملتوت والكليجا.. مع أنها تجيد خبزهما أكثر مني. بس تقول: اللي يأتي من الحسا فيه رائحتها الطيبة..؟! فتطلعت إليها أم وهب في خجل وقالت: والله والنعم منك ومنها. المهم تأمريني بشيء آخر.. فردت لا بس الهمة علشان يكون كل شيء جاهزاً. ممكن نسافر بعد صلاة العصر.. قالت ذلك وهي تتجه إلى غرفتها «المربعة».. أما أم وهب فسرعان ما قامت من جلستها حاملة «المنسف» متجهة به للمطبخ.. وبعد صلاة العصر كان الزوجان معاً في سيارتهما الشفر السماوية ذات الخطوط العريضة الحمراء الجانبية ورائحة «الملتوت» تطغى على رائحة دهن العود الذي تعطرا به. وفتاهما في المقعد الخلفي يقلِّب صفحة مجلة سندباد. عندما وصلت السيارة إلى «شدقم» وكان طريقها ثعبانياً يتلوى حول الجبال كانت الزوجة الوجلة تردد. خفف السرعة. انتبه للسيارة الكنور.. لاحظ الدمنتي القادمة. يا الله انتبه طالع باص أرامكو الكبير.. بل كادت أن تمسك المقود بيدها وهو يطمئنها ويردد. لا تخافين يا أم عبد العزيز زوجك خبير بهذا الطريق...! وبعد عدة أيام من عودتهما من الدمام كانت الزوجة جالسة في رواق البيت وهيتخيط على ماكينة الخياطة فستاناً لابنتها وكان زوجها جالساً بجوارها يحتسي الشاي. عندما راح يردد. انتبهي للطول. لا تنسين تحطين كم حبة «ترتر» في الأكمام. لا مو معقول. يبدو أنك زودتِ المقاس في الصدر البنت ما زالت صغيرة أفا خياطتك مهزوزة وغير معقولة. جربي تعملين كذا. وتطرزين هكذا؟! فتطلعت إليه زوجته بغضب وهي تحرك يد الماكينة وقالت بامتعاض: صدقني ضايقتني ما بقى شيء لو تجلس محلي يكون أفضل وأزين.. فنظر إليها زوجها بحب وهو يربت على كتفها تذكرين مشوارنا للدمام وكيف نرفزتيني وأنا أسوق. أشربي من نفس الكأس.. ووحده بوحده. فتضاحكا وفتاهما يسجل في ذاكرته ما حدث..؟!
تغريدة:
عندما نشعر بالأسف نتطلع إلى الخلف. والقلق ينظر حولنا أما الأمل فهو ينظر إلى الغد والمستقبل الباسم بمشيئة الله؟!